مع حلول ذكرى المولد النبوي الشريف اليوم، عاشت القاهرة أجواءً روحانية خاصة، امتزجت فيها المظاهر الدينية بالشعبية، في مشهد يعكس خصوصية المصريين في الاحتفاء بهذه المناسبة المباركة. فمنذ عقود طويلة، يحرص المواطنون على إحياء المولد بطقوس مميزة تتنوع بين حلقات الذكر والإنشاد الديني، وتوزيع الحلوى، وزيارة الأضرحة والمساجد التاريخية.
منطقة الحسين.. قبلة المحتفلين بالمولد
تأتي منطقة الحسين في مقدمة الوجهات التي يقصدها المحتفلون بالمولد النبوي، إذ يرتبط المكان باسم حفيد الرسول الكريم، الإمام الحسين، ما يمنحه قدسية وروحانية خاصة. وخلال أيام المولد، تتوافد مئات الزوار وأتباع الطرق الصوفية إلى الساحة المحيطة بالمسجد، حيث تعلو أصوات الإنشاد وقصائد المديح النبوي التي تستعرض جوانب من حياة النبي وأخلاقه العطرة.
احتفالات المولد النبوي الشريف
ويحرص الكثيرون على زيارة ضريح الإمام الحسين والتبرك به، بينما تتحول شوارع المنطقة إلى كرنفال شعبي، تنتشر فيه الشوادر ومحال بيع حلويات المولد بألوانها وأشكالها المتنوعة، لتضفي بهجة خاصة على الأجواء.
ويظل المولد النبوي في القاهرة مناسبة فريدة تمزج بين الروحانية والإرث الشعبي، ليجتمع المصريون على قيم المحبة والفرح، محتفلين بذكرى ميلاد النبي الكريم بطرق تعكس عمق ارتباطهم الديني والثقافي.
السيدة زينب: الحلوى والإنشاد في قلب القاهرة
تعد منطقة السيدة زينب من أكثر المناطق التي تشهد حركة تجارية وروحانية مع اقتراب ذكرى المولد؛ فقبل حلول المناسبة بأيام، تتزين شوارعها بالشوادر الملونة، وتعرض المحال أصناف الحلوى التقليدية بأسعار متفاوتة تناسب مختلف الفئات؛ ومع حلول الذكرى، تتحول ساحات مسجد السيدة زينب، إلى مركز للاحتفالات الدينية، حيث يجتمع المنشدون والمشايخ لتلاوة آيات القرآن الكريم، وإلقاء قصائد المديح التي تمجد سيرة النبي وتستحضر أخلاقه وسيرته.
السيدة نفيسة: دروس دينية وحلقات ذكر
أما مسجد السيدة نفيسة، فيحتفظ بطابعه الهادئ والعلمي في هذه المناسبة، حيث تُنظم داخله حلقات الذكر الصوفي والدروس الدينية التي تتناول حياة الرسول وتعاليمه، ويحرص الزوار على المشاركة في هذه المجالس الروحانية طلبًا للسكينة والطمأنينة، واحتفالًا بالمناسبة العطرة التي اعتادوا إحياؤها عامًا بعد عام.
الفعاليات الفنية والإنشادية: قصر الأمير طاز
لا تقتصر مظاهر الاحتفال على الأحياء الشعبية والأضرحة فحسب، بل تمتد إلى المراكز الثقافية والفنية، حيث ينظم مركز الإبداع الفني بقصر الأمير طاز حفلات إنشاد ديني يحييها كبار المنشدين مثل محمود التهامي، الذي يقدم مجموعة من قصائد المدح النبوي والإنشاد الصوفي، وتلقى هذه الفعاليات إقبالًا واسعًا من محبي التراث الديني والموسيقى الروحانية.
طقوس الاحتفال بالمولد النبوي الشريف
حلوى المولد
تشهد الأسواق في السنوات الأخيرة تنوعًا في أشكال الحلوى وأحجامها، لتناسب مختلف الفئات الاجتماعية، فهناك العبوات الفاخرة التي تقدم كهدايا مميزة، وأخرى اقتصادية تناسب العائلات البسيطة، مما يجعلها عنصرًا مشتركًا في جميع البيوت المصرية مهما اختلفت إمكانياتها.
الهدايا
لا تقتصر مظاهر المولد النبوي على الحلوى فقط، بل تشمل أيضًا تبادل الهدايا بين الأهل والأصدقاء، ففي بعض البيوت، تُقدم عبوات الحلوى مزينة بأشرطة ملونة كهدية رمزية، بينما يختار آخرون تقديم هدايا بسيطة للأطفال مثل الألعاب الصغيرة أو عروسة المولد والحصان كنوع من إدخال البهجة عليهم.
وفي السنوات الأخيرة، ظهرت صيحات جديدة في عالم الهدايا الخاصة بالمولد، منها العلب المزينة برسومات تراثية أو نقوش إسلامية، وأخرى تحمل عبارات دينية أو أدعية، لتضفي لمسة عصرية على هذا التقليد القديم.
الموائد العائلية
تعد موائد الطعام أحد مظاهر الاحتفال الأساسية في هذه المناسبة، حيث تجتمع العائلات على وجبات خاصة، تتنوع بين الحلويات والمشروبات الساخنة، وتحرص بعض الأسر على إعداد أكلات شعبية ارتبطت بالمولد في بعض المناطق مثل “الفتة” أو أطباق الحمص والعدس، وهذه اللقاءات لا تقتصر على الطعام فحسب، بل تتخللها جلسات للذكر وتبادل التهاني واستعادة القصص النبوية وتعاليم الرسول الكريم.
بعد اجتماعي وروحي
تبرز هذه المظاهر في كونها تعزز الروابط الأسرية والاجتماعية، إذ يحرص الناس على تبادل الزيارات وتقديم الهدايا والصدقات، لتتحول المناسبة إلى فرصة لنشر المحبة والتقارب بين الناس. كما يحرص الكثيرون على تخصيص جزء من الهدايا والحلوى للفقراء والمحتاجين، اقتداءً بسنة النبي في الرحمة والعطاء.
ورغم مرور الزمن وتغير أنماط الحياة، ما زالت هذه الطقوس تحافظ على مكانتها في قلوب المصريين، إذ يجتمعون في هذه المناسبات لتبادل التهاني، وتوزيع الحلوى، وإحياء سنة الذكر والتسبيح، لتظل ذكرى المولد النبوي الشريف مناسبة تحمل أبعادًا اجتماعية وروحية وثقافية متجذرة في وجدان الشعب المصري.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
