الجمعة 11 ابريل 2025 | 02:55 مساءً

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
في خطوة فُسرت على أنها تهدئة مؤقتة للأسواق، علّق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرسوم الجمركية التي تتجاوز 10٪ على الواردات من دول أخرى غير الصين، مما منح المستثمرين لحظة من الارتياح، لكن التطورات الأخيرة تُظهر أن الرئيس جاد في تعزيز مصالح قاعدته الانتخابية حتى لو كان ذلك على حساب وول ستريت، فيما تتعهد إدارته أيضًا بخفض العجزين المالي والتجاري. في هذا السياق، تبدو سياسات ترامب وكأنها تهديد وجودي لما بات يُعرف بـ “اقتصاد الفقاعة” الأمريكي، وهو ما واجهته اليابان قبل عقود ولم تستطع تجاوزه بسهولة.
اقتصاد الفقاعة الأمريكي
يُعتبر اقتصاد الفقاعة هو نموذج اقتصادي يُبرز فيه القطاع المالي على حساب الاقتصاد الحقيقي، إذ ترتفع أسعار الأصول إلى مستويات غير مبررة بالأساسيات، وتُدار الشركات بشكل يركز على زيادة العوائد المالية بدلاً من تحسين الإنتاج أو زيادة حصتها في السوق، ويستمر توسع هذه الفقاعة بفضل نمو الديون، التي تُستخدم غالبًا لأغراض مالية وليس للاستثمار في الإنتاج، مما يضخم أرباح الشركات دون تعزيز قوة الاقتصاد الحقيقي، وفقًا لتقرير وكالة رويترز.
وتمثل الولايات المتحدة اليوم النموذج المثالي لهذا النوع من الاقتصاد، فقد تضاعفت مساهمة قطاعي التمويل والعقارات في الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 1945، في حين تقلصت مساهمة التصنيع إلى أقل من النصف، وفي الوقت ذاته، تلامس الأسواق المالية الأمريكية مستويات تقييم تاريخية، حيث بلغ صافي ثروة الأسر 5.7 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقم أعلى بكثير من المتوسط التاريخي، بينما تراجعت المدخرات إلى نصف مستواها الطويل الأمد.
وفي العام الماضي، تجاوزت الديون الإجمالية – العامة والخاصة والمالية – 100 تريليون دولار، أي أكثر من ثلاثة أضعاف الدخل القومي، في حين تركز الشركات بشكل متزايد على إعادة شراء الأسهم والاستحواذ باستخدام الرافعة المالية، ما قلص الاستثمار الحقيقي في الاقتصاد.
تدفقات رأس المال وعجز مزدوج
ساهمت تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية في استمرار هذه الفقاعة، حيث يملك المستثمرون الأجانب الآن ما يعادل 57 تريليون دولار من الأصول المالية الأمريكية. وقد أدت هذه الاستثمارات إلى خفض عوائد السندات ورفع أسعار الأسهم، مما ساعد الحكومة الأمريكية على تمويل عجزها المالي المتضخم، والذي يدعم بدوره أرباح الشركات الأمريكية.
ولا يخلو هذا الهيكل الاقتصادي من التوترات السياسية، فالمكاسب المتحققة من هذا النموذج لم تُوزع بالتساوي: 10% من الأمريكيين يملكون 88% من الأسهم، في حين أن نصف السكان يعيشون تحت وطأة الديون، كما يشير وزير الخزانة سكوت بيسنت، وأدى تصدير الوظائف الصناعية إلى الخارج إلى تحسين أرباح الشركات، لكنه أضعف فرص العمل للعمال ذوي الياقات الزرقاء، وساهم في ركود نمو الأجور.
وتُعد هذه الفقاعة بطبيعتها هشة، فارتفاع الدين بوتيرة أسرع من الدخل لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، وإذا لم يُكبح العجز المالي، قد تواجه الولايات المتحدة أزمة مالية شاملة، ويرى بيسنت أن البلاد “مدمنة على الإنفاق”، مؤكدًا الحاجة إلى “فترة تطهير اقتصادي” مؤلمة.
تضخم الدولار
من جانبه، يشير ستيفن ميران، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين، إلى أن التدفقات الرأسمالية الكبيرة إلى الولايات المتحدة تسببت في تضخم الدولار، مما أضر بالقدرة التنافسية وأسهم في العجز التجاري، إذ تهدف الرسوم الجمركية إلى كبح هذه الآثار، رغم أنها لم تُعلن كجزء من محاولة لتفجير الفقاعة.
وأوضح جوليان جاران، من MacroStrategy Partnership، أن أي محاولة لإعادة التوازن بين رأس المال والعمل ستأتي بتكلفة، إذ يجب أن ترتفع حصة العمالة من الدخل القومي على حساب أرباح الشركات، وسيؤدي كبح العجز المالي إلى تقليص أرباح الشركات أيضًا، أما فرض التصنيع المحلي من خلال الرسوم الجمركية فسيضغط كذلك على الأرباح.
وفي حال تراجعت أرباح الشركات، فإن سوق الأسهم، المقيمة حاليًا بمستويات تاريخية مرتفعة، قد تكون عرضة لهبوط حاد. ومع انخفاض مكاسب رأس المال، سيضطر المستهلكون لزيادة الادخار، مما يقلل الطلب ويغذي دوامة انكماش اقتصادي.
أسعار الفائدة الأمريكية
يشير المحلل الاقتصادي ريتشارد دنكان من MacroWatch إلى أن أي تراجع في الطلب الأجنبي على السندات الأمريكية قد يؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار الفائدة الأمريكية، بل وربما إلى انهيار في الدولار.
ومكن الميزة الفريدة للدولار – كعملة احتياطية عالمية – الولايات المتحدة من تمويل عجزها دون فقدان ثقة الأسواق، لكن مع بداية الأسبوع، شهدت سندات الخزانة الأمريكية ارتفاعًا في العوائد، ما أعاد للأذهان سيناريو “لحظة ليز تروس” البريطانية عام 2022، عندما تسبب عجز مالي كبير متوقع في انهيار سوق الذهب البريطانية.
ويتوقع بيسنت أن يكون التحول الاقتصادي “سلسًا”، مع انتقال القوة تدريجيًا من وول ستريت إلى الشارع الأمريكي، لكن اضطرابات الأسواق الأخيرة والتجربة اليابانية تشير إلى خلاف ذلك.
وفي أواخر الثمانينات، شهدت اليابان تضخمًا كبيرًا في أسواق الأسهم والعقارات، وارتفعت الديون وتضخمت أرباح الشركات عبر الهندسة المالية، ثم قررت السلطات كبح الفقاعة عبر رفع أسعار الفائدة، معتقدة أن “الثروة الزائفة” ستزول دون الإضرار بالاقتصاد الحقيقي، لكن النتيجة كانت أزمات مصرفية متتالية و”عقدين ضائعين” من الركود.
وفي بداية هذا العام، كانت سوق الأسهم الأمريكية تشكل 64.4٪ من القيمة السوقية العالمية – النسبة نفسها تقريبًا التي بلغتْها السوق اليابانية في عام 1988، وبعد عقد من الزمن، تقلصت الحصة اليابانية بأكثر من الثلثين، وعلى المستثمرين الأمريكيين أن يأخذوا هذا الدرس على محمل الجد.
نقلا عن الجريدة العقارية