
في ذاكرة الفن العربي، تظل بعض الوجوه محفورة رغم مرور الزمن، ووفاء سالم واحدة من هذه الوجوه النادرة، فنانة سورية حملت ملامحها طيفًا من الهدوء والأصالة، بدأت مشوارها على استحياء، ثم لمعت بقوة في الثمانينيات حين وقفت أمام النجم الراحل أحمد زكي في فيلم "النمر الأسود"، فأسرت قلوب الجماهير بأداء فني راقٍ، وإطلالة ناعمة تركت أثرًا لا يُنسى لكن كغيرها من الفنانين، مرت رحلتها بمحطات متعددة، من النجاح الكبير إلى التراجع الطوعي، حتى أعلنت في السنوات الأخيرة اعتزالها التمثيل واختارت الانسحاب بهدوء.

في هذا التقرير، نلقي الضوء على أهم محطات حياة وفاء سالم، منذ ولادتها ونشأتها، مرورًا بأعمالها الفنية الخالدة، وصولًا إلى قرارها المفاجئ بترك الشاشة.
النشأة والبدايات
وُلدت وفاء سالم في 23 يوليو 1964 بمدينة حلب السورية، تحت اسمها الحقيقي وفاء عبد السلام رحال.
نشأت في بيئة تميل إلى الثقافة والفن، ودرست الفلسفة في جامعة حلب، قبل أن تقرر أن تلاحق شغفها بالفن وتنتقل إلى مصر للالتحاق بـ المعهد العالي للسينما في القاهرة.
عند دخولها المجال الفني، اختار لها المخرج عاطف سالم اسمها الفني "وفاء سالم"، وبه بدأت أولى خطواتها في عالم التمثيل، حيث ظهرت كوجه جديد في فيلم "درب الفنانين" عام 1980، لكنها لم تنل شهرة واسعة حينها، حتى جاء الدور الذي غيّر مسار حياتها بالكامل.
الانطلاقة الحقيقية وبداية التألق
في عام 1984، وقفت وفاء سالم أمام أحد أعمدة السينما المصرية، الفنان أحمد زكي، في فيلم "النمر الأسود"، وجسّدت شخصية "هيلجا"، الفتاة الألمانية التي تجمعها قصة حب بالبطل المصري في الغربة.
أبهرت وفاء الجمهور بتمكنها من التحدث باللغة الألمانية بطلاقة، مما جعل البعض يظن أنها أجنبية بالفعل.
والحقيقة أنها أتقنت اللغة بمساعدة شقيقها الذي ساعدها في الحفظ والنطق، وكان لهذا الإتقان دور كبير في ترسيخ صورتها الفنية في ذهن الجمهور المصري والعربي.
مسيرة فنية غنية بين السينما والتلفزيون
رغم انطلاقتها القوية في السينما، لم تقتصر مشاركة وفاء سالم على الأفلام فقط، بل كانت لها بصمات واضحة في الدراما التلفزيونية أيضًا، خاصة في العقدين الأخيرين.
أبرز أفلامها: الزواج والصيف، الكومندان، ابتسامة في عيون حزينة، باب شرق، دكتور سيلكون، الرجل الغامض بسلامته، باباراتزي.
أشهر أعمالها التلفزيونية: الدالي، ابن حلال، في غمضة عين، الأب الروحي، عوالم خفية، ونحب تاني ليه، ختم النمر، وغيرها من المسلسلات التي جسّدت فيها أدوارًا متنوعة ما بين الرومانسية، الاجتماعية، والسياسية.
الاعتزال المفاجئ
في ديسمبر 2022، أعلنت وفاء سالم بشكل صادم لمتابعيها قرارها الاعتزال نهائيًا عبر بث مباشر على قناتها في "يوتيوب".
لم تكن الأسباب واضحة تمامًا في البداية، إلا أن الفنانة أوضحت لاحقًا أن قرارها لم يكن نتيجة ظرف طارئ أو أزمة فنية، بل جاء نابعًا من قناعة شخصية برغبتها في الابتعاد عن أجواء الوسط الفني، والتركيز على طرق أخرى للتواصل مع جمهورها.
وأكدت سالم في عدة مناسبات أن الطلب على مشاركاتها الفنية قلّ كثيرًا، وأنها أصبحت أكثر انتقائية في ما يُعرض عليها، كما أنها شعرت بأن الساحة لم تعد تقدم لها ما كانت تطمح إليه من أدوار تحمل مضمونًا حقيقيًا، فاختارت الابتعاد بكرامتها وهدوئها.
تجربة قاسية مع عمليات التجميل
إلى جانب قرار الاعتزال، كشفت وفاء سالم في أحد اللقاءات أنها مرت بتجربة صعبة مع عمليات تجميل فاشلة، تسببت لها في تشوّه مؤقت في ملامح وجهها، ما أدخلها في حالة نفسية صعبة، لكنها واجهت الأمر بشجاعة، وعادت لاحقًا للظهور بعد علاج وتحسن حالتها الصحية.
ورغم تحسن حالتها الجسدية والنفسية، أكدت أن قرارها بالابتعاد عن التمثيل نهائي ولا عودة فيه، مشيرة إلى أنها وجدت في البث المباشر عبر مواقع التواصل ملاذًا للتعبير عن ذاتها بصدق، دون تزييف أو "ماكياج فني".
رحلة وفاء سالم الفنية لم تكن قصيرة، بل امتدت لعقود، أثبتت خلالها أنها ممثلة موهوبة، رزينة، وصاحبة كاريزما خاصة، قد لا تكون ظهرت في مئات الأعمال، لكنها تركت بصمتها في كل ظهور، وخاصة بأداء صادق نابع من إحساس حقيقي بالشخصيات التي قدّمتها.
اعتزالها لم يكن نتيجة فشل أو تراجع، بل خيار نابع من رغبة في الراحة والصدق مع النفس والجمهور، وهو ما يُحسب لها.
وفي زمن يعج بالضوضاء الإعلامية، فضّلت وفاء سالم الانسحاب بهدوء، لتظل واحدة من أيقونات الفن العربي، التي وإن غابت عن الشاشة، فلن تغيب عن الذاكرة.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.