في خطوة مفاجئة تعكس تصعيدًا جديدًا في العلاقة المتوترة بين الحكومة الأردنية وجماعة الإخوان، أقدمت السلطات الأردنية على إغلاق شركة إعلامية يُعتقد أنها تابعة للجماعة، في إطار حملة رقابية متزايدة على أنشطتها السياسية والإعلامية.
وجاء قرار الإغلاق بعد "مخالفات قانونية"، بحسب ما أعلنت جهات رسمية، غير أن مراقبين يعتبرونه جزءًا من حملة أوسع تهدف إلى تقليص نفوذ الجماعة المتنامي في الساحة الإعلامية والسياسية، خصوصًا مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
مواجهة مفتوحة بصيغة جديدة
لم تُعلن الحكومة الأردنية رسميًا اسم الشركة، لكن مصادر محلية أشارت إلى أنها كانت تمارس نشاطها في مجال الإنتاج الإعلامي والرقمي، وتُستخدم كمنصة لبث محتوى يدعم خطاب الجماعة وينتقد السياسات الحكومية.
يأتي هذا التطور بعد أشهر من التضييق التدريجي على الجمعيات التابعة للإخوان وإغلاق عدد من مقراتهم، وسط اتهامات للجماعة بمخالفة القوانين واستغلال النشاط المدني لأغراض سياسية.
الجماعة ترد بصمت
لم تصدر جماعة الإخوان في الأردن بيانًا رسميًا بشأن قرار الإغلاق، إلا أنها عبرت عن استيائها مما وصفته بـ"الاستهداف السياسي المنهجي"، مشيرة إلى أن هذه الإجراءات لن توقف "مسيرتها الدعوية والإصلاحية"، حسب تعبيرها.
رسائل داخلية وخارجية
يرى محللون أن الحكومة الأردنية تسعى من خلال هذه الخطوة إلى إيصال رسائل سياسية حاسمة، مفادها أن لا تساهل مع أي كيان يستخدم العمل الإعلامي كغطاء لأجندات سياسية قد تمس الأمن الداخلي أو تؤثر على الاستقرار.
ويُنظر إلى هذه الحملة أيضًا كجزء من محاولات الدولة لإعادة ضبط المشهد العام، في وقت يشهد فيه الإقليم تغيرات عميقة في مواقف الدول تجاه جماعة الإخوان، خصوصًا بعد تراجع نفوذها في عدد من الدول المجاورة.
ممارسات تحريضية وأجندات مريبة
رغم محاولات جماعة الإخوان في الأردن الظهور كتنظيم سلمي يعمل ضمن الإطار القانوني، إلا أن السلطات الأمنية على مدار سنوات وثقت عدداً من الحالات التي أظهرت تحركات مشبوهة، وخطابات تعبوية اتخذت طابعًا تحريضيًا، خاصة في فترات الأزمات الوطنية أو الإقليمية.
- ووفق تقارير إعلامية محلية، فقد تم رصد نشاطات دعوية وتنظيمية هدفت إلى تأجيج الشارع الأردني، وخلق حالة من الاستقطاب السياسي والديني، من خلال:
- استغلال المساجد والجمعيات الخيرية لنشر خطاب سياسي موجه تحت غطاء ديني، وهو ما يُعد مخالفة صريحة للقوانين الأردنية التي تمنع توظيف دور العبادة للعمل الحزبي.
- تنظيم مظاهرات دون ترخيص، ورفع شعارات تُصنف على أنها معادية للدولة ومؤسساتها، أو تُحرض على الكراهية والعنف، خصوصًا في قضايا تتعلق بالعلاقة مع الغرب، أو التطبيع، أو ملفات الإصلاح السياسي.
- محاولات التأثير على المناهج الدراسية والأنشطة الطلابية في الجامعات والمدارس، عبر أذرعهم الطلابية، مثل "اتحاد الطلبة" التابع للجماعة، والذي اتُهم مرارًا بمحاولة فرض أيديولوجيا الجماعة داخل الحرم الجامعي.
- وجود علاقات فكرية وتنظيمية مع جماعات متطرفة خارج الحدود، وهو ما دفع الأجهزة الأمنية إلى التدقيق في طبيعة علاقاتهم الدولية.
قضايا سابقة تؤكد الشكوك
شهد الأردن في فترات سابقة قضايا أمنية خطيرة ارتبط بعضها بأفراد أو خلايا يُعتقد بانتمائهم أو تعاطفهم مع فكر الإخوان أو توجههم.
من أبرز تلك الحالات:
- تفكيك خلايا سرية تعمل تحت ستار العمل الدعوي أو الخيري، كانت تخطط، بحسب التحقيقات، لتنفيذ أعمال تزعزع الأمن الداخلي أو التحريض على العنف.
- تورط بعض خطباء الجماعة في خطب جمعة تدعو لـ"الجهاد" أو تروج لمفاهيم متطرفة، ما استدعى تدخل وزارة الأوقاف لعزل عدد منهم خلال السنوات الماضية.
- التمويل الغامض لبعض الجمعيات والمدارس الخاصة التابعة للجماعة، والذي أثار تساؤلات حول مصادره واستخداماته، وفتح الباب لتتبع شبهات غسيل أموال أو تمويل أنشطة غير قانونية.
تصاعد الرقابة لحماية السلم الداخلي
تؤكد الحكومة الأردنية مرارًا أن إجراءاتها ضد الجماعة لا تأتي في سياق استهداف سياسي، بل انطلاقًا من واجبها في حماية الاستقرار الوطني ومنع تكرار سيناريوهات شهدتها دول مجاورة، حيث تحول العمل الدعوي أو الإعلامي إلى منصة للتحريض والتخريب.
وفي هذا الإطار، شددت الدولة خلال الأعوام الأخيرة رقابتها على كل الكيانات التي لها طابع ديني–سياسي، وخصوصًا تلك التي تمارس أنشطة إعلامية أو دعوية موجهة، معتبرة أن التحريض الناعم لا يقل خطرًا عن التهديد المباشر.