شهدت شبه الجزيرة الإيبيرية اضطرابًا كبيرًا في خدمة الكهرباء، ما دفع سلطات الطاقة في كل من إسبانيا والبرتغال إلى إطلاق عمليات فنية دقيقة لإعادة التيار تدريجيًا إلى المناطق المتضررة، وسط تنسيق إقليمي ودولي لضمان استقرار الشبكة.
ويأتي هذا الانقطاع الحاد ليضع البنية التحتية للطاقة تحت عدسة المراقبة المشددة، وسط تساؤلات متزايدة حول جدوى وفعالية الترابط الكهربائي بين دول الاتحاد الأوروبي، حيث وجد الربط القاري نفسه في موضع مساءلة بعد أن بدا عاجزًا عن توفير الدعم السريع في لحظات الطوارئ.
آلية الإعادة: البدء بمصادر داخلية مستقلة
بحسب ما أفاد به الخبير في شؤون الطاقة الكهربائية بالمعهد الجامعي الأوروبي، ليوناردو ميوس، فإن الخطوة الأولى في إعادة تشغيل الشبكات الوطنية اعتمدت على وحدات توليد محلية تتمتع بقدرة تشغيل ذاتي، مثل منشآت الطاقة الكهرومائية التي تستخدم المضخات لتوليد التيار دون الحاجة إلى دعم فوري من الشبكة العامة.
فصل مؤقت للشبكات لتجنب تفاقم الأعطال
أوضح البروفيسور سولومون براون، المتخصص في أنظمة الإمداد الكهربائي بجامعة شيفيلد، أن البنية التحتية للطاقة في البلدين متشابكة من خلال قنوات ربط تُعرف بالوصلات البينية، إلا أن إعادة التيار عقب الأعطال تتطلب في العادة فصل الشبكات مؤقتًا لإجراء المعالجة بشكل موضعي ومنع انتقال الاضطراب عبر النظام الإقليمي بأكمله.
وأضاف براون أن هذه العملية تعتمد على تحقيق توازن دقيق في كل نطاق جغرافي بين حجم الإنتاج الفوري واحتياجات المستهلكين، ويتم ذلك بشكل تدريجي إلى حين استكمال استعادة الاستقرار وربطها مجددًا بالأنظمة المجاورة.
ضعف الروابط الأوروبية يعيق سرعة الاستجابة
رغم ما تتمتع به إسبانيا والبرتغال من درجة عالية من التكامل الكهربائي، إلا أن الاتصال المباشر مع بقية الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا، لا يزال محدودًا من حيث العدد والسعة.
وأبدت المفوضية الأوروبية قلقًا متكررًا حيال هذا الضعف، مطالبة بزيادة نقاط الربط العابرة للحدود لتعزيز الأمان الطاقي في أوقات الطوارئ.
وبينما أُعلن عن مشروع لإنشاء خط جديد في منطقة الباسك بهدف تحسين الربط بين شبه الجزيرة وبقية الشبكة الأوروبية، أشار تقرير صادر عن الهيئة الأوروبية لتنظيم الطاقة إلى أن الطاقات الاستيعابية الفعلية لهذه القنوات لم تُفعّل بما يتماشى مع الالتزامات القانونية المقررة.
تباين الآراء حول توسيع الربط القاري
أثارت مقترحات توسيع البنية التحتية للربط الكهربائي نقاشًا بين المختصين، فقد رأت براثيكشا رامداس، كبيرة المحللين بإحدى شركات تحليل الطاقة، أن زيادة عدد خطوط الربط قد يمنح الدول الواقعة على أطراف الشبكة، مثل إسبانيا، قدرة أكبر على تجاوز الأزمات مستقبلًا.
لكنها في الوقت نفسه نبهت إلى مخاطر هذا الخيار، مشيرة إلى أن تعزيز الترابط من دون ضوابط دقيقة قد يساهم في انتشار الأعطال بين الدول بشكل متسلسل، ما يزيد من احتمالات حدوث انقطاعات جماعية على مستوى أوسع من الحدود الوطنية.
استعادة شبه كاملة للكهرباء في إسبانيا والبرتغال
أعلنت شركات تشغيل الكهرباء في كل من إسبانيا والبرتغال عن عودة شبه كاملة للتيار الكهربائي بعد انقطاع كبير طال مساحات واسعة من أراضي البلدين، ما شكل اختبارًا لقدرات الشبكات الوطنية على التعافي السريع وإدارة الأزمات.
وذكرت شركة تشغيل الشبكة الكهربائية الإسبانية "ريد إلكتريكا" أن التيار استُعيد في معظم أنحاء البلاد، حيث وصلت نسبة استعادة الخدمة إلى 99.16%، وذلك بحلول الساعة السادسة صباحًا بالتوقيت المحلي (04:00 بتوقيت جرينتش).
وأوضحت الشركة أن مستوى الإنتاج الذي أتاح هذا التعافي بلغ 21.26 ميجاوات، ما مكن من إعادة التوزيع على نطاق واسع بعد ساعات من العمل المتواصل من قبل الفرق الفنية.
في وقت سابق من يوم الثلاثاء، كانت "ريد إلكتريكا" قد أعلنت عن نجاحها في تغطية ما يقرب من 90% من الأراضي الواقعة ضمن البر الرئيسي الإسباني، وذلك بعد تعطل مفاجئ في الشبكة سبب انقطاعًا واسعًا في التيار الكهربائي.
البرتغال تؤكد استقرار كامل في شبكة النقل
من جانبها، أفادت شركة "آر إي إن" المشغلة لنظام الكهرباء في البرتغال، أن كافة محطات التوزيع المرتبطة بالشبكة الوطنية عادت للعمل بشكل طبيعي.
وقال متحدث رسمي باسم الشركة إن "جميع المحطات الفرعية أصبحت قيد التشغيل من جديد"، مشددًا على أن "النظام يعمل الآن بحالة استقرار تام".
