اعرف نتيجتك الآن - موقع عاجل نيوز
أخبار عاجلة
بعد إعلان نتيجة الثانوية العامة.. مؤشرات تنسيق ... -
في ذكرى ال73 لثورة يوليو "مصر". -

الذكرى الـ 73 لثورة يوليو 1952

الذكرى الـ 73 لثورة يوليو 1952
الذكرى الـ 73 لثورة يوليو 1952
اعرف نتيجتك الآن - موقع عاجل نيوز

تحية إجلال وإكبار لتلك المجموعة التي غيرت مسار التاريخ على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي ليلة 23 يوليو 1952.. .في الذكرى الثالثة والسبعين لثورة يوليو 1952 نتذكر كيف كانت الأوضاع في الفترة السابقة عليها محليا وإقليميا ودوليا حيث وصل الفساد وتدهور الأحوال الى مستوى بالغ من السوء.

اعرف نتيجتك الآن - موقع عاجل نيوز

لقد كان من الممكن أن يكون ما حدث في ذلك اليوم مجرد تغيير للوزارة أو سببا في بزوغ ديكتاتورية عسكرية فاشلة، لكن الوعي الشعبي وثباته مؤيدا لما حدث وشجاعة وإقدام المجموعة التي قامت بهذا العمل واستعدادهم للتضحية كان له أثره في نجاح تلك الثورة، إن مصر كانت محظوظة بهذه المجموعة الوطنية المخلصة التي لو تآمرت على بعضها البعض لكانت سببا في تدمير الثورة نفسها وتدمير الدولة المصرية.

ما أحدثته الثورة من تغيير في الأوضاع الفعلية على الأرض كان عظيما، ففي العام السابق على ثورة يوليو 1952 لو تحدث البعض عن خروج الملك فاروق من مصر وخروج الاستعمار البريطاني وعودة قناة السويس لمصر لاتهمهم العامة بالجنون لأن تحقيق تلك الأماني كان مستحيلا، وفى السنوات الأربع السابقة على قيام ثورة يوليو كان الحديث عن فساد الحكم علنا في الشارع المصري وبلا مواربة والجميع كان في انتظار من سيأخذ بزمام المبادرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأوضاع المتردية في مصر، لقد كانت هزيمة القوى الاستعمارية والقضاء على هيمنتها إقليميا ودوليا يشبه المعجزة حيث كانت تملك مقاليد الأمور في كل دول العالم الثالث.

الوضع الداخلي في مصر

أحد عوامل نجاح الثورة خلال تلك الفترة هو أن المجموعة التي قامت بها رغم أنها كانت شبه معروفة للجميع في الأشهر الأخيرة السابقة على قيام الثورة إلا أن الجميع كانوا شبه ممتنعين عن إبلاغ الملك الذى تدهورت شعبيته بصورة درامية والتي وصلت إلى القاع عقب حادث حريق القاهرة في يناير 1952 وعدم اكتراث الملك بما يحدث حيث أقام احتفالا مهيبا في نفس يوم حريق القاهرة ابتهاجا بولي العهد دعا له جميع القيادات في الجيش والشرطة أثناء احتراق القاهرة ولا يوجد قيادات تدير الموقف أو تعطي أوامر في مشهد يندر وجوده في أي مكان في العالم، في ذلك التاريخ على وجه التحديد فقد الملك شرعية بقائه في السلطة في مصر، لم يكن لدى مصر في مرحلة ما قبل يوليو 1952 أي خطة خمسية أو مشاريع تنموية طموحة، حتى المحاولات الفردية للتنمية تم القضاء عليها في حينه، فتجربة الوطني الغيور طلعت حرب خير مثال على ذلك، فقد حاول طلعت حرب أخذ زمام المبادرة في مجال التنمية الاقتصادية بإقامة أول بنك وطني في مصر وأسس شركات ومشاريع تنموية جديرة بالدعم والمساندة (شركة مصر للغزل والنسيج - شركة مصر للبترول - شركة مصر للطيران.. .) لكن ما حدث من الدولة كان مفاجأة، فقد كان ذلك لا يرضي الانجليز ولا السلطة الحاكمة في مصر، فقد أودعت في البنك مبالغ كبيرة على فترات من الزمن ثم بإيعاز من الحكومة والمستعمر البريطاني في ذلك الوقت طالب عدد كبير من المودعين استرداد أموالهم كاملة لإسقاط البنك (وظيفة البنك الأساسية هي تشغيل الأموال وليس التحفظ عليها وأي بنك يحتفظ بسيولة تزيد على 15% من أمواله يعتبر فاشلا ) وطلب طلعت حرب من الحكومة مساعدته فاشترطت أن يترك قيادة البنك لأحد غيره فوافق طلعت حرب للحفاظ على كيان بنك مصر، وتم تعيين أحد الموالين للاستعمار في ذلك الوقت وبذلك تم القضاء على المحاولة الوحيدة خلال تلك الفترة لإحداث التنمية في مصر (بدلا من استخدام البنك ضمن خطة تنمية شاملة )، حيث كانت معدلات التنمية متدنية للغاية (تدور حول 1.5% وفقا للأرقام الرسمية في معظم سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية ) ومعدلات البطالة والفقر تزيد بشكل متسارع والأحزاب السياسية خلال تلك الفترة لم تبذل جهدا حقيقيا لاستيعاب البطالة المتزايدة بشكل مخيف، الأمر الذى اختلف تماما في مرحلة ما بعد يوليو 1952.

