أخبار عاجلة
رسالة قوية من عمرو أديب: "لا تؤجل سعادتك" -

المولد النبوي في مصر.. فرحة شعبية تتجاوز الزمان وتُحيي روح الأمة

المولد النبوي في مصر.. فرحة شعبية تتجاوز الزمان وتُحيي روح الأمة
المولد النبوي في مصر.. فرحة شعبية تتجاوز الزمان وتُحيي روح الأمة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تتبدل الأيام، وتتعاقب الأعوام، ويغدو العمر صفحات تُطوى خلف أخرى، لكن هناك مواسم لا تعرف أفولًا، تبقى متجددة في الروح مهما تقدم بنا العمر، ومن بين هذه المواسم يظل المولد النبوي الشريف علامة مضيئة في وجدان المصريين.

يستعد الناس له كما لو أنهم يستقبلون عيدًا من نوع آخر؛ عيدًا لا تحكمه الحسابات المادية ولا يُقيّده البروتوكول الاجتماعي، بل يفيض بالعاطفة والروحانية والحنين، فالمولد وإن كان مناسبة دينية في جوهره، إلا أنه يتحول في مصر إلى حالة وجدانية شعبية شاملة، تتوزع بين البيت والشارع والمسجد والسوق.

في الأزقة الضيقة بالقاهرة القديمة، وفي الشوارع الرحبة للمدن الكبرى، وفي القرى الصغيرة المطلة على شطآن النيل، يظهر الفرح متجليًا: أطفال يركضون بأيديهم عرائس المولد والحصان السكّري، نساء يتبادلن الأطباق والحلوى، ورجال يتجمّعون في حلقات الذكر والمديح.
إنها بهجة لا تُنسى، يعرفها المصريون جيلًا بعد جيل، وحينما يُسأل أحدهم: لماذا كل هذا الفرح؟ يأتي الجواب بديهيًا: "إنه مولد النبي.. وهل في الدنيا فرح أعظم من ذكرى مولده؟".

لماذا يحتفل المسلمين بالمولد النبوي الشريف؟

يُحيي المسلمون في مختلف أنحاء العالم ذكرى المولد النبوي الشريف، تعبيرًا عن محبتهم للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وامتنانًا لله على بعثته التي غيّرت مجرى الإنسانية، وتُعد هذه المناسبة فرصة للتقرب إلى الله عبر مظاهر متعددة من الفرح والابتهال، أبرزها إطعام الطعام، وقراءة السيرة النبوية، والذكر، والإنشاد في مدحه عليه الصلاة والسلام.

وتستند هذه الاحتفالات إلى قوله تعالى: "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون"، حيث يرى كثير من المسلمين أن ميلاد النبي هو من أعظم مظاهر الرحمة الإلهية التي تستحق الفرح والاحتفاء.

وتاريخيًا، تعود أولى صور الاحتفال المنظم بالمولد النبوي إلى العهد الفاطمي، حيث استخدمت الدولة هذه المناسبة كوسيلة للتقرب من عامة الشعب، لا سيما في مصر، ومنذ ذلك الحين، تطورت مظاهر الاحتفال لتأخذ طابعًا روحانيًا وشعبيًا، يشمل إقامة مجالس الذكر، توزيع الصدقات، وصناعة الحلويات التقليدية.

ورغم اختلاف الآراء الفقهية حول مشروعية الاحتفال، فإن المولد النبوي يظل عند كثير من المسلمين يومًا للتأمل في السيرة النبوية، واستلهام القيم التي جاء بها الرسول الكريم.

 

76.jpg
حلوى المولد 

حلوى المولد.. من الملبن إلى السمسمة والحمصية وعين الجمل

إذا كان للمناسبات طقوسها الخاصة، فإن الحلوى هي الطقس الأبرز والأكثر التصاقًا بالمولد، الحلوى هنا ليست مجرد طعام يُباع ويُشترى، بل هي ذاكرة جمعية، تختزن قصصًا وصورًا من الطفولة، وتستدعي لحظات بريئة من زمن بعيد.
في الأسواق، تُرص صفوف "الحمصية" الذهبية اللون، تتلألأ تحت أضواء المصابيح، وكأنها حبات شمس صغيرة، بجوارها تصطف "السمسمية"، ناعمة الملمس، متماسكة كأنها لحن موسيقي حين تمضغه، ثم تأتي "البندقية" و"اللوزية" و"عين الجمل"، حيث يتقاطع الطعم الحلو مع الشعور بالدفء.

أما "الملبن"، ذاك المربّع الطري المحشو بالمكسرات، فيحمل في طياته قصصًا من الحنين، إذ لا يكاد يخلو بيت مصري من طبق يزيّنه، بينما "الديدة" تذكر بأيام مضت، حين كان الحكام يقدّمونها هدية فاخرة في مواسم الفرح.

