
تشكل أزمة الإيجار في مصر، وتحديدًا في مدن مثل الغردقة، أحد أخطر الملفات التي تؤثر بشكل مباشر على حياة ومصير آلاف الأسر. فمع الارتفاعات المتتالية في أسعار الإيجارات، يجد العديد من المواطنين أنفسهم في مواجهة مستقبل مجهول، مهددين بالتشرد وفقدان الاستقرار في ظل ظروف معيشية صعبة وارتفاع غير مسبوق في تكاليف الحياة.
تفاقمت هذه الأزمة بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث استغل بعض الملاك الحاجة الماسة للسكن، ففرضوا إيجارات باهظة لا تتناسب مع دخول غالبية الأسر المصرية. هذا الاستغلال أدى إلى ضغوط هائلة على الميزانيات الأسرية، ودفع بالعديد من المستأجرين إلى حافة الهاوية، بعد أن أصبحت السكن في متناول قلة قليلة.
مناشدة عاجلة: تفعيل اللجان التقديرية لحماية المستأجرين
في ظل هذا الوضع المتأزم، يوجه المتضررون من ارتفاعات الإيجارات في الغردقة وباقي محافظات مصر، مناشدة عاجلة إلى الدولة، ممثلة في الجهات المعنية، بضرورة تفعيل وتشكيل لجان تقدير القيمة الإيجارية، وهي لجان كانت موجودة بالفعل وفقًا لقانون الإيجار القديم ولم يصدر قرار بإلغائها.
أهداف ومهام اللجنة
تهدف هذه اللجان، التي ثبتت فاعليتها سابقًا، إلى تقسيم المدن إلى ثلاث مناطق رئيسية: عشوائية، متوسطة، وراقية، حيث تقوم اللجان بتحديد قيمة إيجارية محددة لكل منطقة، بغض النظر عن مستوى تشطيب الوحدة أو تجهيزاتها. هذا يضمن عدم تجاوز أي مالك للقيمة المحددة، وبالتالي حماية المستأجرين من الاستغلال.
كما يتم فرض غرامات رادعة في حال تجاوز المالك للقيمة الإيجارية المقررة، تُحصلها الدولة. هذا الإجراء الرادع سيحد بشكل كبير من ظاهرة المغالاة في الإيجارات.
إن تفعيل هذه اللجان سيُشكل خطوة حاسمة نحو تحقيق العدالة بين الملاك والمستأجرين، وسيساهم في حماية الأسر من الضياع والتشرد، ويوفر لهم سكنًا كريمًا بأسعار معقولة تتناسب مع دخولهم.
حلول إيجابية وعادلة لتحقيق التوازن في سوق الإيجار
لضمان حل شامل ومستدام لأزمة الإيجار، يجب تبني مجموعة من الحلول الإيجابية والعادلة التي تراعي مصالح جميع الأطراف، الملاك والمستأجرين على حد سواء:
اولا، تفعيل وتطوير لجان تقدير الإيجارات:
الشفافية والوضوح، يجب أن تعمل اللجان بشفافية كاملة، وأن تكون معايير تقدير القيمة الإيجارية واضحة ومعلنة للجميع.
التحديث الدوري، يجب أن يتم تحديث قيم الإيجارات المقررة بشكل دوري لمواكبة التغيرات الاقتصادية، مع مراعاة القدرة الشرائية للمواطنين.
آلية للتظلم، إنشاء آلية واضحة للملاك والمستأجرين لتقديم التظلمات في حال عدم رضاهم عن القيمة المقررة، مع ضمان سرعة البت فيها.
ثانيا، دعم وحدات الإسكان الاجتماعي ومتوسطي الدخل، وذلك بتوسيع المشروعات، وتفعيل دور الدولة في توفير المزيد من الوحدات السكنية بأسعار ميسرة من خلال مشروعات الإسكان الاجتماعي ومتوسطي الدخل، لتلبية الطلب المتزايد على السكن.
يجب ضم شراكات مع القطاع الخاص، وذلك بهدف تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مشروعات الإسكان الميسر من خلال حوافز ضريبية وتسهيلات ائتمانية.
ثالثا، تنظيم العلاقة الإيجارية، حيث تتم ابرام عقود إيجار موحدة، وذلك من خلال إصدار نموذج موحد لعقود الإيجار يتضمن جميع البنود الأساسية، مثل مدة الإيجار، قيمة الزيادة السنوية المسموح بها، وشروط فسخ العقد، وذلك لحماية حقوق الطرفين، بينما يتم تسجيل العقود الايجار، إلزاميا، وذلك لدى جهة حكومية لضمان الشفافية وحماية الحقوق.
رابعا، التوعية القانونية، حيث يتم نشر الوعي علي الملاك والمستأجرين لمعرفة حقوقهم وواجباتهم وفقًا للقوانين المنظمة للعلاقة الإيجارية، فيما تقديم استشارات قانونية، وذلك بتوفير مراكز لتقديم الاستشارات القانونية المجانية للمواطنين لمساعدتهم في فهم قوانين الإيجار وحل النزاعات.
إن تبني هذه الحلول المتكاملة سيساهم في تحقيق سوق إيجاري عادل ومستقر، يحمي المستأجرين من الاستغلال، ويضمن للملاك عوائد مناسبة لاستثماراتهم، ويسهم في استقرار المجتمع بشكل عام.