خريطة الطلب المتغيّرة.. نظرة معمّقة على اتجاهات السوق العقاري في الإمارات


الخميس 10 ابريل 2025 | 11:36 صباحاً

العقارات في الإمارات

العقارات في الإمارات

ميسون أبو الحسن

يشهد القطاع العقاري في دولة الإمارات العربية المتحدة ديناميكية ملحوظة، مدفوعة بمجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية، التي تُعيد تشكيل خريطة الطلب على الوحدات السكنية.

ويمثّل السوق العقاري في دولة الإمارات العربية المتحدة قصة نجاح مستمرة، مدفوعة برؤية طموحة واستثمارات ذكية وبيئة جاذبة للمقيمين والمستثمرين على حد سواء، ومع استمرار التطوّرات الاقتصادية والاجتماعية، سيبقى قطاع العقارات في الإمارات محط أنظار المستثمرين، والباحثين عن أفضل فرص النمو والاستقرار.

ويجب التأكيد على أن المشهد العقاري في دولة الإمارات العربية المتحدة، يشهد حِراكًا متصاعدًا، يرسم ملامح جديدة لخريطة الطلب على الوحدات السكنية. ففي ظل بيئة اقتصادية جاذبة وتوجّهات مجتمعية متغيّرة، يتسابق المستثمرون والمشترون على اقتناص الفرص المتاحة.

ولم يعد السؤال مقتصرًا على حجم الطلب، بل امتد ليشمل طبيعته وتوجهاته، فهل لا تزال الشقق تحتفظ ببريقها التقليدي كخيار مُفضّل، أم أن هناك تحولًا ملحوظًا نحو الفلل والتاون هاوس التي باتت تستهوي شريحة أوسع من الباحثين عن مساحات أرحب وجودة حياة مختلفة؟ وما هي العوامل التي تدفع هذه التحولات في أذواق المستهلكين والمستثمرين؟

تنوع الخيارات.. صراع الجاذبية بين الشقق والفلل والتاون هاوس

على مدى السنوات القليلة الماضية، شهد سوق العقارات في الإمارات تحولًا في تفضيلات المشترين والمستأجرين؛ فبينما كانت الشقق تقليديًا الخيار الأكثر شيوعًا نظرًا لتكلفتها النسبية وموقعها المركزي في المدن الكُبرى مثل دبي وأبوظبي، بدأت الفلل والتاون هاوس في اكتساب زخم ملحوظ، مدفوعة بعِدة عوامل:

• تأثير الجائحة وتغير نمط الحياة: أدت جائحة كوفيد-19 إلى إعادة تقييم الأفراد لأولوياتهم السكنية. فمع زيادة العمل عن بعد والتركيز على الصحة والرفاهية، ازداد الطلب على المساحات الأكبر التي توفّر خصوصية أكبر ومساحات خارجية مثل الحدائق والشرفات الواسعة، وهو ما توفره الفلل والتاون هاوس بشكل أفضل.

• المشاريع التطويرية الجديدة: شهدت الإمارات إطلاق العديد من المشاريع السكنية الجديدة التي تركز على الفلل والتاون هاوس في مناطق الضواحي والمجتمعات المتكاملة، والتي تتميز بتصميمات حديثة، ومرافق متكاملة وأسعار تنافسية مقارنة ببعض الفلل القديمة في المناطق الأكثر مركزية.

• الرغبة في الاستقرار طويل الأمد: يميل الأفراد والعائلات الذين يبحثون عن الاستقرار طويل الأمد إلى تفضيل الفلل والتاون هاوس؛ حيث توفر شعورًا أكبر بالملكية والاستقلالية وإمكانية التوسع المستقبلي.

• جاذبية الاستثمار: أصبحت الفلل والتاون هاوس خيارًا استثماريًا جذابًا؛ نظرًا لإمكانية تحقيق عوائد إيجارية جيدة، وارتفاع قيمة الأصول على المدى الطويل، خاصةَ في المجتمعات التي تشهد طلبًا قويًا وتطويرًا مستمرًا.

ومع ذلك، لا يزال الطلب على الشقق قويًا، خاصة بين الشباب المهنيين والعزاب والأزواج الجدد، الذين يُفضّلون سهولة الوصول إلى مراكز الأعمال، والترفيه، والخدمات في المدن الرئيسية، كما أن الشقق غالبًا ما تكون الخيار الأكثر تفضيلًا للمستأجرين والمشترين ذوي الميزانيات المحدودة.

التركيبة السكانية المتغيرة.. الفئات العمرية والجنسيات الأكثر إقبالًا

ويشكّل التركيب السكاني المتنوع في دولة الإمارات العربية المتحدة، محرّكًا رئيسيًا لاتجاهات الطلب في السوق العقاري، ويمكن تحديد أبرز الفئات العمرية والجنسيات الأكثر إقبالًا على العقارات على النحو التالي:

• الشباب المهني: تشكّل هذه الفئة شريحة كبيرة من السكان العاملين في القطاعات الاقتصادية الحيوية في الدولة، ويُفضّل الكثير منهم استئجار الشقق في المناطق الحضرية القريبة من أماكن عملهم ومرافق الترفيه، ومع ازدياد نضجهم المالي، يبدأ البعض منهم في التفكير في شراء الشقق كخطوة أولى نحو تملك العقارات.