ولعل المشهد الأكثر جاذبية هو مشهد الأطفال حول دكان الحلواني، أعينهم معلّقة بعرائس المولد البيضاء الملونة بأشرعة من الورق اللامع، وأيديهم تمتد إلى الحصان السكري" المزين بالخرز، تلك العرائس التي وُلدت من رحم الفلكلور المصري، وظلت شاهدة على علاقة المصريين بالفرح والخيال.
الحلوى إذن ليست مجرد مذاق، بل هي قصيدة سُكرية كتبتها الأجيال بوجدانها، واحتفظت بها ذاكرة مصر لتعيد إنشادها كل عام.

موالد مصر.. روح الجماعة وساحة المحبة

من القاهرة إلى أسوان، ومن الدلتا إلى سيناء، تتحول مصر في أيام المولد إلى خريطة من البهجة، تتوزع عليها الساحات والموالد، ففي حي الحسين بالقاهرة، يتدفق آلاف الزائرين، يرفعون الأكفّ بالدعاء ويهتفون بالمدائح، فيما تُضاء المآذن والقباب، وتعلو أصوات الباعة ببيع الحلوى والعرائس.
وفي الصعيد، حيث تمتزج التقاليد بالعادات القديمة، تُقام حلقات الذكر على أنغام الدفوف والطبول، وتصدح أصوات المنشدين بأغنيات تمزج بين الحب الإلهي والعاطفة الشعبية، بينما في القرى الصغيرة، يتحول المولد إلى عرس جماعي، تُفتح فيه البيوت للفقراء والمساكين، وتُوزع الأطعمة والحلوى في كرَم مصري أصيل.

إنها روح الجماعة المصرية في أبهى صورها؛ روح تتجاوز الدين والطائفة والطبقة الاجتماعية. فالمسيحي يشارك جاره المسلم في شراء الحلوى، والغني يمد يده للفقراء، والغرباء يجدون في المولد دفء الانتماء، الكل هنا سواء، تجمعهم محبة الحبيب، وتذيب الفوارق بينهم.

ولعل أروع ما في هذه الاحتفالات أنها ساحة محبة مفتوحة للجميع، تتقاطع فيها الطرق وتلتقي فيها الأرواح، حتى ليبدو المولد كأنه صورة مكبرة لمصر نفسها: بلد متنوّع في تفاصيله، متماسك في جوهره، موحّد في لحظات الفرح الكبيرة.

يقول أحد المواطنين في تصريحات خاصه للبوابة بمنطقة الزيدة زينب: "أنا بشتري الحلاوة لأولادي كل سنة، حتى لو الظروف صعبة، ماينفعش المولد يعدي من غير ما يفرحوا، ابني مستني العروسة، وبنتي عايزة الحمصية، الحلاوة دي مش مجرد أكل، دي ذكرى وبهجة بنعيشها من زمان، وإحنا ورثناها عن أهلنا، ولازم نوصلها لولادنا."

ويتابع: "أنا النهاردة نازل أشتري شوية حلوى للبيت.. للعيال الحمصية والبندقية أساسيين، ومش بننسى الملبن، المولد ده فرحة لينا كلنا، كبير وصغير، يمكن الحلوى موجودة طول السنة، بس طعمها في المولد له معنى تاني.. طعم البركة."

المولد بين الماضي والحاضر.. طقوس خالدة بروح متجددة

حين نعود إلى الوراء، نجد أن أول احتفال رسمي بالمولد في مصر كان في العصر الفاطمي، حيث اعتنى الخلفاء بإقامة المواكب وإعداد الحلوى وتوزيعها على الناس، وقد ظلت القاهرة الفاطمية قلب هذه الاحتفالات، بشوارعها التي تزيّنت بالمشاعل والأنوار.
مرت القرون، وجاءت الدولة الأيوبية، ثم المماليك والعثمانيون، وكل منهم ترك بصمته على المولد، لكن جوهر الاحتفال بقي كما هو: محبة النبي.

اليوم، قد تغيرت بعض المظاهر، فالمواكب الضخمة لم تعد موجودة، وحلت محلها الصور والفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن المشاعر ذاتها باقية. بل إن التكنولوجيا أعادت إحياء الطقس بشكل آخر، إذ صار الناس يتبادلون التهاني الإلكترونية، وينشرون صور الحلوى وأغاني المدائح عبر الفضاء الرقمي.

