التعاون بين أذربيجان والصين.. اتفاقيات الطاقة المتجددة ترسخ العلاقات الإستراتيجية (مقال)

التعاون بين أذربيجان والصين.. اتفاقيات الطاقة المتجددة ترسخ العلاقات الإستراتيجية (مقال)
التعاون بين أذربيجان والصين.. اتفاقيات الطاقة المتجددة ترسخ العلاقات الإستراتيجية (مقال)

اقرأ في هذا المقال

  • • مشروعات جديدة تعكس تطلعات أذربيجان لريادة العالم في مجال الطاقة الخضراء
  • • أذربيجان تخطط لتعزيز صادراتها من الهيدروكربونات ولأن تصبح قوة دافعة للطاقة المستدامة في المنطقة
  • • الشراكة الأذربيجانية الصينية ترتكز على مشروعات رائدة في مجال الطاقة المتجددة
  • • رغم أهمية تخزين البطاريات لاستقرار الشبكة، فإن الأنظمة الحالية ما تزال قيد التطوير

تسهم الاتفاقيات الجديدة في مجال الطاقة المتجددة، التي وُقّعت مؤخرًا، بترسيخ العلاقات الإستراتيجية والتعاون بين أذربيجان والصين.

وقد شهدت العلاقات الثنائية نقطة تحول خلال زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الأذري إلهام علييف إلى الصين في المدة من 22 إلى 24 أبريل/أبريل 2025، وأسفرت عن تطوير "شراكة إستراتيجية شاملة".

وتأكدت رؤية مشتركة لتنمية مرنة ومتنوعة ومستدامة من خلال توقيع أكثر من 20 اتفاقية حكومية دولية وأخرى بين الوكالات تغطي مجموعة واسعة من المجالات، بما في ذلك البنية التحتية الرقمية، والطاقة المتجددة، والتنسيق القانوني، والتعليم، وتسهيل التجارة.

وقد ترسخت أهمية أذربيجان بصفتها بوابة عبور للطاقة والخدمات اللوجستية بين الشرق والغرب، بفضل تعاونها الإستراتيجي المتنامي مع الصين.

التعاون بين أذربيجان والصين

بفضل 6 اتفاقيات مهمة تتجاوز قدرتها الإنتاجية 2.4 غيغاواط من الطاقة النظيفة، برز قطاع الطاقة المتجددة نقطة محورية في هذا التعاون الجديد.

ومن أبرز المشروعات مشروع الطاقة الشمسية العائمة المزودة ببطاريات تخزين متكاملة على بحيرة بويوكشور، ومزرعة شمسية بقدرة 160 ميغاواط تديرها شركتا باور تشاينا ريسورسز الصينية (PowerChina Resources) وسوكار غرين الأذربيجانية (Socar Green).

يضاف إلى ذلك محطة طاقة شمسية بقدرة 100 ميغاواط في منطقة غوبوستان.

(إلى يمين الصورة) الرئيس الصيني ونظيره الأذربيجاني أثناء حفل توقيع اتفاقيات التعاون في بكين
الرئيس الصيني ونظيره الأذربيجاني خلال حفل توقيع اتفاقيات التعاون في بكين – الصورة من رويترز

ويضاف إلى ذلك أول مزرعة رياح بحرية في باكو، وهي مشروع متعدد المراحل بقدرة 2 غيغاواط في بحر قزوين، ما يعكس تطلعات البلاد المتزايدة لريادة العالم في مجال الطاقة الخضراء.

وتساعد هذه المبادرات باكو على تحقيق خطّتها ثنائية المسار لتعزيز صادراتها من الهيدروكربونات، مع تسريع تطويرها لتصبح قوة دافعة للطاقة المستدامة في المنطقة.

بدورها، تؤدي الصين دورًا حاسمًا من خلال الاستثمار الرأسمالي، بالإضافة إلى نقل أحدث التقنيات الخضراء والمعرفة التقنية، مثل مساعدة معهد تخطيط وهندسة الطاقة الكهربائية في دمج الشبكة لما بعد عام 2028.

