تقدمت الدكتورة مها عبد الناصر، عضو مجلس النواب ونائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، بسؤال موجه لكل من رئيس مجلس الوزراء، ووزير الصحة والسكان بشأن بيان وزارة الصحة والسكان الأخير فيما يتعلق بآليات تنفيذ قرار مجانية العلاج بأقسام الطوارئ بجميع المستشفيات.
وأكدت النائبة أن الدستور المصري نص بوضوح على أن لكل مواطن الحق في الصحة والرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة، وأن الدولة ملزمة بالحفاظ على مرافق الخدمات الصحية ودعمها وتطويرها، بجانب تجريم الامتناع عن تقديم العلاج لكل مواطن خاصة في حالة الطوارئ، وبالطبع فإن هذا النص الدستوري يرسّخ أن المواطن المصري لا يطلب منحة، بل يمارس حقًا أصيلًا لا يقبل التفاوض ولا التسويف.
وأشارت إلى أنه في عام 2014 صدر قرار مجلس الوزراء رقم 1063 الذي ألزم جميع المستشفيات – الحكومية والخاصة – بتقديم العلاج المجاني في حالات الطوارئ خلال 48 ساعة من دخول المريض، على أن تتحمل الدولة تكلفة هذا العلاج عبر التأمين الصحي ونفقة الدولة، وقد أكد وزير الصحة مرارًا في تصريحات رسمية أن "حق المواطن في العلاج الفوري مقدس"، وأن أي مستشفى يرفض استقبال مريض طارئ أو يشترط دفع مبالغ مالية سيتعرض للإغلاق الفوري والإحالة للتحقيق.
وأكدت عبد الناصر أنه رغم وضوح النصوص وتكرار التصريحات، فإن الواقع اليومي للمصريين يكشف عن مأساة مختلفة. فالمستشفيات الخاصة – التي تمثل جزءًا رئيسيًا من المنظومة الصحية – كثيرًا ما تتذرع بعدم وجود آلية واضحة أو سريعة لتعويضها عن تكاليف العلاج، فترفض استقبال المرضى إلا بعد سداد مقدم مالي أو توقيع شيكات ضمان، والنتيجة المباشرة لذلك هي ضياع الوقت الثمين، الذي يساوي حياة إنسان.
وأشارت لواقعة وفاة الإعلامية عبير الأُباصيري تلك الحادثة المؤسفة التي جسّدت الأزمة بكل أبعادها: مريضة في حالة خطيرة تحتاج إلى تدخل عاجل وطاريء، مستشفيات مترددة تتعامل بمنطق "الفاتورة أولًا"، وزارة صحة تؤكد في الإعلام أن العلاج مجاني لكن دون أن تضع أو توضح آلية تنفيذية سريعة وفعالة، وأسرة مكلومة تفقد عزيز لديها كان من الممكن إنقاذه، مؤكدة أن هذه الواقعة ليست حالة فردية، بل صورة صارخة لمئات الحالات اليومية التي لا تصل للرأي العام.
ولفتت عضو مجلس النواب، إلى أنه قد يقال أن علاج الطوارئ مكلف، وهذا صحيح، فالطب الطارئ يحتاج إلى تجهيزات متقدمة وأطقم طبية مدربة وأدوية مرتفعة الثمن في معظم الأحيان. حيث تشير التقديرات إلى أن تكلفة علاج مريض الطوارئ في مصر قد يصل إلى آلاف الجنيهات للزيارة الواحدة، لكن السؤال الجوهري: هل يجوز أن نترك المواطن يموت لأنه لا يملك هذا المبلغ؟
وأوضحت النائبة أن مبدأ العدالة الاجتماعية يقتضي أن تتحمل الدولة التكلفة عبر التأمين الصحي ونفقة الدولة، وأن يتم سدادها بسرعة وشفافية، حتى لا يُترك المريض رهينة تفاوض مالي على باب المستشفى، فما قيمة التصريحات الحكومية إذا لم تُترجم إلى إجراءات عملية واضحة وسريعة تحمي أرواح الناس؟
كما شددت على أن ما حدث لعبير الأُباصيري يجب أن يكون جرس إنذار للجميع: البرلمان، الحكومة، والمجتمع، لأن أي تأخير في التدخل أو أي جدل حول الفواتير لا يعني سوى المخاطرة بحياة المريض.
