في تحول لافت على الساحة السياسي الأمريكي، بدأت حركة "أمهات ماها" (MAHA Moms)، التي تتبنى شعار "اجعلوا أمريكا صحية مرة أخرى"، تشعر بخيبة أمل عميقة، وقالت مجلة نيويوركر إن هذه المجموعة المؤثرة من الناخبات، التي كانت في قلب قاعدة دعم دونالد ترامب في حملته الانتخابية لعام 2024، ترى أن غالبية الوعود الجريئة التي قدمها ترامب، وحليفه روبرت إف. كينيدي جونيور بشأن تحسين الصحة العامة، قد تبددت أمام مصالح الشركات الكبرى. وبات هذا التناقض يهدد بتقويض الدعم الذي حظي به ترامب من هذا التحالف الجديد.
من التأييد الحماسي إلى الإحباط المتزايد
تجمع "أمهات ماها" بين الاهتمامات بالصحة الطبيعية والشكوك تجاه صناعات كبرى مثل الأدوية والزراعة والصناعات الغذائية. وقد علق هذا التحالف الناشئ أملًا كبيرًا على سياسات ترامب وكينيدي، الذي عيّنه ترامب وزيرًا للصحة والخدمات الإنسانية في عام 2025. كان كينيدي قد وعد بإصلاحات جذرية لمكافحة الأمراض المزمنة لدى الأطفال، مثل إزالة المواد الكيميائية الضارة من الغذاء وتعزيز الزراعة العضوية. وصل الأمر بترامب نفسه أن يقول في خطاب النصر إنه سيسمح "لكينيدي بكل ما هو معقول ولا معقول على صعيد الغذاء والصحة".
ولكن مع مرور الأشهر الأولى من ولاية ترامب الثانية، بدأت علامات الإحباط تظهر بوضوح. ففي مؤتمر عُقد في مؤسسة التراث، أعاد كالي ميانز، مستشار كينيدي، تأكيد النقاط الأساسية للحركة، مثل أن الولايات المتحدة هي "أكثر دولة مرضًا في العالم" بسبب الغذاء المعالج بشكل مفرط، ولكنه تجاهل التراجعات الكبرى في الإدارة التي أدت إلى خيبة الأمل.
وعود زائفة: التقارير والقرارات الحكومية
وبلغ الإحباط ذروته مع إصدار تقرير "استراتيجية جعل أطفالنا أصحاء مرة أخرى". هذا التقرير، الذي كان من المفترض أن يكون خارطة طريق لتحقيق أهداف الحركة، خيّب آمال الأمهات بشكل كبير. فبدلًا من اتخاذ إجراءات فورية، دعا التقرير إلى "مزيد من البحوث" حول المواد السامة التي يعتبرها الخبراء خطرًا مثبتًا بالفعل، ووصف عملية التنظيم في وكالة حماية البيئة بأنها "قوية" رغم تراجعها عن حظر مبيدات سابقة.
وعبّرت ناشطات بارزات عن شعورهن بالخيانة. فقد ذكرت زين هونيكوت، مؤسسة منظمة "أمهات في جميع أنحاء أمريكا " (Moms Across America)، في أحد برامج البودكاست أنها تشعر بالرعب كأم تعمل باستمرار لتقليل تعرض أطفالها للسموم، مشيرة إلى أن الإدارة تراجعت عن قوانين حماية البيئة وخفضت معايير المواد الكيميائية في الهواء والماء والتربة. كما أن وزارة الزراعة ألغت برنامجين بقيمة مليار دولار كانت تدعم المدارس والمصارف الغذائية لشراء المنتجات العضوية المحلية، وأنهت برنامج منح "من المزرعة إلى المدرسة" الذي بدأ في عهد أوباما.
وفي بودكاست آخر، تساءلت المؤثرة أليكس كلارك عما إذا كان ترامب قد منح حصانة قانونية لشركات المبيدات، في إشارة إلى مشروع قانون جمهوري يحمي الشركات من الدعاوى القضائية. وصفته ضيفتها كيلي رايرسون بأنه "أكبر صفعة على وجه ماها".
إدارة ترامب تمنح الأولوية للمصالح الاقتصادية لا الصحة العامة
وقالت المجلة الأمريكية إن التناقض بين الوعود والواقع أصبح واضحًا. فقد تلقت لجنة إعادة انتخاب ترامب تبرعات ضخمة من شركات الزراعة الصناعية والتبغ، وهي قطاعات تعتمد على ممارسات تتناقض تمامًا مع مبادئ "أمهات ماها". هذا التمويل يثير تساؤلات جدية حول مدى التزام الإدارة بتحسين الصحة العامة.
وحذر خبراء، مثل أستاذ السياسة العامة كريستوفر بوسو، من أن الجمهوريين قد يواجهون صعوبات انتخابية إذا فقدوا دعم "تحالف ماها الغاضب الجديد". وأشار بوسو إلى أن هجوم الإدارة على الزراعة والغذاء سيؤثر سلبًا على المناطق الجمهورية. ومما يزيد الطين بلة، أن وكالة حماية البيئة تسعى لإعادة الموافقة على مبيدات محظورة، بينما ألغت معاهد الصحة الوطنية مئات الملايين من المنح البحثية المتعلقة بالتغذية والأمراض المزمنة والصحة النفسية، وأنهت 40 مليون دولار من منح بحوث التوحد، مما يعزز شعور الخيانة بين هؤلاء الأمهات اللواتي كن يرين في ترامب حليفًا لصحة أطفالهن.
ومع ذلك، لم يصل الأمر إلى انقلاب كامل بعد. لا تزال بعض الأمهات يرين في كينيدي رسولًا للتغيير التدريجي، خاصة مع بعض الإنجازات الصغيرة مثل إزالة الأصباغ الاصطناعية من المنتجات الغذائية التابعة لشركات كبرى. ولكن خيبة الأمل المتزايدة تشير إلى أن هذا التحالف الهام قد يبتعد عن ترامب إذا استمر التراجع عن الوعود، خاصة مع موقف كينيدي من عدم تقييد استخدام مبيد الجليفوسات رغم شكوك في أنه مسبب للسرطان.