التنويع الاقتصادي ضمن مبادرة الحزام والطريق

تُعدّ علاقات الطاقة بين أذربيجان والصين جزءًا من دفعة أوسع نطاقًا نحو تحديث اقتصادي قائم على البنية التحتية، يتماشى بشكل وثيق مع أهداف مبادرة الحزام والطريق والممر الأوسط.

ومن خلال مشاركتها في هذه الأطر، عززت أذربيجان مكانتها بصفتها حلقة وصل بين الصين وأوروبا.

وفي عام 2024، ارتفع حجم البضائع المنقولة عبر طريق بحر قزوين بنسبة 86%، ما يعكس تأثير التحسينات مثل توسيع ميناء باكو البحري الدولي وتطبيق أنظمة الجمارك الرقمية.

وبالمثل، أسهمت هذه التحسينات على زيادة كفاءة طرق التجارة الإقليمية، وساعدت أذربيجان على التطور لتصبح مركزًا لوجستيًا وتجاريًا رقميًا مركزيًا.

وقد أدى دعم الصين لجهود البنية التحتية والتحول الرقمي دورًا حيويًا في هذا التحول، ما وسّع نطاق التعاون بين البلدين ليتجاوز قطاع الطاقة.

واكتسبت العلاقات التجارية بين باكو وبكين زخمًا كبيرًا، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية 3.7 مليار دولار أميركي في عام 2023، وارتفع بنسبة 20.7% في عام 2024.

وتتطلع أذربيجان إلى توليد 15% من ناتجها المحلي الإجمالي من الأنشطة المتعلقة بالعبور بحلول عام 2030، وتعمل على إبرام اتفاقيات التجارة الحرة والخطوات نحو عضوية منظمة التجارة العالمية لدعم هذا الهدف.

ومن المتوقع أن تخلق هذه التحركات السياسية بيئة أكثر استقرارًا وجاذبية للاستثمار والتجارة الدولية.

ومن خلال تعزيز الأطر المؤسسية وتعميق علاقتها الاقتصادية مع الصين، تعمل أذربيجان على تعزيز التجارة وتطوير البنية التحتية، وترسيخ نفوذها الإقليمي ومرونتها الاقتصادية من خلال التنويع.

ويمثّل دمج التعاون في مجال الطاقة مع الإستراتيجيات الاقتصادية الأوسع ركيزة أساسية في سعي أذربيجان لتحقيق نمو طويل الأجل.

محطة كاراداغ للطاقة الشمسية الكهروضوئية في أذربيجان
محطة كاراداغ للطاقة الشمسية الكهروضوئية في أذربيجان- الصورة من وكالة أنباء أذربيجان الحكومية

توسيع الشراكات الإستراتيجية

تُعدّ علاقات أذربيجان المتنامية مع الصين عنصرًا أساسيًا في جهودها الأوسع لتنويع شراكاتها الإستراتيجية.

وبينما تواصل باكو التعاون البنّاء مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا وإيران، فإنها تتجه إلى بكين لزيادة خياراتها في مجالات مثل الاستثمار الأجنبي، وتطوير البنية التحتية، والتواصل الدبلوماسي.

ويوفر هذا التعاون المتنامي لباكو المرونة اللازمة للاستجابة لبيئة عالمية متزايدة الغموض.

ويؤدي سعي باكو إلى سياسة خارجية مستقلة إلى تعزيز دورها بصفتها لاعبًا متميزًا في المشهد الجيوسياسي المتغير بمنطقة أوراسيا.

وترتكز هذه الشراكة على الاحترام المشترك للسيادة والالتزام بالتنمية الموجهة نحو المستقبل.

ومن خلال ربط أهدافها في مجال تحول الطاقة بتطوير البنية التحتية، تُطوّر أذربيجان إستراتيجية تُوازن بين التحديث والاستدامة طويلة الأمد.

بدوره، يدعم التعاون مع الصين الأهداف الاقتصادية الرئيسة، ويُعزز الأهمية الإستراتيجية لباكو في عالم يتجه نحو مراكز نفوذ أكثر توزعًا.

