تواصلت الاشتباكات العنيفة عند مداخل مدينة السويداء جنوب سوريا، بين مسلحين من العشائر السنية ومقاتلين دروز، رغم إعلان الولايات المتحدة مساء الجمعة التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وسوريا.
وتسبب نزاع مسلح منذ قرابة أسبوع في مقتل المئات ونزوح عشرات الآلاف، وسط تحذيرات من كارثة إنسانية واتهامات للقوات الحكومية بالتحيز.
وبينما تسعى الحكومة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع إلى بسط سلطتها على كامل التراب السوري بعد سبعة أشهر على الإطاحة بالنظام السابق، جاء هذا التصعيد ليقوض جهودها، خاصة مع دخول إسرائيل على خط المواجهة بقصف استهدف مقرات رسمية ومواقع حكومية في دمشق قبل يومين.
وأكد المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم باراك، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو والرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع توصلا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، لكن على الأرض، بقيت أصوات الرصاص والقذائف تسمع بوضوح مساء الجمعة عند المدخل الغربي لمدينة السويداء، حيث خاض قرابة 200 مسلح من العشائر معارك مباشرة مع المقاتلين الدروز داخل المدينة، بحسب مشاهدات ميدانية وتقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان.
في المقابل، أعلنت الرئاسة السورية إرسال "قوة متخصصة" لفض الاشتباكات، داعية إلى "ضبط النفس"، لكن مع سحب القوات الحكومية من السويداء الخميس، أكدت مصادر محلية أن العشائر دخلت بدعم وتسهيل من القوات النظامية التي انسحبت خوفًا من تهديدات إسرائيلية بمزيد من التصعيد إذا أعيد نشر القوات النظامية جنوب البلاد.
تحوّل مستشفى إلى مقبرة جماعية
داخل المستشفى الرئيسي في السويداء، كانت رائحة الجثث المنتفخة والمكدسة في الأروقة تنذر بحجم المأساة.
أفاد الأطباء أن المستشفى استقبل أكثر من 400 جثة منذ الإثنين، بينهم نساء وأطفال ومقاتلون، وسط نقص حاد في الطواقم الطبية، حيث لا يتجاوز عدد الأطباء والممرضين العاملين أصابع اليدين.
كارثة إنسانية تتكشف
من جهته، وصف رئيس تحرير موقع "السويداء 24"، ريان معروف، الوضع في المدينة بأنه "كارثي"، مشيرًا إلى انقطاع الكهرباء والماء، وتعطل الاتصالات، وعدم توفر حتى حليب الأطفال.
وأعلنت إسرائيل نيتها إرسال مساعدات إنسانية بقيمة 600 ألف دولار، تشمل مواد غذائية وأدوية، فيما أكد مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك ضرورة وقف العنف فورًا، وإجراء تحقيقات مستقلة وشفافة لمحاسبة المسؤولين.
80 ألف نازح ومخاوف من تفكك داخلي
أعمال العنف التي اندلعت نتيجة حادثة خطف بين بدو ودروز سرعان ما تحولت إلى نزاع طائفي شامل، أجبر نحو 80 ألف شخص على النزوح، بحسب المنظمة الدولية للهجرة.
في حين لا تزال إسرائيل تنفي شن أي غارات جديدة قرب السويداء ليل الخميس، بعد أن قصفت الأربعاء عدة مواقع في دمشق بينها مقر هيئة الأركان ومحيط القصر الرئاسي، مهددة بمزيد من التصعيد.
في هذا السياق، قال أحد شيوخ العشائر من محيط السويداء: "أبناء البدو استنجدوا بنا وجئنا لدعمهم"، بينما أفادت تقارير أن قرى درزية بأكملها باتت تحت سيطرة العشائر، مع حرائق في المنازل والمتاجر والسيارات.
قدرة الحكومة الانتقالية على المحك
في ظل هذا المشهد الدموي، تواجه السلطات الانتقالية في دمشق اختبارًا حاسمًا. فبعد تعهدها ببناء دولة جامعة تضمن حقوق جميع المكونات، تبدو عاجزة عن احتواء العنف الطائفي الذي يهدد بنسف مشروعها من أساسه.
ويطرح المراقبون أسئلة جدية حول مدى قدرتها على فرض الاستقرار في الجنوب السوري، لا سيما في ظل التدخلات الخارجية والانقسامات الداخلية.
وقال المرصد السوري إن الاشتباكات أوقعت منذ الأحد 638 قتيلًا، وهو رقم مرشح للارتفاع في ظل استمرار المعارك.
في المقابل، أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال اتصال مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، عن "قلقه الشديد" ودعا إلى "إرساء الاستقرار" في سوريا.
مستقبل غامض
وبينما يدعو المبعوث الأمريكي الأطراف السورية إلى "بناء هوية سورية جديدة" تجمع البدو والدروز والسنة وباقي الأقليات، فإن الوقائع الميدانية تشير إلى تعمّق الانقسامات، وسط هشاشة السلطة المركزية، وفشل واضح في حماية المدنيين، مما يجعل أي حديث عن السلام والاستقرار سابقًا لأوانه.