9.9 طبيب لكل 10 آلاف مواطن..
للمرة الثانية خلال أقل من أسبوع، هزت وفاة الطبيبة الشابة سلمى حبيش الوسط الطبي في مصر، بعد أن فارقت الحياة إثر تعرضها لهبوط حاد في الدورة الدموية أثناء تأديتها لعملها بمستشفى القصر العيني.
الحادث المؤلم أعاد إلى الواجهة الاتهامات الموجهة إلى القائمين على المستشفى، بالتسبب في وفاة الطبيبة نتيجة الإجهاد الشديد الذي تعرضت له، بعد مواصلتها العمل لساعات طويلة دون طعام أو راحة أو نوم.
الواقعة جاءت بعد أيام قليلة فقط من حادثة مشابهة، توفي فيها الطبيب الشاب عبد اللطيف فرج، الذي سقط مفارقًا للحياة أثناء تأديته لعمله بمستشفى المنصورة للتأمين الصحي، داخل غرفة الطوارئ وبين مرضاه عقب انتهاء نوبتجية عمل استمرت نحو 12 ساعة في قسم الطوارئ، مما أثار موجة من التساؤلات والقلق بشأن ظروف العمل التي يتعرض لها الأطباء في بيئة توصف على نطاق واسع بأنها غير مناسبة ومليئة بالضغوط والإجهاد.
نقابة الأطباء تطالب بإعادة النظر في بيئة العمل
وفي أعقاب هذه الحوادث، دعت النقابة العامة للأطباء إلى ضرورة إعادة النظر بجدية ومسؤولية في أوضاع الأطباء داخل أماكن العمل، خاصة في أقسام الطوارئ، من حيث عدد ساعات العمل، وضغط الحالات، وتوافر الراحة والدعم النفسي.
وأكدت النقابة أن مطالبها بشأن ظروف العمل لا ترتبط تحديدًا بملابسات وقائع الوفاة الأخيرة، وإنما تأتي في سياق عام يخص مهنة الطب وأقسام الطوارئ على وجه الخصوص.
أزمة استقالة طبيبات طنطا تثير الجدل من جديد
سبق تلك الوقائع، أزمة استقالة طبيبات طنطا التي أثارت جدلًا واسعًا خلال الأيام الماضية، بعدما اعترضن على طول فترات النوبتجيات، وعدم إتاحة النوم والراحة، وحرمانهن من أبسط الحقوق كاستخدام الحمام أو الحصول على إجازات مرضية أو أيام للراحة.
شهادات أطباء: "النظام يقتلنا والعمل فوق طاقتنا"
وفي تعليق لأحد الأطباء حول هذه الوقائع، قال:"الأطباء الشباب بياخدوا نوبتجيات بـ24 و36 ساعة، فهل هذا معقول؟ ولو توفى مريض لأي سبب أثناء نوبتجية الطبيب المرافق له، تسن السكاكين للطبيب بأنه مهمل".
وأضاف: "نظام العمل في المستشفيات الحكومية يجب أن يتغير، الطبيب وكل المعاونين له كالتمريض، يجب أن تكون ساعات العمل له مثل موظف الحكومة، 8 ساعات في اليوم، وإن زادت تكون 10 ساعات فقط، حتى يركز في عمله، لأنه يتعامل مع نفس بشرية وسط الحوادث والدماء والكسور وغيرها."
وتابع:"المفروض يكون فيه حل من وزارة الصحة والسكان ومن نقابة الأطباء العامة على الخصوص، يجب أن تتحرك فورًا لتغيير مدة النوبتجيات، حرصًا على الأطباء والطواقم الطبية، وحرصًا أيضًا – في المقام الأول – على المريض الذي يتلقى الخدمة."
وتابع مهاجمًا نقابة الأطباء: “ذنب هؤلاء الأطباء في رقبة نقابة الأطباء ووزارة الصحة بسبب القوانين والقرارات العقيمة الصادرة من وزارة الصحة بخصوص ساعات عمل الأطقم الطبية، ولم تتحرك النقابة – المنوط بها رعاية الأطباء – لتغييرها، أنتم تخصصتم في شيء واحد فقط وهو نعي الأطباء الشباب الذين يتوفون نتيجة ضغوط العمل، بدون حل لمشكلاتهم، ومنها مشكلة النوبتجيات، دون الدخول في مشكلات أخرى ليس المجال للكلام عنها الآن”.
استقالات الأطباء تتضاعف بأرقام صادمة
تشير الإحصاءات إلى أن عدد الأطباء المتقدمين باستقالاتهم إلى النقابة تضاعف بشكل كبير خلال السنوات الماضية، حيث ارتفع من 1044 استقالة في عام 2016 إلى 4127 استقالة في عام 2021، ثم إلى 4261 استقالة خلال عام 2022، بمعدل يومي بلغ 12 طبيبًا وطبيبة، فيما استمرت الزيادة لتصل إلى 7 آلاف استقالة في عام 2023، وفقًا لتصريحات أدلى بها نقيب الأطباء أسامة عبد الحي.
وأوضح عبد الحي أن النقابة تستدل على هجرة الأطباء المصريين للخارج من خلال تقدمهم للحصول على شهادة طبيب حر، بغرض السفر للعمل بالخارج، مرجعًا سبب هذه الهجرة إلى عاملين رئيسيين هما ضعف الرواتب، والبحث عن بيئة عمل آمنة تتيح التدريب والتعليم، بالإضافة إلى عوامل أخرى تشمل عدد ساعات العمل، وسكن الأطباء، والمعاملة داخل أقسام الطوارئ.
تراجع أعداد الأطباء داخل مصر
ووفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد شهدت مصر بين عامي 2014 و2020 تراجعًا حادًا في أعداد الأطباء، حيث انخفض العدد من 113.1 ألف طبيب في 2014 إلى 87.7 ألف طبيب في 2015، ثم ارتفع مرة أخرى إلى 95.1 ألف في 2016، و102.8 ألف في 2017، قبل أن يهبط مجددًا إلى 75.7 ألف طبيب في 2018، ثم إلى 74.9 ألف في 2019، و73.4 ألف في 2020، بانخفاض تجاوز الـ 35%.
وفي المقابل، بدأت الأعداد تعود إلى الارتفاع تدريجيًا، حيث بلغ عدد الأطباء البشريين في عام 2023 نحو 122.3 ألف طبيب، يعمل منهم: 91.9 ألف طبيب في مديريات الشؤون الصحية، 14.9 ألف في الأمانة العامة للمراكز الطبية المتخصصة، 7513 في التأمين الصحي، 5044 في المستشفيات والمعاهد التعليمية، 2100 في الجامعات.
أما من حيث عدد الأطباء بالنسبة للسكان، فقد بلغ المعدل 9.4 طبيبًا لكل 10 آلاف من السكان في عام 2019، ثم انخفض إلى 9.1 في عام 2020، قبل أن يرتفع مجددًا إلى 9.9 في عام 2021، وهو أقل بكثير مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 17.2 طبيب/ 10 آلاف نسمة.