صلاةُ الظُهر، هذا الركن اليومي الذي يوقّفه المسلم بين زوال الشمس وارتفاعها عن كبد السماء، ليست مجرّد فرض ديني يُؤدى فقط، بل تحمل في طياتها أسرارًا عظيمة تدعو للتدبّر والتقوى.
في السطور التالية نكشف بعض هذه الأسرار، ونرى كيف أن صلاة الظُهر تزيد النفوس مالًا من الصفاء، والقلوب سكونًا، والآجال برحمة الله.
الإسرار في صلاة الظُهر
صلاة الظهر من الصلوات التي يُسنّ فيها الإسرار؛ أي القراءة بصوت خافت لا يُسمع من قبل المأمومين، إلا في الحالات التي يكون فيها الإمام مفردًا أو في جوّ لا يعيق كثرة أهل الصوت.
الحكمة في ذلك حسب ما ورد في كتب الفقه أن الصلاة في وقت الظُهر والعصر تكون أوقات عمل وحرّ شديد وصلاة جماعة، فالأسرار تراعي راحة المُصليين، وتُعطي الصلاة خشوعًا وسكينة أكثر.
تأخير صلاة الظهر عند اشتداد الحرّ
من السنن المؤكدة أن يُؤخر المصطفى ﷺ صلاة الظهر عند اشتداد الحرّ (البرد) حتى يخفّ، مع حفاظه على أدائها. الحديث: «إذا اشتدّ الحَرّ فأبردوا بالصلاة، فإنّ شدّة الحَرّ من فيح جهنم».
هذا التأخير ليس تأخيرا تعسفيًا بل مراعاة لخشوع القلوب وتخفيف العاطفة الجسمية، لتكون الصلاة عند المصلي خالصة مؤثرة.
الأبعاد الروحية والنفسيّة
التوسّط بين الصلوات
يُشار إلى صلاة الظهر أحيانًا بـ الصلاة الوسطى في أدبيات التفسير، باعتبارها تقع وسط النهار، ووقتها وسط اليوم. هذا الاعتبار يعطيها مركزًا في الروح الإسلامية كموقف لا تهرب منه النفس بسهولة، بل حملة لوعي وتجديد.
طول القراءة والخشوع
كان النبي ﷺ يطيل في الركعة الأولى من صلاة الظهر، ويقصر في الثانية؛ كما كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الفاتحة وسورتين، ويسمع أهل الصلاة الآية أحيانًا.
طول الركعة الأولى يشير إلى أن الله يعطي وقتًا لنفوسنا لتستقر، وللقارئ أن يعايش مخاوفه وأمنياته وشجونه قبل أن يدخل في الركوع والسجود، فيشعر بقوة القرب من الله.
أثر صلاة الظُهر في حياة المسلم اليومية
وقاية من الهمّ والذنوب
المحافظة على الصلوات، وخصوصًا صلاة الظهر في جماعة إن أمكن، ترفع الهمة وتمنح النفس راحة بعد الضغوط الظاهرة والمخفية، كما أنها من أسباب تكفير الذنوب بين الجمعة والجمعة إن لم تُغشّ الكبائر.
مظهر من مظاهر التوازن
صلاة الظهر تأتي بعد منتصف اليوم، في وقت ربما يكون فيه العمل والجهد قد أثّرا على النفوس، فتكون فرصة لإعادة التوازن بين الدنيا والعبادة، وتجديد الشكر لله، وطلب العون حتى تمضي الأوقات الباقية منه بإيمان ونشاط.
تساؤلات فقهيّة مثيرة للنظر
هل صلاة الظهر هي الصلاة الوسطى المشار إليها في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾؟ بعض العلماء يرون أن الوسطى هي صلاة العصر، لكونها تقع في أوقات متشابكة بين النهار والليل، والبعض الآخر يرى أن الظهر يتوصّل ليكون الوُسطى بحسب فهم زيد بن ثابت وغيره.
