
في مثل هذا اليوم، 26 يوليو، فقدت السينما المصرية واحدًا من أبرز أعمدتها، المخرج الكبير محمد خان، الذي شكّل برؤيته الفريدة وأعماله الجريئة علامة فارقة في تاريخ الفن السابع.

خان لم يكن مجرد مخرج، بل كان راوٍ حقيقي لقصص الشارع المصري، ومرآة للمجتمع بطبقاته وتناقضاته، من خلال لغة سينمائية صادقة وواقعية.
النشأة والتكوين
وُلد محمد خان في 26 أكتوبر عام 1942 بحي السكاكيني بالقاهرة لأب باكستاني وأم مصرية، منذ صغره، كان شغوفًا بالفن والسينما، ما دفعه للسفر إلى لندن لدراسة الهندسة، لكنه سرعان ما قرر أن يتبع شغفه، فالتحق بمدرسة السينما هناك، حيث تأثر بالتيارات الأوروبية الحديثة، خاصة الواقعية الإيطالية والموجة الفرنسية الجديدة.
خطواته الأولى في الفن من لندن إلى بيروت فالقاهرة
عاد خان إلى مصر عام 1963، وعمل تحت إدارة المخرج الكبير صلاح أبو سيف، ثم انتقل إلى بيروت للعمل كمساعد مخرج في عدة أفلام، قبل أن يعود نهائيًا إلى مصر عام 1977 ليبدأ رحلته السينمائية الحقيقية، التي ابتدأت بفيلم "ضربة شمس" عام 1978.
ضربة البداية.. حين صدّق نور الشريف على موهبته
جاءت أولى خطوات خان الإخراجية مع فيلم "ضربة شمس" الذي قام ببطولته نور الشريف، وحقق نجاحًا لافتًا، حصل من خلاله على جائزة ذهبية تقديرية في مهرجان الإسكندرية السينمائي، ما فتح له الباب ليكون واحدًا من أبرز صُنّاع الواقعية الجديدة في السينما المصرية.
أفلام صنعت تاريخه
قدّم محمد خان مجموعة من أهم الأفلام التي وثّقت الحياة الاجتماعية والسياسية في مصر، من أبرزها:
الحريف (1983): من بطولة عادل إمام، ويعد من كلاسيكيات السينما المصرية الحديثة.
زوجة رجل مهم (1988): تناول علاقة السلطة بالحياة الشخصية، وقام ببطولته أحمد زكي.
أحلام هند وكاميليا (1988): فيلم اجتماعي بامتياز، ركّز على هموم الطبقة العاملة النسائية.
أيام السادات (2001): سيرة ذاتية للرئيس الراحل أنور السادات، من بطولة أحمد زكي، وحقق نجاحًا جماهيريًا كبيرًا.
في شقة مصر الجديدة (2007): فيلم رومانسي اجتماعي يُعد من أنضج أعماله في الألفينات.
فتاة المصنع (2014): أحد أبرز أفلامه النسوية، ونال عنه جائزة دولية في مهرجان دبي.
قبل زحمة الصيف (2016): آخر أفلامه، الذي اختتم به مسيرته الفنية.
الواقعية في أفلامه
امتاز أسلوب خان بالبساطة والعمق، حيث ابتعد عن النجومية المطلقة لصالح شخصيات واقعية تنبض بالحياة، لم يكن يصنع أبطالًا خارقين، بل أشخاصًا عاديين نلتقي بهم كل يوم. لذا، شعر الجمهور دومًا أن أفلامه تُشبههم وتعكس واقعهم.
محمد خان والمرأة.. بطلات في صدارة الحكاية
المرأة في أفلام خان لم تكن مجرد مكمّل للرجل أو أداة للزينة، بل كانت بطلة أساسية لها صوتها وأزمتها وصراعاتها.
من فاطمة في "أحلام هند وكاميليا" إلى "هيام" في "فتاة المصنع"، جعل من قضايا النساء محورًا رئيسيًا يستحق الاحترام والتحليل.
جوائز وتكريمات
نال خان العديد من الجوائز محليًا وعالميًا، كما مثّلت بعض أفلامه مصر في مهرجانات دولية كالأوسكار وبرلين ودبي.
كان أيضًا عضوًا في لجان تحكيم عدة مهرجانات، وتُرجمت أفلامه إلى لغات مختلفة، ما جعله جسرًا بين السينما المصرية والعالم.
وفاته المفاجئة وانطفأ الضوء
في صباح يوم 26 يوليو 2016، رحل محمد خان عن عالمنا إثر أزمة صحية مفاجئة داخل مستشفى بالمعادي، ورغم رحيله الجسدي، فإن إرثه السينمائي ما زال نابضًا، وأفلامه تُعرض وتُدرس وتُلهم أجيالًا جديدة من المخرجين.