ومن خلال هذا النهج متعدد الأوجه، تعمل أذربيجان على ترسيخ مكانتها بصفتها مركزًا حيويًا في النظام الإقليمي وفاعلًا مهمًا في مواجهة التغيير العالمي.

الفرص والمخاطر الجيوسياسية

تنطوي مشاركة أذربيجان في مبادرة الحزام والطريق على فوائد إستراتيجية ومخاطر ملحوظة في آنٍ واحد.

وعلى الرغم من أن التمويل الصيني يدعم تطوير البنية التحتية، ويعزز مكانة أذربيجان بصفتها دولة عبور رئيسة، تُمثّل هذه الاستثمارات الآن 12% من ديونها الخارجية، ما يُثير مخاوف مُحتملة بشأن الهشاشة المالية في حال عدم تحقيق التوقعات التجارية المرجوّة.

وفي الوقت نفسه، تواجه البلاد منافسةً مُتزايدة من طرق عبور أخرى -لا سيما ممر النقل الشمالي-الجنوبي الروسي وميناء تشابهار الإيراني-، ما قد يُقلّل من ميزتها اللوجستية عبر منطقة أوراسيا.

وللتغلب على هذه التحديات، يمكن لأذربيجان اعتماد نهج دبلوماسي استشرافي وتعميق التوافق مع الأطر التنظيمية الأوروبية.

ويُساعد تعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي في موازنة نفوذ القوى الكبرى مثل الصين وروسيا، ويدعم مرونة أذربيجان الإستراتيجية.

ومن خلال اتّباع سياسة خارجية مرنة ومتنوعة، يُمكن لباكو ترسيخ مكانة أكثر مرونة في شبكات التجارة الإقليمية، ومُواكبة الاتجاهات المتغيرة بمنطقة الأوراسي.

محطة الطاقة الشمسية العائمة على بحيرة بويوكشور في ضواحي عاصمة أذربيجان
محطة الطاقة الشمسية العائمة على بحيرة بويوكشور في ضواحي عاصمة أذربيجان – الصورة من كاسبيان نيوز

الابتكار التكنولوجي ومشروعات الطاقة الرائدة

ترتكز الشراكة الأذربيجانية الصينية على مشروعات رائدة في مجال الطاقة المتجددة، مصممة لتحفيز الابتكار التكنولوجي.

وتمثّل محطة غوبوستان للطاقة الشمسية بقدرة 100 ميغاواط، ومزرعة الرياح البحرية بقدرة 2 غيغاواط في بحر قزوين، قفزات نوعية نحو تنويع مصادر الطاقة واستدامتها.

وسيؤدي دمج الألواح الشمسية العائمة وأنظمة تخزين البطاريات واسعة النطاق إلى تعزيز استقلال أذربيجان في مجال الطاقة، ويدعم طموحها في أن تصبح رائدة إقليمية على صعيد التكنولوجيا النظيفة.

وتُعدّ هذه المشروعات أكثر من مجرد محطات لتوليد الكهرباء، فهي منصات لنقل المعرفة والابتكار، ما يضع أذربيجان في صدارة دول منطقة بحر قزوين بمجال الطاقة النظيفة.

تحديات التنفيذ والاعتبارات البيئية

على الرغم من الزخم القوي، فإن تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة في أذربيجان يطرح تحديات تقنية وبيئية كبيرة.

وسيتطلب دمج مصادر الطاقة المتجددة المتقطعة في شبكة أذربيجان التي تعتمد بشكل كبير على الغاز تحديثات كبيرة، لا سيما تلك المخطط لها بعد عام 2028.

وينطوي نشر طاقة الرياح البحرية في بحر قزوين على مخاطر هندسية وبيئية، بما في ذلك اضطرابات النظم البيئية البحرية.

إضافة إلى ذلك، ورغم أهمية تخزين البطاريات لاستقرار الشبكة، فإن الأنظمة الحالية ما تزال قيد التطوير.

