تباينت ردود الفعل تجاه اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبى وإدارة ترامب. تزعم بروكسل أنها تجنبت كارثة اقتصادية شاملة. لكن باريس، تحديدًا، تعتقد أن الاتحاد الأوروبى قد قصر، بينما يرى الاقتصاديون أن الاتفاقية غامضة بشكل خطير. ينص الاتفاق على فرض تعريفات جمركية بنسبة ١٥٪ على معظم السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة، مع إعفاء فئات معينة من السلع من التعريفات الجمركية، ولكن لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن المعدلات للقطاعات الرئيسية مثل الأدوية والصلب.
موقف المفوضية
لو لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول الموعد النهائى فى الأول من أغسطس، لكان ترامب قد فرض رسومًا جمركية بنسبة ٣٠٪، وفقًا لما ذكره ماروش شيفتشوفيتش، كبير المفاوضين التجاريين فى الاتحاد الأوروبي. وكان الهدف الرئيسى للمسؤولين الأوروبيين هو التوصل إلى اتفاق تفاوضي، بدلًا من الانخراط فى رد انتقامى متصاعد قد يشمل فرض رسوم جمركية انتقامية من الاتحاد الأوروبى على سلع بقيمة ٩٣ مليار يورو (١٠٨ مليارات دولار)، بما فى ذلك المنتجات الزراعية الأمريكية والصلب والمواد الكيميائية.
قال شيفتشوفيتش: "قد تبدو الحرب التجارية جذابة للبعض، لكنها ستؤدى إلى عواقب وخيمة، مع فرض رسوم جمركية لا تقل عن ٣٠٪". وأضاف: "ستتعطل تجارتنا عبر الأطلسى فعليًا، مما يعرض للخطر ما يقرب من ٥ ملايين وظيفة، بما فى ذلك وظائف الشركات الصغيرة والمتوسطة فى أوروبا.. لقد أرسلت لنا شركاتنا رسالة بالإجماع: تجنب التصعيد والعمل على إيجاد حل يوفر الإغاثة الفورية."
فرنسا: يفتقر إلى التوازن
انتقد مسؤولون فرنسيون كبار الاتفاق. ودعا وزير التجارة الخارجية لوران سان مارتن إلى رد أوروبى فى قطاع الخدمات، بينما حذّر مفوض الاستراتيجية كليمان بون من أن الاتفاق يُقلل من شأن القوة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي.
قال سان مارتن لقناة فرانس إنتر: "الخبر السار هو وجود اتفاق: تستفيد شركاتنا الآن من وضوح الرؤية واستقرار العلاقات التجارية عبر الأطلسي. لكن هذا الاتفاق يفتقر إلى التوازن، وعلينا مواصلة العمل" وسلط الضوء على الخدمات الرقمية كعامل رئيسى فى اختلال التوازن التجاري. وقال: "أمضى دونالد ترامب شهورًا يُصرّح برغبته فى إعادة التوازن إلى علاقة تجارية كانت تُضرّ بالولايات المتحدة، لكنه لم يتحدث إلا عن السلع. أما بالنسبة للخدمات، فالأمر عكس ذلك تمامًا. لذا، تقع على عاتقنا الآن مسؤولية إعادة التوازن" وأضاف سان مارتن "قررت الولايات المتحدة استخدام القوة لفرض قانون الغاب الجديد الذى لم يعد يحترم قواعد التجارة الدولية التى كانت لدينا لعقود من الزمن"
صرّح بون، المفوض السامى الفرنسى للاستراتيجية والتخطيط، لفرانس إنفو: "إنه اتفاق غير متكافئ وغير متوازن". وحذّر قائلاً: "أوروبا لم تُوظّف قوتها. نحن القوة التجارية الرائدة فى العالم" وأضاف بون "عندما تنظر إلى الأمر عن كثب، تجد أن الكأس ربعها ممتلئ وثلاثة أرباعها فارغة". وكان رئيس الوزراء فرانسوا بايرو أكثر إحباطاً عندما نشر على منصة X "إنه يوم مظلم عندما يقرر تحالف من الشعوب الحرة، الذى اجتمع لتأكيد قيمه والدفاع عن مصالحه، الاستسلام"
ألمانيا: تجنب التصعيد
من جانبه، قال المستشار الألمانى فريدريش ميرز إن الاتفاق من شأنه أن يوفر للشركات بيئة أكثر قابلية للتنبؤ للتخطيط والاستثمار، وهو هدف رئيسى للاتحاد الأوروبى بعد أسابيع من التهديدات المتبادلة خلال المفاوضات المتوترة مع مسؤولى إدارة ترامب. قال: "من الإيجابى أن أوروبا والولايات المتحدة توصلتا إلى اتفاق، ما أدى إلى تجنب تصعيد غير ضرورى فى العلاقات التجارية عبر الأطلسي". وأضاف: "لقد تمكنا من الحفاظ على مصالحنا الأساسية، مع أننى كنت أتمنى أن أرى مزيدًا من التسهيلات فى التجارة عبر الأطلسي".
