هناك نجوم يرحلون بأجسادهم لكن تبقى أعمالهم حاضرة تشهد على عبقريتهم، ومصطفى متولي واحد من هؤلاء الكبار الذين تركوا بصمة لا تُمحى في ذاكرة الفن المصري. فذلك الوجه الذي أرهَب خصومه على الشاشة، كان في الحقيقة قلبًا طيبًا وموهبة نادرة، استطاعت أن تحوّل أدوار الشر إلى مدرسة خاصة تجمع بين الرهبة والإعجاب، وبين القسوة والإنسانية واليوم، تحل ذكرى رحيل هذا الفنان الكبير الذي قدّم للسينما والدراما المصرية عشرات الشخصيات التي بقيت محفورة في وجدان الجمهور، جيلًا بعد جيل.
ولد مصطفى متولي في مدينة بيلا بمحافظة كفر الشيخ عام 1949، وبدأت موهبته مبكرًا على خشبة المسرح المدرسي قبل أن يلتحق بـ معهد الفنون المسرحية في القاهرة ليضع أولى خطواته في مشوار فني استثنائي. انطلق في السبعينيات بأدوار صغيرة في أعمال مهمة مثل خلي بالك من زوزو ودائرة الانتقام وضربة شمس، لكنه كان يدرك أن موهبته الحقيقية ستجد طريقها إلى أدوار أعمق وأكثر تأثيرًا.
شريك نجاح الزعيم
لا يمكن الحديث عن مشوار مصطفى متولي دون التوقف أمام شراكته الفنية مع النجم الكبير عادل إمام، التي لم تكن مجرد مصادفة فنية، بل لقاء بين موهبتين. زواجه من شقيقة الزعيم فتح له باب العائلة، لكن موهبته هي التي فتحت له باب قلوب الجماهير.
وقد صرّح متولي في لقاء نادر أنه كان يتمنى ألا يعمل إلا مع عادل إمام، لأنه يدرك أن أي عمل يشارك فيه الزعيم سيشاهده الملايين، ما يمنحه فرصة ذهبية لإظهار موهبته. وبالفعل، شكّل الثنائي علامة بارزة في المسرح والسينما، من الواد سيد الشغال إلى سلام يا صاحبي والإرهاب والكباب وشمس الزناتي وبخيت وعديلة، حيث تحوّل متولي إلى "وجه الشر المحبوب" الذي ينتظره الجمهور بشغف.
بصمة لا تُنسى في الدراما
بعيدًا عن الزعيم، كان لمصطفى متولي حضوره القوي في الدراما المصرية، حيث قدّم شخصيات مركبة ظلت حية في ذاكرة المشاهدين. يكفي أن نذكر أدواره في لن أعيش في جلباب أبي وأوبرا عايدة وأم كلثوم وجمهورية زفتى وحلم الجنوبي، لنكتشف حجم التنوع الذي امتلكه، وقدرته على الانتقال من الشر القاسي إلى الشخصيات الاجتماعية والإنسانية بخفة وإقناع.
إرث فني خالد
رحل مصطفى متولي تاركًا إرثًا من المحبة والاحترام، وأعمالًا ستظل تتحدث عن موهبة استثنائية لم تكتفِ بتجسيد الشر، بل جعلت منه فنًا راقيًا ورسالة فنية تصل إلى القلوب قبل العقول. وبين قسوة الملامح ودفء الروح، يظل اسمه حاضرًا كلما عُرضت أعماله على الشاشة، شاهدة على جيل من النجوم لن يتكرر بسهولة.