التخفيف من المخاطر والمسارات الإستراتيجية

لضمان تحول ناجح ومرن في قطاع الطاقة، ينبغي لأذربيجان اعتماد نهج متكامل يركّز على التنويع المالي، والتمكين المحلي، وتطوير البنية التحتية.

ويمكن أن يُسهم استعمال نماذج التمويل المختلطة التي تجمع بين رأس المال الصيني والاستثمار الأخضر الأوروبي في تقليل الاعتماد على مصدر تمويل واحد، مع خفض المخاطر المرتبطة بالديون وتقلّبات أسعار العملات.

ويُظهر الوصول إلى الصناديق الخضراء المدعومة من الاتحاد الأوروبي التزام أذربيجان الأوسع بالاستدامة البيئية والالتزام بمعايير الحوكمة الدولية.

وفي الوقت نفسه، يُعدّ تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص -لا سيما مع الشركات الوطنية مثل سوكار غرين- أمرًا حيويًا لتنمية الصناعة المحلية، وتشجيع تبنّي التكنولوجيا، وتعزيز الاعتماد على الذات في مجال الطاقة.

ولا يقل أهمية عن ذلك تحديث شبكة الكهرباء في أذربيجان لاستيعاب تزايد مدخلات الطاقة المتجددة.

وسيدعم التعاون المبكر مع شركات الهندسة الدولية وإشراك أصحاب المصلحة المحليين التكامل الفعّال لمصادر الطاقة المتجددة.

من ناحية ثانية، فإن تنفيذ اللوائح التنظيمية الشفافة، وتسهيل عمليات الترخيص، وضمان ممارسات الشراء العادلة والتنافسية، من شأنه أن يساعد في جذب المزيد من الاستثمارات ودفع عجلة تطوير اقتصاد أخضر بتطلعات مستقبلية.

الخلاصة

تُمثّل زيارة الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، إلى بكين عام 2025 نقطة تحول في العلاقات الأذربيجانية الصينية، إذ ترتقي بعلاقاتهما إلى شراكة إستراتيجية شاملة قائمة على المصالح الاقتصادية المشتركة والأولويات الجيوسياسية المتقاربة.

وتُبرز الاتفاقيات واسعة النطاق -التي وُقّعت خلال الزيارة - وتشمل الطاقة المتجددة، والخدمات اللوجستية التجارية، وتطوير البنية التحتية، والتكامل الرقمي- طموح باكو في التحول من اقتصاد يعتمد على الوقود الأحفوري إلى آخر يتميز بالاستدامة والابتكار والنمو المتنوع.

الطاقة المتجددة في أذربيجان

ويدعم هذا التعاون المتطور أهداف تحول الطاقة المحلية في أذربيجان، ويتماشى مع الجهود العالمية الأوسع نطاقًا نحو إزالة الكربون.

وبفضل أكثر من 2.4 غيغاواط من مشروعات الطاقة المتجددة قيد التنفيذ، تبرز أذربيجان قناةً للطاقة الخضراء تربط آسيا وأوروبا.

في المقابل، فإن تحقيق هذه الإمكانات يتوقف على قدرة البلاد على تنفيذ إصلاحات مؤسسية، وتحديث بُنيتها التحتية للطاقة، والحفاظ على سياسة خارجية تُوازِن بين العلاقات الإستراتيجية مع القوى الشرقية والغربية.

وسيكون ضمان الوضوح التنظيمي، وتعزيز ثقة المستثمرين، ودمج القدرات المحلية -لا سيما من خلال شركات مثل سوكار غرين- ضروريًا لاستدامة هذا الزخم.

وفي حال نجاحها، فإن شراكة أذربيجان مع الصين يمكن أن تعزز مكانتها الدولية، وتدمجها في منظومة الطاقة النظيفة العالمية، وترسّخ دورها بصفتها جهة فاعلة ذات رؤية مستقبلية تراعي قضايا المناخ في منطقة أوراسيا.

الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق حيازة الكلاب بدون ترخيص يعرضك للحبس والسجن المشدد
التالى الرئيس السيسي: مصر تقف كما عهدها التاريخ سدا منيعا أمام محاولات تصفية القضية الفلسطينية