أخبار عاجلة
عاجل.. الأهلي يعلن التشخيص الرسمي لإصابة زيزو -

نجاح بولس يكتب في وداع مولانا سليمان شفيق

نجاح بولس يكتب في وداع مولانا سليمان شفيق
نجاح بولس يكتب في وداع مولانا سليمان شفيق
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

رحل عن عالمنا منذ ساعات قلبٌ محبٌّ ملأ حياتنا بالأمل والتفاؤل والتشجيع. كان معلِّمًا فاضلًا لم يبخل على أبنائه وتلاميذه بالنصح والإرشاد، وكأخٍ أكبر لم يتعالَ على أحدٍ قط، فكان سندًا ومرشدًا لكل من حوله.

 كانت سنوات عمره التي تجاوزت السبعين بقليل زهورًا فاح عبيرها الطيب في ثنايا الوطن وتفاصيله. تاريخ طويل من العطاء دون مقابل للوطن والكنيسة والصحافة والعائلة والأصدقاء والتلاميذ، فخلَّف رصيدًا زاخرًا بمحبة القلوب، وتراثًا بحثيًّا وأكاديميًّا محمَّلًا بعوامل الرفعة والمهنية والموضوعية والتجرّد.


حمل هموم الوطن في قلبه، فأعطاه من عمره وحريته الكثير، ولم يطلب سوى عبير ترابه العطر. لم يكتفِ بنضاله الفكري والثقافي عبر عمله الصحفي وكتبه ومقالاته المحرِّضة على المواطنة والانتماء الوطني، بل كان أيضًا مناضلًا سياسيًّا في الشارع وداخل أروقة الأحزاب السياسية. وكانت انتماءاته اليسارية وإيمانه بالفكر الاشتراكي أرضية انطلقت منها مسيرته السياسية والحزبية. ومن أجل ولائه لمبادئه الفكرية، تعرّض لكثير من المضايقات التي وصلت إلى الاعتقال برفقة رفقاء كثيرين خلال فترة صعود وتأثير التيار اليساري في الشارع السياسي المصري. وحتى بعد خفوت بريق هذا التيار وتراجعه وانكماشه وتهميشه لصالح تيارات أخرى، لم يتخلَّ عن انتماءاته الفكرية والسياسية، ولم يهرول إلى مسارات أخرى بحثًا عن منصب أو مغنم.


كان مهمومًا بقضايا المكوِّن القبطي، مناضلًا نبيلًا من أجل تفعيل مفهوم المواطنة الكاملة غير المنقوصة. حثَّ الأقباط على الانخراط في الشأن العام والحياة السياسية، منطلقًا من منظور وطني لا طائفيّ ولا أقَلَّوي. وقد عبّر عن دور المكوِّن القبطي في تغيير مسار الحركة السياسية قديمًا وحديثًا. ومن خلال كتابه «الأقباط: من لاهوت التحرير إلى ميدان التحرير» أشار إلى دور الأقباط في اندلاع الثورتين الشعبيتين الأساسيتين في التاريخ المصري الحديث (1919 و2011)، حيث سبقتْهما تحرّكاتٌ قبطية احتجاجية هيّأت الشارع المصري لاستقبال موجات ثورية أوسع.
وفي مسيرته الداعمة لتعزيز انخراط المكوِّن القبطي بشكل طبيعي في المجتمع، والحدّ من العزلة التي فرضها على نفسه بالعزوف تارةً أو فُرضت عليه بالتهميش تارةً أخرى، ترك وراءه إنتاجًا ثقافيًّا وصحفيًّا ضخمًا، ضم مئات المقالات والبحوث وعشرات الكتب، من أهمها: «الأقباط بين الحرمان الوطني والكنسي»، «الأقباط.. 2000 عام بين المشاركة والعزلة». كما أشرف على تحرير العديد من البحوث المنشورة عبر مراكز الأبحاث، مثل بحث «الأقباط بين ثورتين». وشارك أيضًا بأوراق بحثية في العديد من المؤتمرات والندوات التي ناقشت إشكاليات المشاركة السياسية والاجتماعية للأقباط.


أمّا القضية الفلسطينية فكانت حاضرةً في وجدانه، متربِّعةً داخل قلبه على الدوام. وكما كان موقفه من قضايا وطنه الأوّل مصر، هكذا كانت مواقفه تجاه وطنه الثاني بالهوى والعشق: فلسطين. فلم يكتفِ بالنضال الثقافي والصحفي عبر مئات المقالات في مختلف الصحف دعمًا لحقّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه، بل شارك أيضًا في النضال الميداني، ملتحقًا بصفوف المقاومة الفلسطينية في لبنان. كما شارك في مراقبة الانتخابات الفلسطينية الأولى عام 1996، وأصدر كتابًا بعنوان «رحلة إلى فلسطين» وثّق عبر صفحاته مراحل النضال الفلسطيني من أجل الأرض والحرية.


كان مولانا سليمان شفيق – كما كان تلاميذه ينادونه – نقطةً مضيئةً في تاريخ الحياة الفكرية المصرية، جسّد بكل اقتدار نموذج المصري الأصيل، عاشق تراب الوطن وقطعة من طينه. عاش حياته من أجل رسالة سامية جاهد في تحقيقها، غير ملتفتٍ إلى مكاسب أو ألقاب. فلم يجْنِ من تعب مسيرته الطويلة سوى أعظم لقبٍ يمكن أن يستحقه البشر: لقب إنسان.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق رجب خلف الله مرسي: كلمة الرئيس السيسي اليوم خارطة طريق للمستقبل ودعوة للاصطفاف خلف القيادة السياسية
التالى حماة الوطن: كلمة الرئيس بقمة الدوحة تشدد على أهمية موقف عربي موحد