إيطاليا: نتيجة إيجابية
وأشادت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، التى وضعت نفسها كـ"جسر" بين إدارة ترامب وأوروبا، باتفاق التعريفات الجمركية باعتباره نتيجة "إيجابية" نجحت فى تجنب حرب تجارية "غير متوقعة ومدمرة محتملة". ولكن فى تصريحات للصحفيين على هامش مؤتمر الأمم المتحدة للأمن الغذائى فى أديس أبابا بإثيوبيا، قالت إن التفاصيل لا تزال بحاجة إلى العمل عليها، وإنها لا تزال لا تعرف ما هى الإعفاءات المخطط لها لبعض الصناعات.
وقالت "لقد اعتقدت دائمًا، وما زلت أعتقد، أن التصعيد التجارى بين أوروبا والولايات المتحدة سيكون له عواقب لا يمكن التنبؤ بها ومدمرة محتملة" وأضافت أنها بحاجة إلى فهم طبيعة الإعفاءات المحتملة، لا سيما فيما يتعلق بالمنتجات الزراعية التى تُثير قلق إيطاليا، لا سيما بالنظر إلى صادراتها من النبيذ. "لذا، هناك عدد من العناصر المفقودة، ولست متأكدة تمامًا مما نشير إليه عندما نتحدث عن الاستثمارات أو مشتريات الغاز". وأكدت أن الاتفاق فى صيغته الحالية ليس ملزما قانونا من حيث المبدأ، "لذلك لا يزال هناك مجال للمناورة".
المجر: فشل أوروبى
انتقد رئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان، حليف الرئيس دونالد ترامب الذى اكتسب شعبية داخل حركة "جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، الاتفاق ووصفه بأنه فشل من جانب الزعماء الأوروبيين.
قال أوربان فى محادثة فيديو مع المتحدث باسم حزبه: "حتى للوهلة الأولى، يبدو واضحًا لى أن هذا ليس اتفاقًا. لقد تناول دونالد ترامب وجبة الإفطار مع أورسولا فون دير لاين، وهذا ما حدث". وتوقف أوربان، الذى ينتقد الاتحاد الأوروبى بانتظام، عن انتقاد إدارة ترامب بسبب سياستها التجارية، وبدلاً من ذلك ألقى باللوم على الاتحاد الأوروبى لفشله فى التوصل إلى اتفاق شامل بشأن التعريفات الجمركية مع واشنطن. وقال أوربان إن اتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، التى فرضت تعريفة جمركية ثابتة بنسبة ١٠٪ على الصادرات البريطانية، كانت أكثر ملاءمة من الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي. وقال أوربان: "الرئيس الأمريكى مفاوضٌ ذو وزنٍ ثقيل، وفون دير لاين مفاوضةٌ خفيفة. الاتفاق الأوروبى أسوأ من الاتفاق البريطاني، لذا سيكون من الصعب تصويره على أنه ناجح"
موقف الخبراء
قال جون هاريسون من تى إس لومبارد: "ليس من المستغرب أن الصفقات التجارية التى تم التوصل إليها تحت الإكراه فى غضون أسابيع، بدلاً من سنوات من المفاوضات المضنية كما هى الحال عادةً، تترك العديد من التفاصيل مفتوحة للتفسير". وقال جاك ألين رينولدز، نائب كبير خبراء الاقتصاد فى منطقة اليورو لدى كابيتال إيكونوميكس: "نعتقد أن هذا سيؤدى إلى خفض الناتج المحلى الإجمالى للاتحاد الأوروبى بنحو ٠.٥٪، وهو أسوأ مما افترضنا فى السابق. وبينما نجح الاتفاق فى تجنب نتيجة أسوأ بكثير فى الوقت الراهن، فإنه لا يزال يتعين علينا أن نرى ما إذا كان سيكون مستداما". وقال جوليان هينز، الخبير التجارى فى معهد كيل للاقتصاد العالمي: "الاتفاق الذى تم التوصل إليه أمس ليس اتفاقا جيدا، إنه مجرد حل وسط" وأضاف "حتى لو تمكن الاتحاد الأوروبى من تجنب حرب تجارية على المدى القصير، فإنه يدفع ثمناً باهظاً على المدى الطويل بالتخلى عن مبادئ نظام التجارة العالمى المتعدد الأطراف والقائم على القواعد لمنظمة التجارة العالمية."
