أخبار عاجلة

بالبلدي: مزار «البرث» ضرورة وطنية

بالبلدي: مزار «البرث» ضرورة وطنية
بالبلدي: مزار
      «البرث»
      ضرورة
      وطنية

منذ أكثر من سبع سنوات، وأنا أتمنى أن يتحوّل مربع «البرث» في شمال سيناء إلى مزار وطني دائم، مكان تقصده مجموعات من كل فئات المجتمع، سواء الشباب الذين يبحثون عن المعنى، أو الطلاب الذين يتعلمون قيمة الأرض، أو العائلات التي تحاول ترسيخ القيم في أبنائها وبناتها. سيكون تذكيرًا عمليًا بالتاريخ الوطني، وكيف تتم كتابته بالروح والدم.

في كل مهمة مهنية في سيناء، أفكّر في المقترح، المزار الذي أقصده ليس مجرد مبنى، ولا لافتاتٍ وصورًا، بل ذاكرة حيّة تتنفس، توثّق قصة رجالٍ اختاروا شرف الموت على خنوع الحياة، قاوموا مخططًا خبيثًا أراد النيل من سيادة مصر وأمنها القومي، لذلك، سيكون المكان رمزًا يزرع الفخر في القلوب، يوقظ الضمائر، ويُلهم الأجيال الجديدة قيمة أن تكون مصريًا حقيقيًا.

لأمنيتي ما يدعمها، ففي السابع من يوليو 2017، كتبت مجموعة من أبطال قواتنا المسلحة ملحمة لن ينساها التاريخ، في «البرث» (قصر راشد، جنوب رفح المصرية، قرب منطقة الشيخ زويد)، لدرجة أنه لو قُدّر للرمال أن تنطق، لروت التفاصيل البطولية للعقيد الشهيد، أحمد منسي، ورجاله الثلاثين من خيرة قوات الصاعقة المصرية، في مواجهة نحو 140 إرهابيًا.

كان الإرهابيون يحملون أسلحة نوعية لا تملكها إلا جيوش نظامية، خاصة صواريخ «كورنيت»، ومدافع «هاون»، وسيارات درعة- مفخخة، مع دعم معلوماتي يشبه ذاك الذي أسقط سوريا في يد ميليشيات إرهابية، ويشبه المخطط نفسه: إعلان ولاية ظلام في قلب سيناء، تبدأ برفع علم الشر، وتنتهي بتسويقه عنوانًا لـ«الإسلام» البريء من عناصرهم وأفكارهم.

ظنّ الإرهابيون، لحظة الهجوم على «البرث»، أن تجاربهم المُرّة في الجوار ستنجح في مصر، وأن ساحات الرعب هناك يمكن تكرارها في الأرض المقدسة، سيناء، لكن أبطال قواتنا المسلحة كان لهم رأي آخر، عبّروا عنه بصمودهم، وتضحياتهم التي تحتفي بها سجلات الحرب، وتعبر عني، وعنك، وعن كل مصري يعرف قيمة الأرض والعرض.

في المزار، سيروي متخصصون مخلصون، بحرارة القلب وصدق الكلمة، ما جرى في تلك الموقعة البطولية. سيحكون عن أحمد منسي (البطل، القائد، الشهيد)، الذي كان ومن معه رمزًا للوفاء والإيمان الراسخ، وكيف وقف هو ورفاقه يجابهون قوة تفوقهم عددًا وعتادًا، لكنهم لم يتزحزحوا، وقاوموا مندوبي الشر حتى الرمق الأخير.

سيحكي المختصون كيف أفشل أبطال «البرث» مخططًا أمريكيًا- إسرائيليًا، تنفذه أدوات وظيفية، تتحدث لغتنا، وتزعم أن دينها ديننا، لكنهم في الحقيقة ليسوا منا، فقد كان هدفهم تحويل سيناء إلى مستنقع فوضى، يرفع «الأعلام السوداء»، بلون العقول التي تخطط، والقدرات التي تموّل، والسواعد التي تنفّذ، لكنهم فشلوا.

سيروي المحترفون للزائرين إلى «البرث»، حال تحوّل الموقع إلى مزار، لحظات القتال، حين كانت الرصاصات تملأ الهواء، والجدران تتهاوى، لكن إرادة الرجال بقيت صلبة كالجبال، سيشرحون طبيعة الأسلحة المتطورة بحوزة الإرهابيين، معبّرة عن حجم الدعم الذي كانوا يحصلون عليه من دول إقليمية تابعة لقوى المصالح الدولية.