تمصير مصر.. أهم إنجازات ثورة يوليو 1952

تعتبر قضية تمصير مصر من أهم إنجازات ثورة يوليو 1952، لقد نشأت الأجيال الحالية وترعرعت ومصر بيد أبنائها، الأمر الذى لم يكن كذلك في المرحلة السابقة على ثورة يوليو 1952 حيث كانت مقدرات الدولة المصرية في يد الأجانب ولهم امتيازات لا يتمتع بها أبناء الوطن، فالأجانب ( أوروبيون، أتراك، شراكسة.. .) كانوا يملكون معظم ثروات مصرو بالذات الأرض الزراعية التي هي عماد الإنتاج في مصر، وكان المواطنون المصريون أشبه بالضيوف في بلدهم، كانت أخطر منشأة في يد الأجانب هي قناة السويس التي كانت دولة داخل الدولة والتي أفقدت مصر السيادة على جزء عزيز من أراضيها وثرواتها (احتاج الجيش المصري عام 1948 لتصريح من القاعدة البريطانية ليعبر إلى سيناء )، بالإضافة لدخلها الذى كان يؤول بالكامل تقريبا إلى بريطانيا وفرنسا، كان دخل قناة السويس عند التأميم 35 مليون جنيه تحصل مصر منها على مليون جنيها فقط وتذهب الأربعة والثلاثون مليون الأخرى لشركة قناة السويس.

تأميم قناة السويس

يعتقد البعض أن تأميم قناة السويس لم يكن هناك داعيا له لأن امتياز قناة السويس كان سينتهي في عام 1968 وعندها ستعود القناة لمصر بدون مشاكل لكن ذلك ليس صحيحا لأن النية لدى القوى الاستعمارية كانت تتجه لتدويل القناة إلى الأبد، فخطاب أنتوني إيدن رئيس وزراء بريطانيا الذي سمعه العالم كله خلال تلك الأزمة قال فيه (أن هذا المرفق الحيوي لاقتصاد العالم أكبر من أن يكون في يد دولة واحدة أو شخص واحد) مما يظهر النية الحقيقية لدى الدول الاستعمارية في ذلك الوقت.

