اهتمام أمريكي بقضية الصحراء.. ترامب يؤكد على "الحل المغربي".. والجزائر تتمسك بموقفها.. خبيرة مغربية: واشنطن تمسك العصا من المنتصف.. محلل سياسي جزائري: التطبيع المغربي مع إسرائيل يعطل عودة العلاقات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

حظيت قضية الصحراء خلال الأيام القليلة الماضية باهتمام واضح من جانب الولايات المتحدة حيث أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التأكيد على مغربية الصحراء خلال خطاب إلى عاهل المغرب الملك محمد السادس، لتهنئته بعيد العرش، قبل أن يعلن الأخير عن استعداد بلاده لإجراء حوار صريح ومسؤول مع الجزائر بشأن القضايا العالقة.

ترميم السفارة الجزائرية في الرباط

وتزامنا مع هذه التطورات جرت أعمال ترميم لمقر السفارة الجزائرية في الرباط، ما يشي بأن هناك جديدا فيما يتعلق بالعلاقات المغربية الجزائرية، خاصة مع زيارة مستشار الرئيس الأمريكي للشئون الأفريقية مسعد بولس إلى الجزائر الأسبوع الماضي، وحديثه في عدد من الملفات على رأسها قضية الصحراء والطاقة وأمور أخرى. 

وجاءت زيارة بولس إلى الجزائر، في إطار جولة مغاربية استهلها بزيارة تونس وليبيا، وصولًا إلى الجزائر، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز نفوذها في هذه المنطقة عن طريق التدخل لمحاولة حل النزاعات إلى جانب إبرام صفقات اقتصادية متنوعة.

وأشاد بولس بالتعاون الثمر مع الجزائر، وأهمية العلاقات الأمريكية مع الدولة المغاربية، لافتا إلى وجود فرص كبيرة للتعاون في مجالات متعددة، مجددًا الالتزام الأمريكي بتعزيز العلاقات الثنائية في القطاعات التجارية والأمنية، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب. 

وعقد مستشار ترامب اجتماعًا مهمًا مع وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، حيث تبادل الطرفان وجهات النظر حول أبرز القضايا الراهنة في القارة الأفريقية، مع التركيز بشكل خاص على التطورات في ليبيا والصحراء ومنطقتي الساحل والبحيرات الكبرى، بالإضافة إلى الأوضاع في العمق الأفريقي عمومًا.

وكانت قضية الصحراء هي أحد أولويات زيارة بولس إلى الجزائر إلى جانب ملف الطاقة، وبعد انتهاءها أعرب العاهل المغربي الملك محمد السادس، عن استعداد بلاده لإجراء حوار صريح ومسؤول مع الجزائر بشأن القضايا العالقة، معتبرًا أن مبادرة الحكم الذاتي هي حل وحيد للنزاع حول الصحراء المغربية.

وأوضح ملك المغرب في خطاب بمناسبة عيد العرش، آواخر يوليو الماضي، أن الاتحاد المغاربي لن يكون من دون انخراط المغرب والجزائر مع باقي الدول الشقيقة، وأكد حرص بلاده على إقامة علاقات طيبة مع الشعب الجزائري، وإيجاد حل توافقي في نزاع الصحراء، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف. 

وأضاف الملك محمد الخامس "التزامنا الراسخ باليد الممدودة لأشقائنا في الجزائر نابع من إيماننا بوحدة شعوبنا، وقدرتنا معًا على تجاوز هذا الوضع المؤسف".

ترامب يؤكد على مغربية الصحراء

والسبت أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في رسالة إلى عاهل المغرب، على اعتراف واشنطن بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، ودعم واشنطن المقترح المغربي للحكم الذاتي لهذه المنطقة باعتباره الأساس الوحيد من أجل تسوية عادلة ودائمة لهذا النزاع، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تولي أهمية كبيرة للشراكة مع المغرب، والعمل على تحقيق أولوياتنا المشتركة من أجل السلام والأمن في المنطقة.

وفي هذا السياق، قالت أستاذة العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، الدكتورة سمر الخمليشي، إن زيارة مسعد بولس تعكس حرصا أمريكيًا على بلورة حل براجماتي لقضية الصحراء من داخل العقل الأمريكي نفسه، الذي يرى أن الحل يتم من خلال الاعتراف بسيادة المغرب عمليا، لا فقط تصريحات شكلية، وهذا ما دفعهم لبدء استثمارات ضخمة في المناطق الجنوبية للمغرب، تعزز وجوده وتبرمج مشهدًا ثابتا ومستداما.

وأضافت أستاذة العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، في تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز" أنه إذا توجت زيارة بولس بخطوات ملموسة (زيارة للمشاريع الإنمائية جنوب المغرب اجتماعات ثنائية مباشرة، تقديم عروض اقتصادية إلى الجزائر)، قد نكون أمام بداية فعالة لتحريك هذا الملف، أما إن بقيت مجرد زيارات بروتوكولية، فالأثر سيكون رمزيًا قصير المدى المهم أن نراقب عدد المشاريع وأساليب الضغط التي ستتبناها السفارة الأمريكية على المشهد المغاربي في الفترة القادمة.

