السبت 12 ابريل 2025 | 01:12 مساءً

ترامب – أرشيفية
عادت سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التجارية الحمائية لتلقي بظلالها القاتمة على الاقتصاد العالمي؛ ففي سلسلة من القرارات الأخيرة، أعلن ترمب عن فرض رسوم جمركية جديدة ومشددة على مجموعة واسعة من السلع المستوردة من كبار الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، مما أثار موجة من الغضب والقلق بين الحكومات والشركات والمستثمرين على حد سواء.
هذه القرارات، التي تأتي في سياق وعود ترمب الانتخابية بـ”حماية الصناعة الأمريكية” واستعادة الوظائف، تنذر بإشعال فتيل حرب تجارية عالمية جديدة، تحمل في طياتها مخاطر جمة على النمو الاقتصادي العالمي واستقرار الأسواق.
كيف بدأت الشرارة الأولى؟
بدأت الشرارة الأولى بإعلان ترمب عن نيته فرض رسوم جمركية بنسبة 10% على جميع الواردات من دول معينة، مع تلميحات مبهمة إلى إمكانية استثناء بعض الدول “لأسباب واضحة” لم يتم الكشف عنها.
هذا الإعلان، الذي جاء في ختام أسبوع مضطرب شهد تقلبات حادة في أسواق الأسهم والسندات، زاد من حالة عدم اليقين التي تخيم على المشهد الاقتصادي العالمي، فالدول التي تعتبر شركاء تجاريين رئيسيين للولايات المتحدة تجد نفسها في موقف صعب؛ حيث تدرس خيارات الرد المُحتملة، والتي قد تشمل فرض رسوم مماثلة على السلع الأمريكية، مما يدخل العالم في حلقة مفرغة من الإجراءات الحمائية الانتقامية.
متى بدأ ظهور تأثير هذه القرارات؟
تأثير هذه القرارات بدأ بالفعل يظهر في الأسواق؛ حيث شهدت أسعار النفط تقلّبات حادة وتكبدت خسائر للأسبوع الثاني على التوالي، على الرغم من بعض الارتفاعات الطفيفة في جلسات محددة.
صناديق التحوط، التي تعتبر مؤشرًا على توجهات المستثمرين الكبار، أظهرت رد فعل فوريًا من خلال تقليص مراكزها الاستثمارية في النفط بأسرع وتيرة على الإطلاق، خوفًا من أن تؤدي الحرب التجارية إلى تقليص الطلب العالمي على الطاقة نتيجة لتباطؤ النمو الاقتصادي.
هذا الانسحاب الكبير يعكس قلقًا عميقًا بشأن التداعيات السلبية المحتملة لسياسات ترمب التجارية على النشاط الاقتصادي العالمي.
كيف تأثّر قطاع صناعة السيارات؟
قطاع صناعة السيارات كان من بين أول المتضررين بشكل مباشر من هذه القرارات، فبعد إعلان شركة “ستيلانتيس” عن إغلاق مؤقت لأحد مصانعها في كندا، بسبب حالة عدم اليقين التي سادت القطاع عقب فرض الولايات المتحدة رسومًا جمركية على السيارات المصنعة في الخارج، لحقتها شركة “جنرال موتورز” بخطوة مماثلة؛ حيث أعلنت عن توقف مؤقت للإنتاج في مصنعها الكندي الآخر.
هذه الإغلاقات، التي تؤدي إلى تسريح مؤقت أو دائم لمئات العمال، تشير إلى أن الشركات المصنعة للسيارات بدأت بالفعل في الشعور بوطأة السياسات التجارية الجديدة وتدرس خيارات إعادة هيكلة عملياتها لتجنب التكاليف الإضافية.
تصريحات غامضة بشأن استثناءات مستقبلية
تصريحات “ترامب” المتضاربة والغامضة تزيد من حِدة القلق؛ فبينما يُصرّ على أن الرسوم الجمركية بنسبة 10% تمثّل “الحد الأدنى” أو “قريبة جدًا منها”، يلمح في الوقت نفسه إلى إمكانية وجود “استثناءات” دون توضيح طبيعة هذه الاستثناءات أو المعايير التي سيتم على أساسها منحها، هذا الغموض يترك الدول والشركات في حالة من الترقب وعدم القدرة على التخطيط بشكل فعال للمستقبل، مما يزيد من حالة عدم الاستقرار في الأسواق.
توقّع بصعود قوي للدولار الأمريكي
في محاولة لطمأنة الأسواق، زعم ترمب أنه تمكن من حل أزمة قصيرة شهدتها سوق السندات، وتوقع صعودًا قويًا للدولار الأمريكي، حتى في ظل انخفاضه الأخير، إلا أن هذه التصريحات لم تلق قبولًا واسعًا في الأوساط الاقتصادية؛ حيث يرى العديد من المحللين أن السياسات التجارية الحمائية، بما في ذلك فرض الرسوم الجمركية، من شأنها في الواقع أن تضر بالاقتصاد الأمريكي على المدى الطويل، من خلال زيادة تكلفة السلع على المستهلكين والشركات، وتقويض القدرة التنافسية للمنتجات الأمريكية في الأسواق العالمية، وإثارة ردود فعل انتقامية من الشركاء التجاريين.
المخاوف تتزايد من أن هذه الإجراءات الحمائية لن تؤثر على النمو الاقتصادي العالمي فحسب، بل قد تهدد أيضًا مكانة الولايات المتحدة باعتبارها الملاذ الآمن للاستثمار في أوقات الأزمات، فالتاريخ يشير إلى أن الحروب التجارية غالبًا ما تؤدي إلى نتائج عكسية؛ حيث تتسبب في تباطؤ النمو، وارتفاع التضخم، وفقدان الوظائف، وتقويض الثقة في النظام التجاري العالمي القائم على القواعد.
كيف كانت ردود الفعل الدولية؟
ردود الفعل الدولية على قرارات ترمب كانت حذرة وقلقة في الغالب، فالعديد من الدول أعربت عن استعدادها للحوار والتفاوض لتجنب التصعيد، لكنها في الوقت نفسه لوحت بإمكانية اتخاذ إجراءات مماثلة لحماية مصالحها التجارية.
الاتحاد الأوروبي والصين وكندا ودول أخرى أكدت على التزامها بالنظام التجاري متعدد الأطراف، وحذّرت من التداعيات السلبية للسياسات الحمائية الأحادية.
هذه القرارات، التي تتسم بالغموض والتقلب، تثير حالة من الفوضى وعدم اليقين في الأسواق وتهدد بتقويض النمو الاقتصادي العالمي، وبينما يصر ترمب على أن هذه الإجراءات تهدف إلى حماية الصناعة الأمريكية، فإن المخاوف تتزايد من أن تكون لها نتائج عكسية مدمرة على الاقتصاد الأمريكي والعالمي على حدٍ سواء، مما يستدعي تحركًا دوليًا عاجلًا للحوار والتفاوض وتجنب الانزلاق نحو مزيد من التصعيد الحمائي.
نقلا عن الجريدة العقارية