يرى البعض أن إجراءات التأميم التي حدثت في بداية الستينات كان فيها قدرا من التجني على أصحاب رؤوس الأموال، بمعايير اليوم قد يكون معهم بعض الحق، لكن بمعايير تلك الفترة كان تمصير مصر من جهة وتحقيق العدالة الاجتماعية من جهة أخرى أهدافا، حيث كان إعادة مصر لأهلها أمنية عزيزة، بالإضافة إلى أن معظم الثروات خلال فترة ما قبل يوليو 1952 كانت بصفقات مشبوهة أو فساد شديد، من أبرز وقائع ما حدث خلال بداية الخمسينات وقبل قيام الثورة مباشرة موقف مطالبة حكومة نجيب الهلالي باشا رئيس الوزراء خلال تلك الفترة عبود باشا بسداد مبلغ أربعة ملايين من الجنيهات ضرائب فرفض وعرض على الملك تمويل رحلته الصيفية إلى أوروبا بمبلغ مليون جنيه فوافق الملك وأقيلت حكومة نجيب الهلالي باشا في واقعة تعد نموذجا للفساد الشديد وسوء الإدارة الغير مسبوق وتعبر عن كيفية إدارة الأمور في مصر ومن جهة أخرى تعبر عن كيفية تكوين الثروات لطبقة وجهاء ونخب المجتمع المصري في ذلك الوقت، استلزم إعادة مصر لأهلها عملا شاقا، امتلك الفلاحون الأرض بشكل حقيقي لأول مرة في التاريخ المصري الحديث وأنشأت مصر أكثر من ألف مصنع من نهاية الخمسينات حتى نهاية الستينات من القرن الماضي مع تحقيق معدلات نمو هي الأعلى بين دول العالم خلال تلك الفترة مع معدلات بطالة لا تذكر( لا تتجاوز 2.6%) سنويا طبقا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وهى من أقل المعدلات على مستوى العالم خلال تلك الفترة، كانت معدلات البطالة تتجاوز(15%) قبل عام 1952، وصلت الموازنة العامة عام 1964 إلى (1100مليون جنيه) ثم إلى( 1800 مليون جنيه ) عام 1970 بعد أن كانت لا تتجاوز (195 مليون جنيه) عام1952، انخفضت معدلات الفقر لأقل من (25%) وأصبحت الطبقة المتوسطة هي العمود الفقري للمجتمع مع غياب الثراء الفاحش ( نسب الفقر قبل يوليو 1952 تجاوزت 75%)، مقارنة الاقتصاد المصري قبل يوليو 1952 وبعده صادمة، فقد كانت مصر تصدر ب150 مليون جنيه وتستورد ب722 مليون دولار والعجز كان 77 مليون جنيه وعدد السكان خلال تلك الفترة كان 21 مليون نسمة، أما الميزان التجاري قبل وفاة جمال عبد الناصر عام 1970 وأثناء حرب الاستنزاف فكانت الصادرات8. 331 مليون جنيه والواردات2. 341 مليون جنيه والعجز كان 9.6 ملايين جنيه، أما سعر صرف الجنيه فكان عشرون قرشا في نهاية عهد الملك فؤاد ثم ارتفع إلى 32 قرشا في عام 1950 مع الانعدام التام لخطط التنمية (متوسط بقاء الوزارات قبل يوليو 1952 لم يكن يتجاوز العام الواحد الأمر الذي كان أحد أسباب عدم وجود أي خطط تنموية على الاطلاق)، لم يتحدث أحد عن تدهور سعر العملة قبل يوليو 1952 مع عدم وجود تنمية والحديث كله عن انخفاض سعرها بعد يوليو 1952 في ظل وجود تنمية حقيقية.

نكسة 67.. مصر تعيد بناء قواتها المسلحة في زمن قياسي

توجه الانتقادات لثورة يوليو بشكل مستمرفى هزيمة 1967 بل قد يختصرها البعض في ذلك الحدث، لكن لم يحدث في تاريخ أي دولة تلقت هزيمة بهذا الحجم ولملمت جراحها وأعادت بناء قواتها المسلحة في زمن قياسي، في حرب عام 1948 تلقت مصر الهزيمة ولم يكترث القادة السياسيون أو العسكريون بما حدث ولم تدرس نتائج الحرب وكأن شيئا لم يكن، أما في حرب 1967 ففي خلال عام واحد من الهزيمة كانت مصر تحارب حرب استنزاف موجعة لإسرائيل انتهت بإنشاء أكبر منظومة دفاع جوى في التاريخ غرب القناة تسببت في تحييد القوة الجوية الإسرائيلية وطلبت إسرائيل وقف إطلاق النار فيما يسمى مبادرة روجرز وزير الخارجية الأمريكي ( إسرائيل هي التي ألحت في طلب وقف اطلاق النار في ذلك الوقت وتقدم بالمبادرة وزير الخارجية الامريكي وفي الحروب دائما ما يطلب وقف اطلاق النار الطرف الخاسر، تعلن إسرائيل بعد ذلك انها انتصرت في حرب الاستنزاف) وأوقف إطلاق النارفى الثامن من أغسطس1970، ثم تلى ذلك حرب أكتوبر1973، لا توجد في العالم دولة تلقت هزيمة بهذا الحجم وعادت بهذه السرعة بالإضافة إلى أن الفترة ما بين حرب 1967 وحتى وفاة الرئيس جمال عبد الناصر كان الأداء العسكري والسياسي والاقتصادي في القمة على المستوى الدولي لو كان هناك تقييما علميا سليما، فالقوات المسلحة أعيد بناؤها بشكل سريع وغير مسبوق على أسس علمية سليمة، الاقتصاد المصري الذى انخفض معدل نموه إلى (3.5%) عام 1967-1968 ارتفع إلى ما يقرب من (6%) قبل وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، الأداء السياسي وصل لذروة الاحترافية مع التمسك بالثوابت خلال تلك الفترة، فبتقييم فترة حكم الرئيس عبد الناصر نجد أن أعظم سنوات أدائه لم تكن سنوات تأميم قناة السويس وبناء السد العالي، بل كانت الفترة التالية لحرب 1967 وحتى وفاته عام 1970 حيث وصل الأداء لقمته في كل المجالات واجتمع بداخله الثائر المناضل و رجل الدولة المجرب مع القدرة على إصلاح النظام من الداخل وهو الأمر الذى كان صعبا في فترات تالية من تاريخ مصر، فقد جرى دراسة كافة أوضاع الدولة في ذلك الوقت والوقوف على نقاط الضعف ولأول مرة تجرى عملية الإصلاح من الداخل وهى من الموضوعات التي تحتاج إلى دراسة منفصلة، أما عن الصدام مع جماعة الإخوان المسلمين فقد أعطاهم عبد الناصر أكثر من فرصة لكى يدمجوا في المجتمع ويصبحوا مواطنين مصريين طبيعيين بدءا من عدم حل الجماعة عند حل الأحزاب السياسية عقب نجاح ثورة يوليو ثم محاولات التفاهم مع مرشدها في بداية الخمسينات ثم العفو عن المتورطين في محاولة اغتيال الرئيس في المنشية عام 1954 بالإفراج عن الجميع وفتح صفحة جديدة عام 1964 ( تم الإفراج عنهم وإعادتهم إلى وظائفهم وحصولهم على رواتبهم بأثر رجعى وصل إلى عشرة سنوات وترقياتهم بأثر رجعى وصل إلى عشرة سنوات) لكنه فوجئ بالتنظيم المسلح عام 1965 والتخطيط لقتله وجميع أعضاء الحكومة وتدمير القناطر الخيرية لإغراق الدلتا وتدمير محطات الكهرباء وخطوط السكك الحديدية والجسور، لقد كانت الدولة في مواجهة مع الاستعمار الخارجي وكانت تأمل في اللحمة الوطنية في الداخل وتسعى بشكل حثيث لتوحيد الصف لكن سلوك الجماعة كان مناهضا للدولة باستمرار، أصدرت الجماعة ثلاث فتاوى بتكفير جمال عبد الناصر رغم أن عبد الناصر هو الذى أنشأ إذاعة القران الكريم التي حفظت القران خلال فترة ظهرت فيها نسخ عديدة محرفة للمصحف الشريف ( التقى الشيخ الحصري بالرئيس جمال عبد الناصر وعرض عليه نسخا محرفة من القرآن الكريم تباع في الأسواق فأمر عبد الناصر بإنشاء إذاعة القرآن الكريم وأن يسجل القرآن كاملا بها بصوت الشيخ الحصري حفظا له)، وهو الذى طور الأزهر وأنشأ مدينة البعوث الإسلامية التي خرجت عشرات الألاف من رجال الدين في كل دول العالم الإسلامي وأبرزت القوة الناعمة لمصر، كما أنه ألغى البغاء في مصر حيث كانت مناطق كاملة في القاهرة تعيش على الدعارة المقننة بتصاريح من الدولة، وكذلك نوادي القمار حيث كانت أيضا مقننة وبتصاريح رسمية ( لم تكفر الجماعة الملك فاروق).

الديمقراطية والترشح للبرلمان

يتحدث البعض عن قضية الديمقراطية ويعتبرون أن مرحلة ما قبل يوليو 1952 تمتعت مصر فيها بالديمقراطية الكاملة وأن قيام الثورة قضى على الديمقراطية في مصر، نود الإشارة في هذا المقام لعدة أشياء أهمها أن شروط الترشح للبرلمان كانت قاسية ولا تسمح لعامة الشعب بالترشح، فقد كان يجب على من يرغب في الترشح أن يكون مسددا للدولة ضرائب لا تقل عن (150ج) في العام، بما أن ضريبة الفدان كانت خمسين قرشا فكان لا بد للمرشح أن يمتلك ثلاثمائة فدان كحد أدنى في حرمان واضح لكل فئات الشعب الدنيا من الترشح، فهل هذه ديمقراطية حقيقية؟، كما أن الديمقراطية السياسية لابد أن تسبقها الديمقراطية الاجتماعية التي لا يتناولها أحد بالذكر، لقد كانت نسبة الأمية تتجاوز ال(75%) ومعدلات الفقر الشديد تضرب كل الريف المصري تقريبا والثروة مركزة في يد عدد لا يتجاوز سبعة ألاف شخص، أما باقي ملايين الشعب فلا يملكوا سوى الكفاف، القرى كانت تساق في الانتخابات إلى أماكن التصويت عنوة للتصويت لعلاة القوم أو للوجهاء وعمليات التزوير كانت روتينية في مرحلة ما قبل يوليو 1952، كانت الأحزاب تتصارع على المصالح والسمسرة والعمولات وإرضاء الاحتلال البريطاني، فهل يمكن أن يسمى ذلك بالديمقراطية أو العملية السياسية السليمة، حتى حزب الأغلبية في مرحلة ما قبل يوليو 1952 (الوفد) لم يحكم خلال ثلاثين سنة قبل ثورة يوليو أكثر من سبع سنوات متفرقة في زمن يدعى البعض أنه زمن الديمقراطية، الخطوة الأولى في الديمقراطية هي تحقيق الديمقراطية الاجتماعية، الديمقراطية الاجتماعية تسبق الديمقراطية السياسية، ركزت ثورة يوليو على العدالة الاجتماعية وتوفير حياة كريمة لعموم الشعب بالإضافة إلى التعليم الحكومي الجيد الذى استوعب الجميع خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي وهو الذى أخرج الدكتور أحمد زويل وفاروق الباز ومصطفى السيد ومجدى يعقوب وغيرهم حيث أقروا جميعا بجودة التعليم المجاني الذى تلقوه خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي ( كانت مصر تبنى مدرسة كل يوم من منتصف الخمسينات حيث انخفض معدل الأمية من حوالى 75% عام 1952 وكان تعداد سكان مصر 21 مليون إلى أقل من 35% عام 1970 (رغم ارتفاع عدد السكان بمقدار 50%، حيث كان تعداد السكان 32 مليون نسمة )، وطبقا للأرقام الرسمية، زاد عدد طلاب المدارس والجامعات من عام 1952 الى عام 1970 بنسبة 300% وزادت الأرض الزراعية بنسبة 15% علاوة على أراضي الصعيد التي أصبحت تزرع طوال العام بدلا من مرة واحدة في السنة ( زيادة أفقية ورأسية)، في عام 1952 كان هناك طبيب واحد لكل 5000 مواطن ولا مراكز صحية في الريف، أصبح طبيب لكل 2000 مواطن عام 1970 رغم زيادة عدد السكان من 21 مليون الى 32 مليون نسمة، زاد متوسط الأعمار من 43 سنة عام 1952 الى 52 سنة عام 1970، لقد حققت مصر طفرات اقتصادية خلال عقد الستينات من القرن الماضي في ظل نظام اشتراكي وهو من الأمور الصعبة في ظل النظم الاشتراكية حيث احتاجت معظم النظم الاشتراكية لانتهاج خطا وسطيا كما فعلت الصين وفيتنام فيما بعد بين النظام الاشتراكي والرأسمالي لكن لم يحدث ذلك في مصرفي مرحلة تطبيق النظام الاشتراكي وهى ظاهرة تستحق الدراسة، (من محاضر اجتماعات مجلس الوزراء عام 1965، 1966 أنه كان مطلوبا من الحكومة إبطاء معدلات النمو المرتفعة نظرا للأثار الجانبية للنمو المتسارع من تأثيرات سلبية على التضخم ومعدلات الاستهلاك)، لقد ذكر تقرير البنك الدولي الصادر في 5 يناير1980 من مؤسسة راعية للرأسمالية العالمية أن التجربة التنموية في مصر تجربة رائدة، فقد حققت مصر في الفترة من عام 1957 حتى عام 1967 معدل نمو بلغ 7.6% وهو الأعلى عالميا خلال تلك الفترة.

الديون المصرية

أما عن الديون المصرية عند وفاة الرئيس جمال عبد الناصر التي يتخذها البعض مادة للهجوم على ثورة يوليو فقد كانت كلها ديون إنتاج سددت من عائد الإنتاج نفسه (الاتحاد السوفيتي 385 مليون دولار- السد العالي، التصنيع، الزراعة)، (الولايات المتحدة الأمريكية 205 مليون دولار - مستلزمات إنتاج، دخان، شحومات)، إيطاليا 122 مليون دولار (مستلزمات إنتاج، صناعات دوائية وكيميائية)، بالإضافة إلى 120 مليون دولار للكويت، أما الديون العسكرية والتي بلغت حوالي مليار دولار فلم تسدد حتى اليوم (أعلن الرئيس السادات بعد حرب 1973 أن الديون العسكرية عموما ليست ديونا حقيقية وأن الاتحاد السوفيتي نفسه لم يسدد ديونه العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لذا فلن تسدد مصر ديونها العسكرية للاتحاد السوفيتي).

الديون السابقة ديون إنتاج كان لابد منها للتنمية، جرى سدادها من عوائد الإنتاج، ففي مرحلة ما قبل يوليو 1952 كانت الدولة تستدين من الداخل ولم يكن هناك تسجيل أو توثيق للديون ولم توجه في أي وقت من الأوقات للإنتاج.

العلاقات العربية

كان لوقوع الثورة ليلة 23 يوليو آثارا مباشرة على المنطقة العربية، ففي لبنان استقال رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري الذي كان يحاول بقوة أن يمد فترة رئاسته وسلم السلطة للواء فؤاد شهاب حتى يتمكن مجلس النواب من انتخاب رئيس جديد، في الأردن عزلت الاسرة الهاشمية الملك طلال وعينت الملك حسين وعمره 16 عاما والاهم أن مجلس الأعيان أصدر قرارا بإلغاء الألقاب!، في سوريا كان الشعور العام جياشا ومؤيدا لما جرى في مصر وأصدر الرئيس السوري أديب الشيشيكلي بيانا قويا مؤيدا للحكم الجديد، في العراق حدثت مظاهرات عارمة وقدمت الأحزاب السياسية الرئيسية مذكرة للأمير عبد الاله الوصي على العرش تطالبه بإصدار قانون للإصلاح الزراعي وتحديد الملكية الزراعية وتطورت الأمور ووصلت لحد اعلان الأحكام العرفية، في السعودية حيث كان رأي الملك عبد العزيز آل سعود أن السعودية لا يجب أن تبتعد عن مصر أبدا، فقام بإرسال ابنه ووزير خارجيته الامير فيصل الى مصر للتفاهم مع القيادة الجديدة ووضع أسس لاستمرار العلاقات الوطيدة بين البلدين متخليا عن صديقه الملك فاروق، كان رد الفعل الأغرب في اليمن من الامام أحمد امام اليمن الذي قرر سحب رخص الراديو من جميع الناس حتى لا يستمعوا لأخبار ما يصدر من مصر!، ذلك عدد قليل من ردود الأفعال التي رصدت في الأسابيع التالية لقيام ثورة يوليو.

كان الزعيم الوطني سعد زغلول له وجهة نظر وهى عدم جدوى التضامن العربي، نظرا لان الشعوب العربية غارقة في الفقر والجهل والمرض، ورغم وطينته إلا أن الرؤية الإستراتيجية وبعد النظر كان قد غاب عنه قليلا، فشهدت السنوات التالية لثورة يوليو تفعيل دور الجامعة العربية للنهوض بواجباتها بشكل واضح للعيان، وكانت الرؤية الإستراتيجية للتضامن العربي واضحة منذ البداية، لقد كان من الممكن أن تضيع الجزائر بنفس الطريقة التي ضاعت بها الأراضي الفلسطينية حيث كانت المستعمرات الفرنسية تملأ أراضيها وفرضت الثقافة الفرنسية فرضا وابتلعت الأراضي الجزائرية تدريجيا وأقيمت المستوطنات للفرنسيين بكثافة حتى كاد أن يتحول أهل البلاد إلى لاجئين، أيدت مصر ثورة الجزائر ورفضت المقايضة وعوقبت من فرنسا في ذلك الوقت باشتراكها في تحالف للهجوم على مصر عام 1956وكان من الممكن تفادى ذلك بالوصول إلى تفاهمات مع فرنسا بخصوص الجزائر لكن مصر رفضت المساومة ونجح العرب في النهاية في استعادة الجزائر، وصل التضامن العربي خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 إلى القمة، قامت سوريا بقطع خط أنابيب البترول الذى يمر عبر أراضيها ويزود بريطانيا وفرنسا بالبترول (التابلين) حيث كانت إمدادات البترول في ذلك الوقت من اليد إلى الفم ولم تكن هناك احتياطيات بترولية يمكن الاستعانة بها عند الأزمات، وأعلنت السعودية أنها ستمنح مصر مبلغا يعادل قرض البنك الدولي للسد العالي الذى ألغى وزادت حدة العمليات العسكرية لثوار الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي وزاد تمرد الشعب العراقي على نورى السعيد والأسرة الحاكمة في العراق الأمر الذى انتهى بالإطاحة بهم بعد العدوان الثلاثي على مصر بأقل من عامين مع توجه سوري شعبي ورسمي باتجاه مصر حيث حدثت أول وحدة عربية في التاريخ بين بلدين عربيين بإرادة شعبيهما و اندفاع عريي شبه تام في اتجاه مصر التي أصبحت مفتاح الدخول للعالم العربي من جهة مع زيادة قوتها في حسابات القوى الشاملة بتضامن العرب معها بما يظهر بعد النظر السياسي خلال تلك الفترة، تكرر الأمر نفسه عقب عدوان 1967 على مصر حيث اجتمع العرب في مؤتمر القمة العربي في الخرطوم وأعلنوا رفضهم للهزيمة واللاءات الثلاث في مشهد متميز من مشاهد التضامن العربي.

من وجهة نظر التاريخ والجغرافيا لا يمكن الدفاع عن مصر من حدود مصر، يبدأ الدفاع عن مصر تاريخيا خارج حدود مصر بمسافات كبيرة شرقا وغربا كما حدث في عهد الفراعنة والدول الطولونية والأيوبية والمملوكية ومحمد على، يعتبر البعض حتى الأن أن دخول الجيش المصري حرب فلسطين عام 1948 كان دفاعا عن فلسطين وهى رؤية قاصرة، ففي حرب فلسطين كان الجيش المصري يحارب في فلسطين دفاعا عن الأمن القومي المصري، لكن للأسف لا يملك البعض القدرة على الرؤية الإستراتيجية واستشراف المستقبل ورأينا فيما بعد عواقب فشلنا في حرب 1948 على الأمن القومي المصري.

الساحة الإقليمية والدولية:

حولت ثورة يوليو مصر من دولة محتلة لا وزن لها على الساحة الإقليمية والدولية إلى دولة فاعلة إقليميا ودوليا بشكل يفوق بكثير القدرات الفعلية لها، فقبل يوليو 1952 لم يكن هناك دوليا من يتأمر على مصر خصوصا من القوى الغربية لأن مصر لم يكن لها تأثير أو نفوذ على الإطلاق، بدأت المؤامرات على مصر عقب ثورة يوليو بشكل مكثف سواء محاولات الاغتيال لعبد الناصر أو منع توريد السلاح أو التدخل بشتى الطرق لمنع بناء السد العالي وتدمير الاقتصاد أو فك التحالفات والوحدة المصرية السورية أو إتهام مصر بالشيوعية مع بذل أقصى جهد ممكن لمنع أي تجارب وحدة جديدة ومع ذلك وصل التضامن العربي بزعامة مصر قمته بعد هزيمة 1967 وحتى حرب 1973.

تحولت مصر بعد يوليو 1952 إلى لاعب دولي وإقليمي رئيسي لا يمكن تجاوزه رغم أن إمكانيات مصر الحقيقية كانت أقل من أن تؤهلها لذلك وهنا تبرز مهارات القيادة التي تستطيع في بعض الدول أن ترفع من شأنها أو بعض الدول الكبرى التي تظهر على الساحة الدولية بأقل من قدرتها نتيجة الافتقار إلى مهارات القيادة الأساسية الأمر الذى نراه في عالم اليوم في بعض الدول، حيث نرى على الساحة الدولية دولا تتمتع بقدرات كبيرة لكن تأثيرها في الأوضاع الدولية محدود مما يبرز أهمية دراسة مسألة مهارات القيادة عند دراسة قوى الدولة الشاملة ( أصبحت القرارات في الجمعية العامة للأمم المتحدة تصدر طبقا للرؤية المصرية حيث كانت أكثر من مائة دولة تنتظر لتصوت مع مصر في القضايا الدولية ) الأمر الذي أظهر مصر على الساحة الدولية بصورة تتجاوز بكثير قدراتها الفعلية.

حولت ثورة يوليو1952 مصر إلى دولة فاعلة على الساحة الدولية، فقد كانت اتفاقية الجلاء التي وقعتها مصر مع المستعمر البريطاني عام 1954 نقطة تحول في استقلال القرار الوطني المصري حيث امتلكت مصر الشجاعة على العمل لإنهاء الوجود البريطاني بكافة الوسائل خصوصا القاعدة البريطانية في قناة السويس حيث جرى دعم العمليات الفدائية ضدها مع تجريم أي مواطن يتعامل معها أو يعمل بها حتى موردي المواد الغذائية امتنعوا عن التعامل معها ليصبح تواجدها صعبا، وقع البريطانيون اتفاقية الجلاء مكرهين وكان الانسحاب البريطاني على مراحل وكان عدد أفراد القاعدة يتجاوز خمسة وثمانين ألف فرد مزودين بأحدث المعدات والدبابات والطائرات في حين لم يكن الجيش المصري يتجاوز عدده ثمانية عشر ألفا مع ضعف التسليح والتجهيز، في إبريل عام 1955 ووفقا لمراحل الانسحاب البريطاني طبقا لاتفاقية الجلاء انخفض عدد أفراد القاعدة إلى أقل من خمسة عشر ألفا من الأفراد مع انسحاب معظم المعدات الثقيلة

( الهاجس الرئيسي عند جمال عبد الناصر هو أن القوات البريطانية في تلك القاعدة تستطيع أن تتحرك وتطيح بأي نظام حكم في مصر في أي وقت وانخفاض عددها بشكل كبير كان هدفا في تلك المرحلة ) فتحرر القرار المصري وبدءا من ذلك التاريخ بدأت مصر تتخذ سياسات تعبر عن استقلال القرار المصري حيث حضرت قمة باندونج وأسست حركة عدم الانحياز مع يوغسلافيا والهند وعقدت صفقة أسلحة ضخمة مع الاتحاد السوفيتي عن طريق تشيكوسلوفاكيا في ذلك الوقت، بتأسيس حركة عدم الانحياز بالتنسيق مع يوغسلافيا والهند، أصبحت دول عدم الانحياز التي تجاوز عددها مائة دولة عمقا إستراتيجيا لمصر وداعما قويا لمصر في المحافل الدولية خصوصا في قضايا الصراع العربي الإسرائيلي وقضايا التحرر الوطني والاستقلال، ببروز كتلة عدم الانحياز أصبحت الأوضاع الدولية أكثر عدالة لأن صوت دول العالم الثالث لم يكن مسموعا فأصبح لها صوتا مؤثرا على الساحة الدولية وبالطبع كانت مصر هى القلب منها الامر الذى أعطى مصر زخما دوليا يتجاوز بكثير قدرتها الفعلية، كذلك تفعيل دور جامعة الدول العربية لتنهض بواجباتها، كانت مصر صاحبة الدعوة لتأسيس منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي حاليا)، وتولى الرئيس جمال عبد الناصر رئاسة المنظمة لثلاث مرات وكان أول رئيس يتولى منصب الرئاسة للمنظمة خلال تلك الفترة، دعمت مصر حركات التحرر فى أفريقيا وكانت أهم أسباب خروج الاستعمار من القارة الأفريقية واستقلال الدول الأفريقية الأمر الذى جعل مصر زعيمة للقارة الأفريقية بالإضافة إلى دور الزعامة على مستوى حركة عدم الانحياز والقيادة على مستوى العالم العربي مما عزز الدور القيادي لمصر على الساحة الدولية وأظهرها بشكل يتجاوز قدراتها الفعلية.

لم تر الأجيال الحالية ما أحدثته ثورة 23 يوليو 1952 من تغييرات جذرية على كافة المستويات الداخلية والخارجية في فترة صعبة كانت فيها التهديدات والعدائيات والمؤامرات التي كانت تحاك لمصر من قوى كبرى هائلة، ولم يشاهدوا المصري غريبا في وطنه، تستحق أجيالنا الجديدة وشبابنا أن يعلموا ولو بشكل عام حجم ما أحدثته هذه الثورة من تغيير والدور المجيد لها في إعادة الوطن إلى أهله والمساهمة في إعادة الدور الريادي لمصر وتعظيم القوة المصرية في حسابات القوى الشاملة.

إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق الداخلية: ضبط قائد سيارة "فان" سار عكس الاتجاه بالقاهرة
التالى أبو الغيط يثمن المواقف المصرية الحكيمة في دعم حل عادل ونهائي للقضية الفلسطينية