"نفر نفرو آتون" نفرتيتي هي زوجة الملك أخناتون والحاكمة الفاعلة أثناء عهد الأسرة الثامنة عشرة حوالي 1353–1336 قبل الميلاد ظهرت كثيراً على النقوش الملكية ومثالها ظل رمزاً للسلطة والجمال.
عثر على التمثال في 6 ديسمبر 1912 في ورشة النحات تحتمس بمدينة أخيتاتون -تل العمارنة- خلال بعثة عالم المصريات لودفيغ بورشارت، وعند تقسيم القطع الأثرية، تم تخصيص التمثال للبعثة الألمانية ومنحته لمتحف برلين لاحقاً.
ارتفاع التمثال
يبلغ ارتفاع التمثال حوالي 47 سم، التمثال نُحت من حجر جيري ناعم، وهو نوع من الصخور الرسوبية المتوفرة بكثرة في مصر القديمة، ويتيح هذا النوع من الحجر تشكيل تفاصيل دقيقة مثل ملامح الوجه والعينين والأنف، كما استخدم النحات طبقة من الجص الأبيض غالباً مكون من كربونات الكالسيوم الممزوجة بالماء لتنعيم السطح فوق الحجر، والجص مكن الفنان من إضافة تفاصيل دقيقة للغاية وتوفير سطح مثالي للتلوين.
كما تم استخدام أصباغ عضوية ومعدنية على الجص، منها: الأزرق المستخرج من حجر اللازورد أو صبغة اصطناعية اسمها "الأزرق المصري"، وهي خليط من السيليكا والنحاس، واللونين الأحمر والبني من أكسيد الحديد.
وإذا نظرنا إلى العين اليمنى فنجد انها مكونة من بلورة من الكوارتز الشفاف مصقولة بدقة، وخلف العدسة وضع فنان الورشة شريحة من شمع أو مادة داكنة لتشكيل بؤبؤ العين، ما يخلق وهما بالحركة، والإطار الخارجي للعين كان من شريط رقيق من الشمع أو البرونز.
أسئلة روحية
تمثيل نفرتيتي بعين واحدة فقط يثير أسئلة روحية فبعض التفسيرات ترى أن هذا النقص يرمز إلى عدم الاكتمال، كأنها نصف الإله أو شريكة النور (آتون)، آراء أخرى ترجح أنها وسيلة تعليمية داخل الورشة لا علاقة لها بالرمز.
وذلك المزج بين الحجر والجص والألوان خلق مظهراً شديد الواقعية، جعل التمثال يبدو حيا رغم مرور 3300 سنة، وهذا الأسلوب كان شائعا في ورش العمارنة، حيث امتزجت الرمزية الدينية بالفن التجريبي.
وبالحديث عن الرموز الدينية والجمالية في تمثال نفرتيتي نجد ان التاج الأزرق تاج الحرب أو التاج المسطح له رمزية دينية حيث يشبه التاج الذي كان يلبسه إخناتون في النقوش، ما يعكس دور نفرتيتي كشريكة في الحكم وربما "ككاهنة عليا" للإله آتون، كما أن له رمزية سياسية وهي إشارة إلى أنها ليست فقط زوجة ملك، بل صاحبة سلطة قائمة بذاتها، تظهر في مشاهد وهي تؤدي طقوساً وتقدم قرابين.
وجه التمثال يتميز بتناسق يكاد يكون مثالياً مما يعكس المفهوم المصري القديم للجمال كـ"تناسق" و"انسجام"، وبعض الباحثين مثل Joyce Tyldesley يشيرون إلى أن تماثل الوجه ربما كان مقصوداً لإظهار نفرتيتي كمثال للجمال الإلهي.
الرقبة الممدودة
الرقبة الممدودة رمز أنثوي في الفن المصري، مرتبطة بالأناقة والسمو، وقد ترمز أيضاً إلى القدرة على التواصل بين العالم الأرضي والسماوي، خاصة لنفرتيتي كشخصية دينية بارزة.
إضافة إلى ابتسامة خفيفة جدًا، توحي بالقوة والسكينة والوقار شبيهة بابتسامات بعض تماثيل الإلهات مثل إيزيس أو حتحور، ما يربط بين نفرتيتي وهذه الآلهة.
يرى بورشارت – حسب كتاباته منذ 1923 – أن التمثال كان نموذجاً في ورشة تحتمس لغرض التدريس أو إنتاج نسخ فورمارية، وليس غرضه أن يكون عملاً فنياً نهائياً مستقلاً. لكن هذه الرؤية ما زالت محل نقاش حتى الآن.
دراسة في مجال الطب والجماليات الحديثة أقامت مقارنة بين نسب وجه نفرتيتي وخطوط النسبة الذهبية وشملت قياسات تناسب العينين والفم والأذنين والعنق؛ أشارت إلى أن نسب الوجه كانت قريبة جداً من هذه النسبة المثالية، مما يفسر الانطباع العالمي عن جمالها، إلى جانب ورقة أخرى بحثت في الجيومترية الهندسية للتمثال باستخدام مسح ثلاثي الأبعاد، وقعت حسابات دقيقة لأبعاد الأجزاء المختلفة من التمثال بكسر المليمتر، مما أضاف بعدا هندسيا لتحليله.