سيادة المغرب على الصحراء

وأشارت "الخمليشي" إلى أن الرؤية الأمريكية تبدو براجماتية بالدرجة الأولى، وتعتمد على منطق "الاستقرار الإقليمي" والمصالح الاستراتيجية، فالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء من طرف إدارة ترامب لم يكن مبنيا على مسار تفاوضي أو أسمي، بل كان جزءًا من صفقة سياسية أوسع، ولا يزال هذا الموقف يلقي بظلاله على السياسة الأمريكية حتى اليوم. 

وتابعت "في المقابل، الإدارة الحالية تتبنى خطابًا أقل حدة، لكنها لم تلغ الاعتراف، مما يشير إلى رغبة أمريكية في الحفاظ على علاقة قوية مع المغرب دون خسارة الجزائر تماما وبالتالي، يمكن القول إن الرؤية الأمريكية لا تملك حلًا متكاملًا بقدر ما تحاول إدارة التوازنات".

ولفتت إلى أن الأنباء حول أعمال الترميم داخل مقر السفارة الجزائرية في الرباط قد تحمل إشارات سياسية غير مباشرة، لكنها لا تكفي وحدها للتأكيد على نية حقيقية في استئناف العلاقات. 

العلاقات المغربية الجزائرية

وأوضحت أن عودة العلاقات المغربية الجزائرية إلى طبيعتها تستلزم أولًا تهيئة مناخ سياسي جديد، يتجاوز منطق الاتهامات المتبادلة ويضع مصلحة الشعوب المغاربية في المقام الأول فالأساس الذي يمكن أن تبنى عليه هذه العودة هو الحوار المباشر، وتحييد قضية الصحراء عن مسار التصعيد. 

وأكملت "لكن في ظل التصعيد الإعلامي والمؤسساتي الحالي، فإن فرص العودة قريبة المدى تبقى ضئيلة، ما لم تحدث وساطة دولية قوية أو ضغوط إقليمية تدفع في هذا الاتجاه في اعتقادي، النظام الجزائري ليس كتلة متجانسة، مما يحد من قدرة أي وسيط على تحقيق اختراق سياسي حقيقي، فعلاقاتها مع البوليساريو، والخشية من "استسلام" سياسي داخلي تجعل مهمة أي مبعوث أمريكي صعبة جدا مهما كانت نواياه.

الطاقة أولوية للعلاقات الأمريكية الجزائرية

وفي السياق نفسه، قال المحلل السياسي الجزائري الدكتور بهلولي أبو الفضل، إن الأولوية في العلاقات الجزائرية الأمريكية، هو لملف الطاقة خاصة مع إعلان شركة سوناطراك عن اكتشافات جديدة تحتاج إلى تكنولوجيا عالية.

وأضاف المحلل السياسي الجزائري في تصريحات لـ"البوابة نيوز" أن المشروع الأفريقي الضخم لنقل الغاز بدءا من نيجيريا مرورا بعدد من دول القارة السمراء، من بينها الجزائر ووصولا إلى أوروبا.

احتكار الوساطات

وقال "بهلولي" إن الولايات المتحدة تسعى إلى "احتكار الوساطات" وأكبر مثالين على ذلك هو الجهود الأمريكية لوقف الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك التوسط لمحاولة وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وحتى داخل أفريقيا، وباتت واشنطن تعمل بمعزل عن الأمم المتحدة.

وأشار المحلل السياسي الجزائري إلى أن قضية الصحراء هي من أولويات الأمم المتحدة، ضمن برنامج تصفية الاستعمار وهناك مبعوث أممي خاص بها ولها إطارها القانوني المعتمد وبالتالي فإن التصريحات الأمريكية خارج الإطار الأممي ولن تؤثر على هذا المسار.

موقف جزائري لا يلين في قضية الصحراء

وأكد أن الجزائر متمسكة بمبادئها وألا يتم حصر الشعب الصحرواي في خيار واحد ألا وهو الحكم الذاتي، فهو يتطلع إلى "الحصول على الاستقلال" مشيرا إلى أن "جبهة البوليساريو" الممثل الشرعي للشعب الصحراوي – وفق تعبيره – تؤكد على حق الشعب في تصفية الاستعمار والابتعاد عن الهيمنة بناء عن مختلف القرارات الدولية.

وفيما يتعلق بالأنباء التي ترددت حول ترميم السفارة الجزائرية في الرباط قال إن هذا أمر طبيعي فلابد من حماية ورعاية المنشآت الدبلوماسية حتى ولو كانت خالية.

"التطبيع" يعطل عودة العلاقات الجزائرية المغربية

وعن إمكانية عودة العلاقات الطبيعية بين الجزائر والمغرب، فأوضح الدكتور أبو الفضل بهلولي، أن هذا الأمر غير مطروح، مشددا على أن تطبيع العلاقات لن يحدث إلا بعدما تعترف المغرب بارتكاب أعمال عدائية ويعتذر عنها للحكومة الجزائرية، بالإضافة إلى وقف التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي يشكل قلقا في المنطقة، لكن لا توجد أي مؤشرات رسمية حول عودة العلاقات.

وأشار إلى أن التطبيع المغربي الإسرائيلي وصل إلى مستويات غير مسبوقة أمنيا وعسكريًا واستخباراتيا بشكل يهدد استقرار المنطقة َ، ردا على أن الجزائر له علاقات مع دول أخرى تطبع مع إسرائيل.