• العائلات: سواءً كانت عائلات وافدة أو مواطنة، فإنها تمثل قوة طلب كبيرة على الفلل والتاون هاوس التي توفر مساحات أوسع وبيئة أكثر ملاءمة لتربية الأطفال، يفضلون المجتمعات السكنية المتكاملة التي تضم مدارس وحدائق ومراكز تسوق قريبة.

• المتقاعدون والمستثمرون الأكبر سنًا: تجذب الإمارات أعدادًا متزايدة من المتقاعدين والمستثمرين الأكبر سنًا الذين يبحثون عن ملاذ آمن واستثمار مستقر، ويميل البعض منهم إلى شراء الفلل أو الشقق الفاخرة في المناطق الهادئة أو المطلة على البحر.

• الجنسيات الأكثر إقبالًا: تاريخيًا، كان المستثمرون من دول مجلس التعاون الخليجي والهند والمملكة المتحدة يشكلون جزءًا كبيرًا من الطلب على العقارات، ومع ذلك، يشهد السوق حاليًا تنوعًا أكبر في جنسيات المشترين والمستأجرين، بما في ذلك أعداد متزايدة من الأوروبيين والصينيين والروس وغيرهم، مدفوعين بالفرص الاقتصادية والأمن والاستقرار الذي توفره الإمارات.

محرّكات الطلب المتزايد والمتغير

هناك عِدة عوامل تساهم في زيادة الطلب على العقارات في الإمارات وتغيير اتجاهاته:

• النمو الاقتصادي القوي: يُعتبر الاقتصاد الإماراتي من بين الأكثر ديناميكية في المنطقة، مدفوعًا بالاستثمارات الحكومية الضخمة في البنية التحتية وتنويع مصادر الدخل. هذا النمو يخلق فرص عمل جديدة ويجذب المزيد من السكان، مما يزيد الطلب على السكن.

• المبادرات الحكومية المحفزة: أطلقت حكومة الإمارات العديد من المبادرات لتنشيط القطاع العقاري وجذب المستثمرين، مثل تسهيل إجراءات التأشيرات، وتقديم خيارات تمويلية مرنة، وتنظيم المعارض والفعاليات العقارية.

• الأمن والاستقرار: تُعتبر الإمارات من بين الدول الأكثر أمانًا واستقرارًا في المنطقة، وهو عامل جذب كبير للمقيمين والمستثمرين الأجانب.

• جودة الحياة العالية: توفر الإمارات مستوى معيشة مرتفعًا، مع بنية تحتية متطورة، وخدمات عامة ممتازة، ومجموعة واسعة من المرافق الترفيهية والثقافية، مما يجعلها وجهة جذابة للعيش والعمل.

• المشاريع العملاقة والرؤية المستقبلية: تُساهم المشاريع الضخمة مثل إكسبو 2020 (الذي لا يزال تأثيره ممتدًا)، والمشاريع المستقبلية مثل نيوم (التي تجذب اهتمامًا إقليميًا ودوليًا)، في تعزيز مكانة الإمارات كمركز عالمي وجذب المزيد من الاستثمارات والأفراد.

• تطور البنية التحتية: تستمر الإمارات في الاستثمار في تطوير البنية التحتية، بما في ذلك شبكات النقل والمواصلات، والمرافق العامة، والخدمات الرقمية، مما يزيد من جاذبية مختلف المناطق السكنية والتجارية.

• تأثير أسعار الفائدة: يمكن أن يؤثّر ارتفاع أو انخفاض أسعار الفائدة على تكلفة الاقتراض العقاري وبالتالي على حجم الطلب، وفي الفترة الأخيرة، أدت الزيادات في أسعار الفائدة إلى بعض الحذر في السوق، لكن الطلب لا يزال قويًا نسبيًا.

توقعات مستقبلية

ومن المتوقع أن يستمر السوق العقاري في الإمارات في النمو خلال السنوات القادمة، مدفوعًا بالعوامل المذكورة، ومع ذلك، من المرجّح أن يستمر التنوع في الطلب؛ حيث ستظل الشقق خيارًا شائعًا بين فئات معينة، بينما ستشهد الفلل والتاون هاوس طلبًا قويًا من العائلات والمستثمرين الباحثين عن مساحات أكبر وجودة حياة أعلى.

من المهم للمطورين العقاريين والمستثمرين مراقبة هذه الاتجاهات المتغيّرة، والتكيّف معها من خلال تطوير مشاريع تلبّي احتياجات وتفضيلات مختلف شرائح السوق، كما أن فهم التركيبة السكانية المتغيّرة، وتوقعاتها، سيساعد في توجيه الاستثمارات، وتطوير المنتجات العقارية المناسبة. 

نقلا عن الجريدة العقارية

أضف تعليق