
تخوض وزارة الداخلية المصرية معركة لا تقل خطورة عن مواجهة الإرهاب، إنها الحرب ضد "القتل البطيء" الذي يمارسه تجار الغش و المحتكرون عبر تسويق منتجات مغشوشة وأدوية مجهولة المصدر تفتك بصحة المواطنين.
جريمة كبرى تستهدف المصريين
في كل عبوة دواء فاسد، وفي كل منتج تجميلي مقلّد، تتربص جريمة كبرى تستهدف المصريين بلا رحمة، مدفوعة بجشع مافيا الربح السريع. خلال الأيام الأخيرة، وجّهت وزارة الداخلية، ممثلة في الإدارة العامة لشرطة التموين والتجارة، سلسلة من الضربات الأمنية الدقيقة التي أطاحت بشبكات واسعة تورطت في تصنيع وتخزين وتوزيع مستحضرات طبية وتجميلية مغشوشة.
وجاءت هذه الضربات لتؤكد أن الدولة المصرية لا تترك مواطنيها فريسة سهلة لتجار الموت، بل تحميهم وتلاحق كل من يتلاعب بصحتهم، حفاظاً على حياة الشعب وأمنه الغذائي والدوائي.
الضربة الأولى ضبط مصانع الموت في المنوفية والقاهرة والجيزة
في إطار المتابعة الدقيقة لملفات الغش التجاري، كشفت أجهزة وزارة الداخلية النقاب عن واحدة من أخطر القضايا التموينية، حيث تمكنت من ضبط مصنع غير مرخّص في منطقة السادات بالمنوفية يفتقد للاشتراطات والمعايير الصحية.
"ك.دز" المصنع كان بمثابة "وكر" لتصنيع مكملات غذائية منتهية الصلاحية ومجهولة المصدر، حيث عُثر بداخله على 27 ألف عبوة منتج نهائي غير صالح للاستهل. معاك الآدمي، إلى جانب 3 أطنان من المكملات الغذائية المعدة للتعبئة، وأكثر من 6 أطنان من المواد الخام المجهولة، فضلاً عن 50 ألف عبوة فارغة معدة للتعبئة تحمل علامات تجارية وهمية.

ولم يتوقف الأمر عند حدود المنوفية، فقد أسقطت الأجهزة الأمنية مخزناً غير مرخّص للأدوية بدائرة قسم شرطة النزهة بالقاهرة، ضبط بداخله 12 ألف أمبول أدوية طبية و28 ألف قرص مكملات مجهولي المصدر. وفي القليوبية، نجحت الشرطة في اقتحام مصنع ومخزن لمستحضرات التجميل غير المرخصين، حيث عُثر على أكثر من 13 ألف عبوة مغشوشة ومقلدة و371 لتر مواد خام غير معروفة المصدر، إضافة إلى 10 آلاف قطعة مستلزمات تعبئة مزوّرة.

أما الجيزة، فقد شهدت واحدة من أكبر الضبطيات عندما تمكنت الشرطة من مداهمة مخزن غير مرخص بمركز العمرانية، وضبطت داخله 800 ألف عبوة مستحضرات تجميل مجهولة المصدر.
هذه الضربات الأمنية المتتالية تعكس حجم التحدي الذي تواجهه الدولة في حماية صحة المواطنين، خاصة أن كل هذه المنتجات كان يجري تجهيزها لطرحها بالأسواق بهدف الغش والتدليس وتحقيق أرباح غير مشروعة على حساب حياة المستهلكين.
الضربة الثانية صيدليات وهمية ومخازن قاتلة في القاهرة والقليوبية
لم يمضِ أسبوع واحد حتى عادت وزارة الداخلية لتوجه ضربة جديدة إلى شبكات الغش التجاري. فقد نجحت الإدارة العامة لشرطة التموين، بالتنسيق مع الأجهزة المعنية، في ضبط مخزن غير مرخّص في قليوب بمحافظة القليوبية، يحتوي على نحو 3.5 طن من الأقراص الغذائية المجهولة، تفتقد بيانات الإنتاج والصلاحية، بالإضافة إلى 2.5 طن من الكحول والمواد الخام مجهولة المصدر، و25 ألف قطعة من العبوات والملصقات المقلدة، إلى جانب 6 ماكينات تعبئة وطباعة تشكل خط إنتاج متكامل لإغراق السوق بمنتجات غير آمنة.

