أثار تحذير مثير للجدل أطلقه المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توم باراك، حالة من القلق العميق في لبنان، بعد أن رجح أن البلاد قد تعود لتكون جزءًا من "بلاد الشام" التاريخية إذا فشلت في نزع سلاح حزب الله والتكيف مع التحولات الإقليمية.
وجاءت تصريحات باراك خلال جولة إقليمية، وفُسرت على نطاق واسع كإشارة إلى أن صبر واشنطن ينفد تجاه القادة اللبنانيين، الذين تراهم الإدارة الأمريكية غير راغبين أو غير قادرين على كبح القدرات العسكرية لحزب الله.
استخدام باراك لمصطلح "بلاد الشام"، الذي يستحضر فترة الهيمنة السورية على لبنان، أثار حساسيات بالغة في بيروت، مما أدى إلى تكهنات حول استراتيجية أمريكية أوسع لإعادة تشكيل النظام السياسي في المنطقة (وفقًا لـصحيفة أراب ويكلي اللندنية.
وحاول باراك لاحقًا توضيح تصريحاته، مؤكدًا أنها لم تُقصد كتهديد للبنان، بل كإشادة بالتعافي السريع لسوريا بعد رفع العقوبات الأمريكية في مايو 2025.
ومع ذلك، لم يُخفَ تأثير كلماته على المراقبين اللبنانيين، حيث قال: "إذا لم يتحرك لبنان، سيعود ليكون جزءًا من بلاد الشام مرة أخرى"، في إشارة ضمنية إلى فقدان السيادة اللبنانية وخضوعها مجددًا لنفوذ إقليمي.
ويرى المحللون أن هذا التحذير كان محاولة مدروسة للضغط على السلطات اللبنانية لاتخاذ إجراءات بشأن ترسانة حزب الله العسكرية. ويعتقد الكثيرون في واشنطن أن المسؤولين اللبنانيين يماطلون، على أمل أن يخف الضغط الأمريكي كما حدث في أزمات سابقة.
لكن هذه المرة، يبدو أن إدارة ترامب تُشير إلى وجود بدائل، بما في ذلك السماح لسوريا باستعادة درجة من النفوذ على لبنان، خاصة في ظل قيادة جديدة في دمشق تُبدي عداءً واضحًا لحزب الله.
وتُثير فكرة إعادة النفوذ السوري قلقًا كبيرًا في لبنان، حيث يُنظر إليها كتهديد مبطن بفقدان السيادة الوطنية. يشير المحلل السياسي طوني بولس إلى أن "فشل الدولة اللبنانية في اتخاذ إجراءات قد يدفع سوريا إلى تمديد منطقة أمنية تمتد عدة كيلومترات داخل لبنان، بحجة مخاوف أمنية تتعلق بوجود حزب الله على حدودها".
وأضاف أن منطقًا مشابهًا قد ينطبق على إسرائيل، التي طالما اعتبرت أسلحة حزب الله تهديدًا لأمنها.
هذه التصريحات تأتي بعد أيام من زيارة باراك إلى بيروت، حيث قدم اقتراحًا لتفكيك الجناح العسكري لحزب الله، لكن لبنان لم يوافق بعد على الخطة، مقدمًا بدلًا من ذلك "أفكارًا للحل" لم تتلق ردًا من واشنطن حتى الآن.
في المقابل، رفضت قيادة حزب الله أي نقاش حول نزع السلاح، مؤكدة أنه لا يمكن إجراء محادثات قبل أن تمتثل إسرائيل بشكل كامل لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم في نوفمبر الماضي بعد نزاع استمر 66 يومًا.
وقال القيادي في الحزب، محمود قماطي، إن أسلحة الحزب تُشكل جزءًا من استراتيجية الدفاع اللبنانية ولا تخضع لقيود أمنية داخلية.
تُبرز هذه المواقف التحديات الكبيرة التي تواجهها الجهود الدبلوماسية لتخفيف التوترات في المنطقة، حيث يواجه لبنان ضغوطًا متزايدة من الولايات المتحدة وسط مخاوف من عودة النفوذ السوري، خاصة مع قيادة دمشق الجديدة التي تُوصف بأنها محافظة دينيًا ومعادية لحزب الله بسبب دعمه لنظام الأسد خلال الحرب الأهلية السورية.
وفي سياق متصل، ظهرت تقارير عن عقد لقاء سوري-إسرائيلي منخفض المستوى في باكو على هامش زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع لأذربيجان.
ركزت المحادثات، التي لم يشارك فيها الشرع شخصيًا، على النشاط العسكري الإسرائيلي في جنوب سوريا، وتُعد تطورًا مهمًا على الرغم من طابعها الاستكشافي. لم تؤكد دمشق الاجتماع رسميًا، لكنها أقرت بجهود غير مباشرة لتخفيف التوترات مع إسرائيل، خاصة بعد الغارات الجوية والتوغلات الإسرائيلية المتكررة في جنوب سوريا.
كما أعربت الحكومة السورية عن رغبتها في إحياء اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، التي أنشأت منطقة عازلة تحت مراقبة الأمم المتحدة.
تُضيف زيارة الشرع إلى باكو بُعدًا آخر لهذه التطورات، حيث أسفرت عن اتفاقيات لتصدير الغاز الأذربيجاني إلى سوريا عبر تركيا، إلى جانب مناقشات حول دور أذربيجان المحتمل في إعادة إعمار البنية التحتية للطاقة في سوريا.
تُشير هذه الخطوات إلى توسع النفوذ الدبلوماسي السوري بعد قرار الولايات المتحدة في مايو 2025 برفع العقوبات، وهو قرار وصفه باراك بأنه "بداية استراتيجية جديدة" تهدف إلى تعزيز التعايش والازدهار بدلًا من بناء الأمة.
هذه التطورات تُبرز التحولات السريعة في الديناميكيات الإقليمية، حيث تجد لبنان نفسها في موقف حرج بين ضغوط واشنطن، وتحركات سوريا الجديدة، ومخاوف إسرائيل الأمنية.
ويضع تحذير باراك لبنان أمام خيارات صعبة، حيث يتعين على البلاد مواجهة التحديات الداخلية والخارجية في وقت تتسارع فيه التغيرات الإقليمية.
إن فشل لبنان في الاستجابة للضغوط الأمريكية بشأن نزع سلاح حزب الله قد يفتح الباب أمام سيناريوهات غير مرغوبة، بما في ذلك احتمال عودة النفوذ السوري أو تصعيد التوترات مع إسرائيل.
في الوقت نفسه، تسعى سوريا إلى تعزيز مكانتها كقوة إقليمية ناشئة، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي.