
في الثالث والعشرين من أغسطس من كل عام، يحيي العالم اليوم الدولي لإحياء ذكرى تجارة الرقيق وإلغائها، وهو يوم يمثل لحظة تأمل في واحدة من أحلك صفحات التاريخ الإنساني، فقد شهدت القرون الماضية تجارة بشعة حرمت ملايين البشر من حريتهم وكرامتهم، وجعلتهم سلعة تباع وتشترى في الأسواق وتعد هذه الذكرى مناسبة للتذكير بضرورة الوعي بالماضي لتجنّب تكراره، وتعزيز قيم المساواة والعدالة ،كما تؤكد على دور الأمم المتحدة والدول المختلفة في إبقاء هذه المأساة حيّة في الضمير العالمي.
إرث مظلم يثقل الحاضر
من جانبه قال أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة الدكتور سامح عبد الله لـ"البوابة نيوز": فى اليوم الدولي لإلغاء تجارة الرقيق لا تزال آثار تجارة الرقيق ماثلة حتى اليوم في شكل مظاهر التمييز العنصري والتفاوت الاجتماعي بين الشعوب فقد خلّفت تلك الجريمة المنظمة ندوبًا عميقة في مجتمعات إفريقية وأمريكية وكاريبية، حيث جرى اقتلاع ملايين الرجال والنساء من أوطانهم وزجهم في ظروف لا إنسانية، ويتفق المؤرخون على أن فهم الحاضر يتطلب استحضار هذه الجذور التاريخية. فالظلم التاريخي لم يكن مجرد فصل وانتهى، بل هو سبب رئيسي في أزمات الهوية والتهميش التي تعاني منها العديد من المجتمعات حتى الآن.
الوعي سبيل التحرر
وأضاف: أن إحياء هذه الذكرى ليس مجرد طقس رمزي، بل هو مسؤولية أخلاقية ويؤكد أن التعليم يلعب الدور الأبرز في نقل صورة صادقة عن الممارسات الاستعبادية التي مورست ضد الملايين ويضيف أن غياب الوعي بتاريخ تجارة الرقيق يؤدي إلى إنكار وجودها أو التقليل من آثارها، مما يكرس لمزيد من التمييز، ويشير الدكتور سامح إلى أن تدريس هذه القضايا في المناهج الدراسية يفتح الباب أمام جيل أكثر قدرة على فهم معاناة الآخرين، واحترام قيم الحرية والعدالة ويأتى ذلك من الاحتفال باليوم الدولي لإلغاء تجارة الرقيق.
ذاكرة جماعية ضد التمييز
وأكد أن تجارب الأمم أثبتت أن الذاكرة الجماعية وسيلة فعالة في مواجهة التمييز لذلك فإن الاحتفاء بهذا اليوم عالميًا يحمل دلالة كبيرة على ضرورة الاعتراف بضحايا تجارة الرقيق، وإعادة الاعتبار لهم عبر السياسات والبرامج الثقافية. فالثقافة والفنون، بما فيها الأدب والموسيقى، لعبت دورًا بارزًا في فضح أهوال العبودية، كما أن الشعوب التي تعرّضت لهذه المأساة استطاعت تحويل الألم إلى طاقة إبداعية تذكر العالم دومًا بأن الحرية ليست منحة بل حق أصيل ولهذا يبقى هذا اليوم بمثابة جرس إنذار متواصل ضد أي شكل من أشكال الاستغلال المعاصر.
العدالة التاريخية أساس للمستقبل
وفى السياق ذاته: يرى الخبير في قضايا حقوق الإنسان الدكتور محمود شرف بقوله لـ"البوابة نيوز" : أن العالم لم يطوِ بعد صفحة تجارة الرقيق، ما لم تُعالج آثارها الحقيقية. ويشير إلى أن العدالة التاريخية تتطلب الاعتراف الصريح بمسؤولية القوى الاستعمارية، وتقديم تعويضات رمزية أو معنوية للمجتمعات المتضررة. ويؤكد أن إحياء الذكرى يجب أن يتجاوز الخطابات الاحتفالية، إلى وضع سياسات واضحة لمكافحة التمييز بجميع أشكاله. ويضيف الدكتور محمود أن مواجهة العنصرية المعاصرة تبدأ من الاعتراف بالظلم الماضي، والعمل على إزالة نتائجه في الاقتصاد والتعليم والهوية الثقافية.
دروس للمستقبل من ماضٍ أليم
وأضاف :إحياء اليوم الدولي لتجارة الرقيق ليس مجرد وقفة مع التاريخ، بل هو رسالة للأجيال القادمة بأن الحرية لا تُشترى ولا تُباع، فالوعي بالتاريخ يعزز مسؤولية الشعوب في حماية حقوق الإنسان ومنع عودة أنماط جديدة من الاستعباد مثل الاتجار بالبشر والعمل القسري، إن هذه الذكرى العالمية تذكّرنا بواجب إنساني مشترك نحو بناء عالم يرفض كل أشكال القهر، ويؤمن بأن كرامة الإنسان خط أحمر لا يجب أن يمس ، وهكذا يصبح الماضي درسًا، والحاضر مسؤولية، والمستقبل أفقًا للعدالة والمساواة.
ذاكرة تحفظ الكرامة وتبني العدالة
ويختتم : في النهاية، يبقى اليوم الدولي لإحياء ذكرى تجارة الرقيق وإلغائها فرصة لإعادة الاعتبار لملايين الضحايا، وإدانة جميع أشكال الاستغلال عبر التاريخ. إنه يوم يربط الماضي بالحاضر، ويؤكد أن العدالة ليست خيارًا بل ضرورة إنسانية. وكما يرى المتخصصون، فإن الوعي والاعتراف والعدالة التاريخية هي مفاتيح بناء مستقبل خالٍ من التمييز. فالذاكرة هنا ليست عبئًا، بل قوة تحمي الإنسانية من تكرار مآسيها، وتفتح أمامها طريقًا جديدًا نحو عالم أكثر إنصافًا وحرية.