وفي ضربة أخرى، ضبطت الشرطة صيدلية ومخزناً غير معلنين بدائرة قسم شرطة مدينة نصر أول بالقاهرة، بحوزتهما نحو 1.2 مليون قرص دواء مهرب جمركياً وغير مسجل رسمياً ومحظور تداوله، كان معداً لطرحه في الأسواق. هذه الكميات الضخمة لم تكن مجرد منتجات مخالفة، بل "قنابل موقوتة" تهدد صحة المواطن المصري بشكل مباشر.
ما تكشفه هذه الوقائع أن شبكات الغش التجاري لم تعد تقتصر على مصانع سرية في الأقاليم، بل امتدت إلى قلب المدن الكبرى، مستخدمة واجهات صيدليات ومخازن غير مرخصة لتسويق السموم.

إلا أن يقظة أجهزة وزارة الداخلية ونجاحها في توجيه الضربات المتلاحقة لهذه الشبكات تؤكد أن الدولة لن تتهاون مع أي محاولة للمساس بصحة المواطنين. فالمسألة لم تعد مجرد مخالفات اقتصادية، بل جرائم مكتملة الأركان تستحق العقاب الرادع.
خبراء أمنيون: الغش التجاري خطر قومي ونصائح للمواطنين
أكد خبراء أمنيون أن جهود وزارة الداخلية في مواجهة الغش التجاري تمثل بعداً استراتيجياً في حماية الأمن القومي المصري، حيث إن العبث بصحة المواطن لا يقل خطورة عن الإرهاب.
اللواء خالد يوسف، الخبير الأمني، أوضح في تصريحات صحفية أن الغش التجاري أصبح صناعة منظمة تدر ملايين الجنيهات لعصابات تعمل بأساليب احترافية، بدءاً من استيراد المواد الخام مجهولة المصدر وحتى التوزيع عبر مخازن و صيدليات غير مرخصة.
وأضاف اللواء أشرف شوقي في تصريحات صحفية أن نجاح وزارة الداخلية في ضبط هذه الشبكات خلال أيام متقاربة يوجه رسالة قوية بأن يد العدالة ستطول كل من يتربح على حساب صحة الشعب.
ووجّه الخبراء عدة نصائح للمواطنين، منها ضرورة شراء الأدوية والمكملات الغذائية من مصادر موثوقة فقط، وعدم الانسياق وراء الإعلانات المضللة عبر الإنترنت أو صفحات التواصل الاجتماعي التي تروج لمنتجات مجهولة المصدر بأسعار زهيدة. كما شددوا على أهمية الإبلاغ الفوري عن أي صيدلية أو مخزن يبيع منتجات مشبوهة، باعتبار أن المواطن شريك أساسي في جهود الدولة لحماية المجتمع من جرائم الغش التجاري.
خبراء الطب والتجميل: السموم في قوارير لامعة
من جانبهم، حذر خبراء في مجال الطب والصيدلة والتجميل من خطورة المستحضرات المغشوشة التي تضبطها وزارة الداخلية بشكل متكرر.
الدكتور هشام عبدالعزيز، أستاذ علوم الأدوية، أوضح في تصريحات صحفية أن المكملات الغذائية مجهولة المصدر قد تحتوي على مواد سامة أو جرعات زائدة من مواد فعالة تسبب تلف الكبد والكلى على المدى الطويل. أما الأدوية المهربة وغير المسجلة، فهي تمثل تهديداً مباشراً لحياة المريض لأنها لا تخضع لأي رقابة أو ضمان لجودتها.
وفي السياق ذاته، أكدت الدكتورة مي سامي، خبيرة مستحضرات التجميل في تصريحات صحفية أن ما يُعرض في الأسواق من منتجات تجميل مقلدة أو مجهولة المصدر ليس سوى "قنابل تجميلية" قد تؤدي إلى حساسية حادة وتشوهات جلدية مزمنة، بل وقد تحتوي بعض المواد الخام المستخدمة فيها على مكونات مسرطنة.
وأضافت أن الشكل الخارجي للعبوة قد يكون جذاباً، لكنه يخفي وراءه خطراً قاتلاً.
واتفق الخبراء على أن هذه الظاهرة لا يمكن مواجهتها إلا بتكاتف الجهود الرسمية والشعبية، فبينما تتصدى وزارة الداخلية بحزم لمصانع ومخازن الغش، يجب أن يلتزم المواطنون بالوعي والمسؤولية في الشراء، وعدم الانخداع بالأسعار المتدنية أو الدعاية البراقة.