وأكدت "عبد الناصر" أن حق المواطن في العلاج الطارئ ليس ترفًا ولا شعارًا سياسيًا، بل مسألة حياة أو موت، لذلك يجب أن توضع الحكومة أمام مسؤولياتها بوضوح، فلا يجوز أن يُعفى المواطن من دفع تكلفة الطوارئ ثم تُلقى هذه التكلفة على عاتق مستشفى خاص دون سداد فوري، فيضيع المريض بين الطرفين، فالدولة ممثلة في الحكومة هي الجهة الوحيدة الملزمة دستوريًا بتحمل التكلفة كاملة وضمان التطبيق الفوري لهذا الحق.
كما شددت على أنه إذا لم يتحول قرار مجانية علاج الطوارئ إلى آلية واضحة التنفيذ، بتمويل عادل ورقابة صارمة، سيظل المرضى يعانون على أبواب المستشفيات.
واختتمت الدكتورة مها عبد الناصر سؤالها مُطالبة الحكومة بتوضيح:
من يتحمل القيمة الفعلية لمصاريف علاج حالات الطوارئ خلال أول 48 ساعة؟ وهل تتحملها الدولة بالكامل عبر التأمين الصحي ونفقة الدولة، أم أن المستشفيات الخاصة تُترك عمليًا لمواجهة التكلفة وحدها، بما يؤدي إلى رفض استقبال المرضى؟
ما هي الآليات المالية والإدارية التي أعدتها الوزارة لضمان سداد فواتير علاج الطوارئ للمستشفيات الخاصة في الوقت المناسب؟ وهل هناك موازنة مخصصة لهذا الغرض أم تظل مجرد وعود غير قابلة للتنفيذ السريع؟
كيف تضمن الوزارة أن المواطن لن يتحول إلى ضحية لمساومة مالية وهو في حالة طوارئ؟ هل هناك رقابة مباشرة على مداخل المستشفيات لمنع اشتراط أي مبالغ أو ضمانات قبل تقديم الخدمة؟
ما هو الإجراء العملي الذي يجب أن يقوم به المواطن أو ذويه في حالة رفض أي مستشفى استقبال المريض؟ وهل الاتصال على الخط الساخن (105) الذي نوهت عنه وزارة الصحة في بيانها الأخير كافٍ لضمان التدخل الفوري، أم يلزم أن يقوم المواطن بتحرير محضر رسمي في قسم الشرطة لضمان حقه؟
كم عدد الشكاوى التي تلقتها الوزارة منذ 2014 بشأن رفض علاج مرضى طوارئ؟ وكم عدد المستشفيات التي أُغلقت فعليًا أو أُحيلت للتحقيق؟ ولماذا لا تُعلن هذه البيانات بشفافية أمام الرأي العام؟
ما هي المدة الزمنية المحددة لتدخل الوزارة بعد تلقي شكوى مواطن؟ وكيف تضمن أن هذا التدخل يتم خلال دقائق معدودة وليس بعد أن يكون المريض قد فارق الحياة؟
ما هو دور التأمين الصحي الشامل في هذه المنظومة؟ وهل لدى الحكومة خطة واضحة لتوسيع تغطية التأمين بحيث يشمل فورًا وبدون استثناء جميع تكاليف الطوارئ في أي مستشفى داخل مصر؟
ما هي الإجراءات التي تتخذها الوزارة لضمان تدريب العاملين بالخط الساخن (105) للتعامل مع بلاغات الطوارئ بالجدية والسرعة المطلوبة، بحيث يكون التدخل فعليًا وليس مجرد تسجيل بيانات؟