تواجه إيران واحدة من أسوأ أزمات المياه فى تاريخها الحديث، وحذر خبراء ومسؤولون من أن طهران - العاصمة التى يسكنها أكثر من ١٠ ملايين نسمة - قد تنفد منها مياه الشرب فى غضون أسابيع. سنوات من الجفاف الشديد، وموجات حر قياسية، وعقود من سوء الإدارة، أدت إلى انخفاض منسوب بعض أعمق خزانات المياه فى البلاد إلى أدنى مستوياته التاريخية، مما دفع السكان إلى صراع يومى للحصول على أبسط الضروريات.
فى الأسابيع الأخيرة، شهدت إيران أعلى درجات الحرارة على وجه الأرض، حيث ارتفعت مؤشرات الحرارة إلى ١٤٩ درجة فهرنهايت. تفاقمت آثار نقص المياه بسبب أزمة طاقة استمرت لأشهر، فى ظل انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي، مما عطّل الحياة اليومية فى جميع أنحاء البلاد.
نقص متفاقم
أقرّ المسؤولون هذا الأسبوع بالوضع المزرى لاحتياطيات المياه فى إيران، وخاصةً تلك التى تُزوّد طهران، وناشدوا الجمهور ترشيد الاستهلاك. وحذر الرئيس مسعود بزشكيان، فى معرض حديثه عن الأزمة فى اجتماعٍ لمجلس الوزراء، قائلاً: "لا يُمكننا الاستمرار على هذا المنوال". وردّت الحكومة بإغلاق جميع المكاتب والخدمات فى طهران وأكثر من عشرين مدينة، مُعلنةً عطلة نهاية أسبوعٍ لمدة ثلاثة أيام فى محاولةٍ لتوفير المياه والكهرباء، وهو تكتيكٌ قد يصبح روتينيًا فى الأسابيع المقبلة.
أبلغ سكانٌ فى جميع أنحاء طهران عن انقطاعاتٍ حادة. وقد خفضت شركة المياه والصرف الصحى فى المدينة ضغط المياه بشكلٍ كبيرٍ لدرجة أن معظم المبانى السكنية لم تعد قادرةً على توفير المياه للمبانى التى تزيد عن الطابق الثاني. وانقطعت المياه الجارية عن بعض الأحياء لمدةٍ تصل إلى ٤٨ ساعة. فى حالة من اليأس، يسارع العديد من الإيرانيين إلى شراء خزانات المياه، رغم أن الإمدادات غالبًا ما تكون غير كافية، وفى بعض الحالات، تبيّن أن المياه غير صالحة للشرب.
أزمات متعددة
جاء نقص المياه فى خضم أزمات أخرى: انقطاعات مُجدولة للتيار الكهربائي، وأعمال تخريب مُشتبه بها، وارتفاع التضخم، وصدمات الحرب المُستمرة. وقد دفع هذا المزيج العديد من الإيرانيين إلى التشكيك فى قدرة الحكومة على استعادة الخدمات الأساسية أو إدارة الأزمة بفعالية. انتقد حميد رضا خدابخشي، رئيس نقابة مهندسى المياه فى خوزستان، الدعوات المتكررة للحفاظ على الموارد العامة، محذرًا من أن "معالجة جانب واحد فقط من الأزمة أمر غير مجدٍ؛ يجب إصلاح حوكمة الكهرباء والمياه".
يجادل خبراء البيئة بأن عقودًا من سوء التخطيط وسوء إدارة الموارد قد زادت من ضعف إيران. أدى بناء السدود العدواني، والإفراط فى استخراج المياه الجوفية للزراعة، وتوسع الصناعات كثيفة الاستخدام للمياه فى المناطق القاحلة، وتحويل المياه إلى المحافظات الصحراوية إلى تدمير النظم البيئية واستنزاف الإمدادات الحضرية. انخفض معدل هطول الأمطار السنوى بشكل كبير، مما جعل هذا الجفاف الذى استمر خمس سنوات هو الأسوأ منذ نصف قرن، وفقًا لوزارة الطاقة.
أفاد محمد صادق معتمديان، محافظ طهران، بأن احتياطيات المياه فى السدود الرئيسية الأربعة التى تخدم العاصمة قد انخفضت إلى ١٤٪ فقط من سعتها. أصبحت الأراضى الرطبة الخصبة فى السابق أحواضًا رملية قاحلة؛ وجفت الآبار؛ وقد وصل انخفاض منسوب المياه فى طهران إلى أكثر من قدم سنويًا فى بعض المناطق.
تزايد التفاوت
وصف كاوه مدني، مدير معهد جامعة الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة، الوضع بأنه "إفلاس" ليس فى المال، بل فى المياه. وحذّر من أن الاستجابة كانت "فوضوية، وعاجلة، ومربكة، وتفاعلية"، حيث تمكّن سكان المدن الأثرياء من شراء خزانات المياه وترتيب توصيل المياه من القطاع الخاص، بينما تُرك الفقراء ليعانوا من أسوأ آثار النقص. فى عدة محافظات، أشعل نقص المياه شرارة احتجاجات سرعان ما تحولت إلى احتجاجات سياسية. فى سبزوار، تجمع المتظاهرون أمام مكتب المحافظ مرددين هتافات: "الماء، الكهرباء، الحياة حقنا الأساسي". اندلعت اضطرابات مماثلة فى خوزستان وأصفهان وسيستان وبلوشستان، مما أدى فى كثير من الأحيان إلى اشتباكات بين المواطنين وقوات الأمن.
مع تناقص إمدادات المياه والكهرباء وعدم وجود أى حل فورى فى الأفق، يشعر الكثير من الإيرانيين بأنهم عالقون فى بلد يصفونه بأنه "فى حالة سقوط حر". وبينما تواجه الحكومة غضبًا شعبيًا متزايدًا وانتقادات من الخبراء، تقترب عاصمة البلاد أكثر فأكثر من يوم قد تنضب فيه المياه تمامًا.