من الطبيعي أن يعرف شعبنا كيف تحقّقت صدمة الإرهابيين، ومن يدفع بهم، وكيف تحطّمت مخططاتهم، فالمزار لن يكون مجرد مكان للذكرى خاصة بأبطاله، بل مدرسة حيّة تُعلّم الأجيال نتائج التضحية، وتحتفي بالبطولات في شمال سيناء ومناطق أخرى، شرقًا وغربًا. سيفهم الزائر الفرق بين حب مصر والموت من أجلها.

الباحثون عن مستقبلٍ أفضل سيتعلمون أن المستقبل يتحقّق بدماء من لم يبخلوا بحياتهم، سيعرف المترددون إلى «البرث» أن التاريخ ليس كتاباتٍ صمّاء، بل وقائع تتحرك، وتتجسّد، وتتكلم، وتُعلّم الآخرين كيف يسلكون مسيرة الأبطال، سيكون المزار تجربة حيّة تؤكد أن هذه الأرض تحميها سواعد وقلوب رجال لا يعرفون الخوف.

رجال يؤمنون بوطنهم، يعيشون من أجله، ويستشهدون لتُجدد دماؤهم الطاهرة شبابه، وكيف أن «البرث» كان نقطة تحول، ليس كمعركة عسكرية فقط، بل في صياغة ضمير وطني يستعصي على الخضوع. وهذه هي فلسفة المزار الوطني المقترح. سيكون صوتًا يذكّرنا أن مصر ليست جغرافيا، بل انتماء يجمعنا، وشرف يدفعنا، وأملٌ يحركنا.

سيكون مكانًا يستنهض الهمم، يوقظ فينا الإيمان بأننا قادرون على مواجهة أي تحدٍّ، مهما كبر، سيُعلّم الأجيال القادمة أن الشجاعة ليست غياب الخوف، بل القدرة على الوقوف في وجهه. أتخيل مربع «البرث» كمكان يجمع الناس، ليس فقط ليتذكّروا، بل ليتأمّلوا، مكان يزرع في قلوب الزائرين بذرة الفخر، ويذكّرهم أن مصر دائمًا أرض الصمود.

سيكون مكانًا يحكي عن أحمد منسي، ليس كبطل خارق، بل كإنسان آمن بوطنه، ودفع حياته ثمنًا لهذا الإيمان، سيكون مكانًا يذكّرنا أن كل واحد منا يستطيع أن يكون بطلًا، سواء في ميدان القتال، أو العمل، أو حياته الشخصية، وأن أرواح منسي ورفاقه، وغيرهم من الشهداء، ستظل تحرس الوطن، ليس فقط بالسلاح، بل بالإلهام.

ستهمس أصواتهم لكل زائر: كن مصريًا بحق، عش بكرامة، واعمل بإخلاص، وتذكّر أن هذه الأرض تستحق كل قطرة عرق، وكل نبضة قلب. هناك، سيفهم الجميع أن التضحية ليست نهاية، بل بداية لكل ما هو عظيم. ستبقى أرواح أبطالنا الحقيقيين، وشهدائنا، منارة تضيء للجميع الطريق، وتُسهم في تصحيح أي اعوجاج للمسار.

في مربع «البرث»، لن تكون الزيارة مجرد رحلة إلى الماضي، بل دعوة للمستقبل، ستكون فترة تأمل تُجدّد الأمل، وتذكّر الجميع بأن مصر ليست مجرد وطن، بل حياة نختارها، والحلم الذي نحميه، والمستقبل الذي نبنيه، مربع «البرث» ليس مجرد بقعة في سيناء، بل وعد بأن تظل مصر، بأبنائها، شامخة إلى الأبد.

اقرأ أيضاً
منسي ورفاقه.. أبطال سطّروا الخلود بدمائهم في ملحمة البرث

مصطفى بكري: أبطال «البرث» ضربوا أروع الأمثلة في التضحية لأجل الوطن

في ذكرى ميلاد أحمد منسي.. حكاية بطل ملحمة البرث الذي أوصى بدفنه بالملابس العسكرية

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق محافظ المنوفية ونائب وزير الإسكان يفتتحان محطات رفع صرف صحي بقرى تلا
التالى وزيرا الإسكان وقطاع الأعمال العام يبحثان مستجدات التعاون في عدد من الملفات