يعد العمل التطوعي من أسمى القيم الإنسانية التي تعكس روح التعاون والتكافل داخل المجتمعات،فحين يقدم الإنسان جزءًا من وقته وجهده لخدمة الآخرين دون انتظار مقابل مادي، فإن ذلك يعكس شعورًا عميقًا بالمسؤولية والانتماء، ويسهم في بناء مجتمع أكثر تماسكًا وعدلاً وعلى مر العصور، لعب المتطوعون دورًا محوريًا في دعم الفئات الضعيفة، والإسهام في التنمية، والتصدي للكوارث والأزمات.
على الرغم من أن العمل التطوعي هو نشاط إنساني نبيل يهدف إلى خدمة المجتمع وتحقيق الخير للآخرين، ويحمل في طياته قيمًا إيجابية مثل العطاء والتكافل والمسؤولية الاجتماعية ،ولكن قد يتعرض هذا العمل النبيل إلى استغلال مؤسسي، حيث يتم استخدامه لتحقيق مكاسب مادية أو معنوية للجهات القائمة على العمل التطوعي، أو لتحسين صورتها العامة دون مراعاة حقيقية لمصالح المتطوعين أو المستفيدي.
غير أن هذه القيمة النبيلة بدأت في بعض السياقات تتعرض للتشويه، نتيجة ما يمكن وصفه بالإستغلال المؤسسي للعمل التطوعي، ففي حين أن الهدف الأساسي من التطوع هو خدمة المجتمع وتنمية روح المبادرة، أصبحت بعض المؤسسات – سواء كانت أهلية أو خاصة أو حتى حكومية – تستغل جهود المتطوعين لتقليل التكاليف التشغيلية، أو لتحقيق أهداف دعائية وتسويقية دون منح المتطوعين أي حقوق أو تقدير حقيقي.
فعلى سبيل المثال، تكلف بعض الفئات الشابة بمهام تفوق قدراتهم أو خارج نطاق الاتفاق، في بيئات تفتقر إلى التدريب أو الإشراف، مع تحميلهم مسؤوليات توازي وظائف مدفوعة الأجر، دون أي التزام تجاه تطويرهم أو تقدير جهودهم كما أن بعض المؤسسات تستخدم صور المتطوعين وأنشطتهم في الحملات الإعلامية والترويجية، دون استشارتهم أو ضمان حقوقهم المعنوية.
ومن هذه النقطة، تبرز الحاجة إلى تنظيم العمل التطوعي ووضع ضوابط تحكم العلاقة بين المتطوع والمؤسسة، بما يضمن عدم استغلاله ويعيد للتطوع معناه الحقيقي من جديد،كما يجب تعزيز الوعي المجتمعي حول أهمية التطوع، وتشجيع المتطوعين على معرفة حقوقهم وواجباتهم، لضمان أن تظل هذه القيمة الإنسانية خالصة، بعيدة عن أي استغلال أو تحريف.
ويبقى العمل التطوعي ركيزة أساسية في بناء المجتمعات، بشرط أن يُمارَس في إطار من العدالة والشفافية والاحترام المتبادل.
