تحيي منظمة الأمم المتحدة اليوم الدولي للصداقة في مثل هذا اليوم 30 يوليو من كل عام، في زمنٍ يعلو فيه ضجيج الانقسامات وتُسعر فيه الحروب ونيران النزاعات وتتعمق فيه التفاوتات ويشتد هاجس الخوف، تغدو الصداقة في بساطتها فعلا استثنائيا أصيلا، فهي لا تنزل بيننا بقرع الطبول، ولا تأتي مصحوبة بسياسات، ولا حاجة بها إلى خطب أو توثيقات، بل هي تنشأ في هدوء: من حوارٍ صادق، أو لحظةٍ صفاء وسمو نتشاركها، أو استعدادٍ لأن ننظر إلى بعضنا بعضا، لا على أننا غرباء، بل على أننا رفقاء درب واحد في رحلة الوجود الإنساني.
اليوم العالمي للصداقة
وفي إحياء مناسبة هذا العام لليوم الدولي للصداقة، نتذكّر أن السلام الحقيقي لا يُنسَج في قاعات التفاوض فحسب، ولا يُسطَّر حصرا في المعاهدات وحدها، بل يُبنى، خيطًا خيطًا، في الثقة التي نغرسها في تعاملاتنا اليومية.
والصداقة، ولا سيّما بين الشباب، تنطوي على قوة فريدة. فهي قادرة على تجاوز الحواجز من لغةٍ ودينٍ وتاريخ، مما يوسع الشروخ والفروقات بين الناس، وهي بذلك دعوة إلى أن نصغي قبل أن نحكم، وأن نُخلص في علاقاتنا في كل الظروف والأحوال. وحين تُنمَّى الصداقة بين الثقافات والمجتمعات، فإنها تتجاوز حدود العلاقة إلى أن تغدو خارطة طريق للمصالحة، نتعلم منها أن التفاهم ليس إنجاز لحظة، بل هو عادة وممارسة ونهجٌ في معايشة مجريات هذا العالم باهتمام متبادل.
وفي هذا العام، والعالم يرزح تحت وطأة تمزقاتٍ عميقة بين الدول، وفي المجتمعات، بل وداخل الأسر فإن الدعوة إلى الصداقة لا تُعد ترفًا عاطفيًا، بل ضرورة تقتضها الظروف والمصلحة الإنسانية. فهي دعوةٌ نمدّ بها الجسور عبر الشروخ، وخطوة جريئة للإيمان بما هو أسمى، وهي بعد ذلك كله نداءٌ لتصوّر مستقبلٍ الفوارق فيه ليست سببًا للتباعد، والوئام فيه أقوى من الخوف. وبالصداقة نتجاوز مرحلة التأقلم مع العالم كما هو إلى مرحلة الشروع في بنائه كما ينبغي أن يكون.