امتداد الطقوس عبر الأجيال

المولد النبوي في مصر ليس حدثًا عابرًا في الذاكرة الجمعية، بل هو مدرسة وجدان تنتقل من جيل إلى آخر، الجد يروي للحفيد حكاياته عن ليالي المولد في الخمسينيات والستينيات، حين كان يذهب مع أصدقائه لشراء عروسة المولد الخشبية، فيبتسم الصغير وهو يقارنها بعرائس البلاستيك والورق اليوم. الأم تسرد على ابنتها ذكرياتها وهي تمسك يد أمها في زحام الشوادر، بينما الأب يتذكر كيف كان يذوق أول قطعة حلوى ويخفي نصفها في جيبه ليعود بها إلى إخوته.
إنها ذاكرة متصلة، تتغيّر فيها التفاصيل المادية لكنّ الروح تبقى على حالها؛ روح الفرح، وروح الاجتماع، وروح الحب.

الاقتصاد الشعبي.. حين ينعش المولد الأسواق

لا يقتصر المولد على الجانب الروحي أو الوجداني، بل يمتد إلى الاقتصاد الشعبي أيضًا، فمع اقتراب موعده تنشط ورش صناعة الحلوى في المحافظات، وتتحول الأسواق إلى كرنفال مفتوح، يدر رزقًا على آلاف الأسر.
الحلواني الذي يبيع الحمصية، والعامل الذي يرص العرائس على الرفوف، وصانع الدفوف الذي ينتظر المولد كل عام ليبيع إنتاجه، كل هؤلاء يجدون في هذه الأيام موسمًا للبركة، حتى بائعو الألعاب الشعبية والفوانيس القديمة يعودون إلى الواجهة، وكأن المولد لا ينعش الذاكرة فقط، بل ينعش أيضًا.

الورش الشعبية

في قلب الورش الشعبية التي تنتشر في أحياء القاهرة والجيزة وبعض محافظات الدلتا، تبدأ رحلة صناعة حلوى المولد قبل أسابيع من المناسبة، يقف العمّال أمام قدور النحاس الكبيرة التي تغلي بالسكر والعسل والجلوكوز، يتناوبون على تقليبها بعصا خشبية طويلة حتى تصل إلى القوام المطلوب، بعدها تُسكب الخلطات على ألواح خشبية مدهونة بالزيت، ويُضاف إليها الحمص أو السمسم أو الفول السوداني، ثم تُقطع بسكاكين ضخمة إلى ألواح متساوية، وفي زاوية أخرى تنشغل الأيدي بتشكيل "الملبن" المحشو بالمكسرات، بينما يتفنّن آخرون في صناعة عرائس المولد والحصان السكّري، مستخدمين قوالب قديمة موروثة عن أجيال سابقة، ورغم تطوّر الزمن ودخول الماكينات، إلا أن الطابع اليدوي ما زال حاضرًا بقوة، يمنح الحلوى نكهة خاصة لا يعرفها إلا من عاش أجواء المولد في مصر.

المولد النبوي الشريف.. متى يحتفل المسلمون بالمولد النبوي؟

يُحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف في الثاني عشر من شهر ربيع الأول من كل عام هجري، وهو اليوم الذي يُوافق ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، رسول الرحمة والهداية، وتشكل هذه المناسبة محطة سنوية يستحضر فيها المسلمون سيرة النبي العطرة، ويجددون العهد على التمسك بتعاليمه وقيمه النبيلة.

تاريخ المولد وتأكيد العلماء
يُجمع غالبية العلماء والمؤرخين على أن ميلاد النبي وقع في الثاني عشر من ربيع الأول، ويُعتبر هذا اليوم من أهم المناسبات الدينية التي تُعبّر عن عمق المحبة والامتنان لرسول الإسلام، الذي جاء برسالة التوحيد والعدل والرحمة.

لا يقتصر الاحتفال على الطقوس الظاهرة فقط، بل يُعد تعبيرًا روحانيًا عن محبة المسلمين لنبيهم، ووسيلة لشكر الله على نعمة بعثته، كما قال تعالى: "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون".

ويختلف شكل الاحتفاء بالمولد من بلد إلى آخر، لكنه يجمع بين الأناشيد الدينية، وإقامة مجالس العلم، وتوزيع الطعام والصدقات، في أجواء تعبّر عن الفرح الروحي والارتباط العاطفي بالنبي الكريم.
المولد النبوي ليس فقط ذكرى تاريخية، بل هو دعوة متجددة لإحياء السُنة، وتجديد العلاقة مع القيم التي بُعث بها خاتم المرسلين.

72.jpg
75.jpg
73.jpg
76.jpg
80.jpg
74.jpg
78.jpg
77.jpg
79.jpg

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق «إيتيدا» تعقد ندوة حول طرق الإستفادة من الذكاء الإصطناعى فى طرق العمل
التالى تشكيل الجهاز الفني الجديد للنادي الأهلي