في مقابلة أجراها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الإعلامي "ريجان ريس" ونشرها موقع "دايلي كولر"، أمس الاثنين الموافق 1 سبتمبر في نسختها الكاملة، أدلى ترامب بتصريحات تساهم في تعقيد المشهد السياسي، إذ أعرب عن موقف صلب تجاه المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، جيمس كومي، والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، جون برينان.
وعندما سُئل عما إذا كان سيشعر بالراحة إذا رأى كومي وبرينان معتقلين ومكبلين بالأصفاد على الهواء مباشرة في سياق التحقيقات المتعلقة بتدخل روسيا في انتخابات 2016، المعروفة باسم "روسياجيت"، رد ترامب قائلًا: "لن يزعجني على الإطلاق" (Would not bother me at all). وأضاف أنهما "يجب أن يُعتقلا لأنهما فاسدان"، واصفًا إياهما بأنهما "تورطا في ممارسات تنطوي على الغش والكذب كما ارتكبا الكثير من الأمور السيئة والشريرة التي أضرت بالولايات المتحدة"، بل وذهب ترامب إلى حد وصفهما بـ"المرضى" الذين "ارتكبا كل الجرائم".
ومع ذلك، أكد ترامب أنه ينأي بنفسه ويفضل أن يظل بعيدًا عن التدخل المباشر في أي تحقيقات، قائلًا: "أنا مسموح لي بالتدخل وأملك السلطة لفعل ذلك، ولكنني عن قصد لا أتدخل"، مشيرًا إلى أن الأمر متروك بالكامل للسير في ضوء نتائج التحقيقات القضائية.
ويرتبط السياق الأوسع لهذه التصريحات بتحقيقات "روسياجيت" التي بدأت في عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وتحديدًا تحقيق أجراه مكتب التحقيقات الفيدرالي والمعروف باسم "كروسفاير هاريكين" في عام 2016. وقد ركز ذلك التحقيق على أوجه ووسائل تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وما إذا كانت حملة ترامب الانتخابية متواطئة مع جهات روسية.
وكان تقرير نشرته صحيفة "ذا هيل"، المتخصصة في الشأن السياسي ومقرها واشنطن، الاثنين 1 سبتمبر 2025، قد أوضح أن تحقيق المدعي الخاص روبرت مولر، الذي استمر لسنوات، كشف عن تدخل روسي واسع النطاق، لكنه لم يجد أدلة كافية تثبت تواطؤًا إجراميًا بين حملة ترامب وروسيا. ومع ذلك، فإن إدارة ترامب وحلفاءه يرون أن هذه التحقيقات كانت محاولة متعمدة لتقويض شرعية فوزه الانتخابي ووصوله إلى البيت الأبيض في 2016، وهو ما أشار إليه ترامب مرارًا بوصفه "خدعة".
وفي 2025، أعادت وزارة العدل فتح تحقيقات جنائية أمام هيئة محلفين كبرى بناءً على إحالة من تولسي جابارد، مديرة الاستخبارات الوطنية الحالية، تتهم إدارة أوباما بالتلاعب واستغلال المعلومات الاستخباراتية لربط ترامب بروسيا على نحو زائف لا يمت للحقيقة بصلة.
وكشف تقرير آخر لموقع "ياهو نيوز" الإخباري عن تفاصيل إضافية، مستندًا إلى صحيفة "ذا هيل"، وأشار إلى أن جون راتكليف، مدير الاستخبارات الوطنية السابق، قدم إحالة جنائية إلى وزارة العدل في الأشهر الأخيرة قبل أغسطس 2025، تتعلق بسلوكيات كومي، وبرينان، وجيمس كلابر (مدير الاستخبارات الوطنية السابق). هذه الإحالة ركزت على اتهامات بأن هؤلاء المسؤولين السابقين شاركوا في محاولات لتشويه سمعة ترامب من خلال تضخيم الرواية حول التدخل الروسي دون أدلة كافية.
وأكد التقرير أن ترامب، في تصريحاته، يعتقد أن هؤلاء الأفراد "تم القبض عليهم"، مما يعكس إيمانه بأن التحقيقات الجديدة ستكشف عن فساد في إدارة تلك التحقيقات الأولية.
وفي الوقت نفسه، أشار تقرير لشبكة "فوكس نيوز" إلى أن التحقيق الجنائي الجديد يركز على دور كومي وبرينان في التحقيق الروسي، مع اقتباسات من مصادر في وزارة العدل تؤكد أن هناك تحقيقًا جاريًا بالفعل في كيفية إدارة المعلومات الاستخباراتية خلال تلك الفترة.
من جهة أخرى، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقال رأي كتبه برينان وكلابر، وقد دافعا فيه عن نزاهة التحقيقات الأصلية حول التدخل الروسي، ونفيا اتهامات ترامب بأن أفعالهما كانت "خيانة". وأكدا أن عملهما كان مدفوعًا بالواجب الوطني لحماية الانتخابات الأمريكية من التدخل الأجنبي، مشيريْن إلى أن التقارير الاستخباراتية أثبتت تدخلًا روسيًا واضحًا.
وفي المقابل، أشار تقرير لصحيفة "نيويورك بوست" إلى أن ترامب رحب بالتحقيقات الجديدة في تورط كومي وبرينان، واصفًا إياهما بأنهما "فاسدان إلى الجحيم"، ومؤكدًا أن التحقيقات ستكشف الحقيقة حول ما وصفه بـ"خدعة روسياجيت".
وركزت إحالة جابارد الجنائية على اتهامات بتلاعب إدارة أوباما بالمعلومات الاستخباراتية، مما أعاد إشعال الجدل حول شرعية التحقيقات الأصلية. ومع ذلك، أكدت الوثائق التي أصدرتها جابارد أن التدخل الروسي كان حقيقيًا، لكنها أثارت تساؤلات حول كيفية استخدام تلك المعلومات ضد ترامب. كما أشار تقرير لموقع "إنكويزيتر" إلى أن ترامب أعرب عن عدم ممانعته في رؤية خصومه السياسيين، بما في ذلك كومي وبرينان، مكبلين في الأصفاد وفي طريقهم إلى السجن، مما يعكس تصعيدًا في لهجته ضد المسؤولين السابقين.
بالإضافة إلى ذلك، يعكس هذا الجدل توترات مستمرة منذ سنوات. فقد نشرت شبكة "سي بي إس نيوز" في تقرير تاريخي أن برينان وكلابر انتقدا ترامب آنذاك بسبب تشكيكه في تقارير الاستخبارات حول التدخل الروسي، مما يشير إلى عمق الخلاف بين الطرفين. هذه التصريحات والتحقيقات الجديدة تُبرز الانقسام العميق على المشهد السياسي الأمريكي حول "روسياجيت"، حيث يرى ترامب وحلفاؤه أن التحقيقات الأصلية كانت محاولة للإطاحة به، بينما يدافع المسؤولون السابقون عن نزاهتهم ويؤكدون أن التدخل الروسي كان تهديدًا حقيقيًا للديمقراطية الأمريكية.
وكشفت تصريحات ترامب عن استمرار الجدل والنقاشات العامة حول انتخابات 2016، مع احتمال تصاعد التوترات إذا أدت التحقيقات الجديدة إلى اتهامات رسمية. كما أن تصريحات ترامب تعكس نهجًا متشددًا تجاه خصومه، لكنها تترك الأمر في نهاية المطاف مرهونًا بنتائج التحقيقات القضائية، ما يرسم مستقبلا يكتنفه الغموض في هذا السياق المعقد الذي تشهده الساحة السياسية الأمريكية.