يعتبر سور الأزبكية للكتب أحد أعرق وأقدم أسواق الكتب في مصر والعالم العربي، حيث ظل لعقود طويلة قبلة عشاق القراءة والباحثين عن المعرفة والكنوز الثقافية النادرة.
يهدف مشروع تطوير سور الأزبكية إلى إعادة إحياء السور كمنارة للثقافة والمعرفة، من خلال تنظيمه وتحديث بنيته التحتية، ودعم بائعين الكتب، وخلق بيئة جاذبة للشباب والقراء من مختلف الفئات، ليظل سور الأزبكية رمزًا حيًا لذاكرة الكتاب في مصر.
رمزًا ثقافيًا وفنيًا عالميًا
قال الدكتور زين عبدالهادي، المشرف العام على مكتبة العاصمة بالعاصمة الإدارية، إن وجود سور متخصص في بيع الكتب يعد علامة من علامات الثقافة في بعض الدول، مثل سور الكتب على نهر السين في فرنسا، وسوق الكتب في ميدان هامبستيد ببريطانيا، إضافة إلى أسواق مشابهة في عواصم أخرى مثل روما.

وأضاف المشرف العام على مكتبة العاصمة بالعاصمة الإدارية، في تصريحات خاصة لـ" مصر تايمز" أن القاهرة تتميز بوجود سور الأزبكية في قلب عاصمتها التاريخية، وهو ما يجعلها رمزًا ثقافيًا وفنيًا عالميًا، مؤكدا أن السبب في وجود هذا السوق يعود إلى الحركة الشعبية التي قادت تطور المجتمع المصري، وليس إلى الخديوي إسماعيل كما يُشاع؛ وأن الخديوي إسماعيل أمر بإنشاء حديقة الأزبكية لا باعتبارها وحدة ثقافية، وإنما في إطار إنفاقه المبالغ فيه ومباهاته الفارغة لجعل القاهرة قطعة من باريس، الأمر الذي أدى إلى إغراق الدولة وجلب الاستعمار الإنجليزي نفسه.
وأكد عبدالهادي، أن بائع الكتب أحمد الحكيم، الذي كان يقطن في السيدة زينب ويبيع الكتب على عربة، هو الذي بدأ الفكرة عام 1926 عندما جر عربته ووقف بها على حدود السور وبدأ في اجتذاب زملائه، أنه في عام 1933 استأجر أول محل لبيع الكتب على سور الأزبكية، ومن هنا ولدت فكرة هذا السوق الثقافي، وهو ما يؤكد دور الشعب المصري في الحراك الثقافي والفني.
وأوضح أن الدولة لم تبدأ بالاهتمام بسور الأزبكية إلا مع وزارة مصطفى النحاس عام 1949 حين اتجهت لتقنين أوضاع بائعي الكتب، وأضاف أن ذلك تكرر في عهد الجمهورية عام 1959 عندما أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قرارًا بوضع شروط لمزاولة بيع الكتب على سور الأزبكية.
وأشار المشرف العام على مكتبة العاصمة، أن المشهد في باريس يعكس تجربة مشابهة، حيث يمكن السير على نهر السين صباحًا لمشاهدة باعة الكتب وخزائنهم الحديدية الخضراء المعروفة باسم bouquinistes، وأن هذه الخزائن تتحول عند العرض إلى أرفف تمتلئ بالكتب القديمة والمجلات والصور واللوحات في تقليد عمره يقارب ثلاثة قرون، وقد اعترفت بهم اليونسكو كرمز ثقافي وحضاري منذ عام 2018 بناءً على خطاب من مجلس مدينة باريس.
واختتم أن العام القادم سيصادف مرور مائة عام على دخول أحمد الحكيم بعربته كبائع للكتب على سور الأزبكية، وهذه المناسبة تمثل رمزية عظيمة لقوى الشعب المصري كمصدر للثقافة، داعيًا الصديق العزيز د. أحمد هنو والدكتور إبراهيم صابر محافظ القاهرة إلى مخاطبة اليونسكو لوضع سور الأزبكية، بعد هذا التطوير التاريخي، ضمن قائمة الرموز العالمية للثقافة في مصر.
سور الأزبكية بين التطوير وخطر الكتب المزورة
في المقابل يرى الكاتب الصحفي والشاعر سيد محمود، إن عملية تطوير سور الأزبكية خطوة مهمة في ظاهرها، لكنها تظل غير مكتملة ما لم تُعالج الإشكاليات الجوهرية المرتبطة بموقع السوق الحالي وسياقه الجغرافي في ميدان العتبة.
وقال إن الدولة، حتى الآن، تبدو غير راغبة في فرض سيطرة حقيقية على حالة الفوضى القائمة في المنطقة، رغم المحاولات السابقة التي وصفها بـ"الناقصة"، وأن السوق في وضعه الحالي، يفتقر إلى خطة شاملة تتعامل مع المكان كمحمية ثقافية، وليس مجرد أكشاك جديدة.

وأشار إلى أن الصعوبات في الوصول إلى مسرح الطليعة والمسرح القومي ومسرح العرائس تعكس غياب الرؤية المتكاملة، مطالبًا بتبني نموذج "أسواق اليوم الواحد" كما يحدث في أوروبا، حيث يسمح للبائعين بالعمل في أماكن متغيرة وفق جدول منظم، مقابل اشتراك رسمي يعود بالنفع على الدولة، بدلًا من تركهم في إطار الاقتصاد غير الرسمي.
وأضاف سيد محمود أن الصورة الرمزية القديمة لسوق الأزبكية، الذي كان يومًا مركزًا لبيع الكتب المستعملة وملتقى للكتاب والمثقفين، قد تلاشت، وحلت محلها تجارة الكتب المزورة التي تضر بصناعة النشر والكتاب العربي والمصري. وأوضح أن أغلب ما يباع اليوم إما كتب مدرسية أو نسخ مزورة من الروايات الأجنبية والعربية الناجحة، مما يحرم الناشر والمؤلف من حقوقهما، ويضر بجودة المنتج الثقافي.
وطالب، بضرورة فصل الكتب المدرسية عن الكتب الثقافية، وتشديد الرقابة من مباحث المصنفات على السوق، مؤكدًا أن سور الأزبكية أصبح اليوم أكبر سوق لتجارة الكتب المزورة في مصر، وأن الوضع الحالي لم يتحسن بل ازداد سوءًا، حيث تُباع الروايات الأصلية بأثمان باهظة، بينما تغرق السوق نسخها المقرصنة بأسعار رمزية، الأمر الذي يشكل عبئًا لا ميزة على الدولة والمجتمع.
وأكد الكاتب الصحفي، أن كثيرًا من باعة الأزبكية الحاليين يحققون أرباحًا ضخمة من هذا النشاط غير المشروع، مشيرًا إلى وجود شخصيات بارزة بينهم تحولت إلى مليونيرات، بينما لا تدفع ضرائب ولا تخضع لأي جهة رسمية أو اتحاد للنشر.
وأشار أن الدولة بوضع حل جذري يضمن حقوق الناشرين والمؤلفين، ويحمي الصناعة الثقافية من هذا الاستنزاف، من خلال تنظيم السوق، وفرض اشتراكات رسمية، وتخصيص نقطة شرطة ثابتة لملاحقة المزورين، معتبرًا أن تطوير المكان دون معالجة هذه الأزمات لن يحقق الهدف المنشود.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.