انطلقت أولى جلسات المحور الفكري المصاحب لفعاليات الدورة الثامنة عشرة من المهرجان القومي للمسرح المصري، والذي يُعقد تحت عنوان «تحولات الوعي الجمالي في المسرح المصري»، وذلك مساء أمس الأحد بالمجلس الأعلى للثقافة، وبحضور رئيس المهرجان الفنان محمد رياض، الذي أكد في كلمته الافتتاحية أن المهرجان يسعى لإحداث حراك مسرحي حقيقي يعيد الجمهور إلى قاعات العرض، معتبرًا أن الجيل الجديد من الشباب سيكون القوة المحركة لهذا التحول.
التغيرات الاجتماعية وأثرها على أشكال التعبير المسرحي
أدار الجلسة الدكتور محمد دوير، الذي قدم قراءة في تحولات المسرح المصري عبر المراحل المختلفة، انطلاقًا من التأسيس حتى الراهن، مؤكدًا أن طرح سؤال "من نحن؟" هو المدخل الأساسي لفهم موقع المسرح داخل الهوية المصرية، وأن التغيرات الاجتماعية فرضت أنماطًا جديدة من التعبير المسرحي تتماشى مع التحولات في البنية الطبقية والثقافية للمجتمع.
وقدم الدكتور سيد علي إسماعيل، الأستاذ بجامعة حلوان، ورقة بعنوان "الوعي الجمالي للمسرح المصري في مائة عام (1868 – 1968)"، تتبعت ملامح النشأة الأولى للمسرح المصري، مشيرًا إلى أن الخديوي إسماعيل كان أول من دعم المسرح العربي، وأنه أول حاكم يفرض اللغة العربية كلغة رسمية ويستخدم المسرح لتعزيزها، مستعرضًا مراحل تطور المسرح المحلي والاحترافي، من يوسف وهبي إلى نشأة معهد الفنون المسرحية، ومعتبرًا أن مرحلة ما بعد 1952 كانت من أزهى عصور المسرح في مصر.
كما قدم الدكتور محمد زعيمة، أستاذ النقد المسرحي بأكاديمية الفنون، مداخلة بعنوان "المسرح والتغير الاجتماعي والسياسي والتكنولوجي". تحدث فيها عن العلاقة الوثيقة بين المسرح والتحولات المجتمعية، مشيرًا إلى تأثير مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دفع النقاد لمراجعة أدواتهم في التعامل مع العروض الجديدة، مؤكدًا أن الطبقة المتوسطة والصاعدة في الستينيات وحتى الثمانينيات كانت العمود الفقري للجمهور المسرحي، وأن التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والهجرات الداخلية والخارجية أثرت في شكل المتلقي، وبالتالي في بنية العرض المسرحي.
التوجه المؤسسي ودوره في تشكيل الذوق المسرحي العام
أدار الجلسة الكاتب عماد مطاوع، وناقشت الجلسة تأثير المؤسسات الثقافية، الرسمية والمستقلة، على تشكيل الذوق العام، وتفاوت الاستراتيجيات وآليات الإنتاج بين هذه الجهات.
وقدم المخرج أشرف عزب، قراءة في تطور السياسات الثقافية بوزارة الثقافة منذ تأسيسها في الستينيات، مؤكدًا على دور الفكر المؤسسي في توجيه الذوق العام وتعزيز الهوية الوطنية. وأشار إلى التدهور الذي أصاب فرق الفنون الشعبية مثل فرقة رضا التي تقلص عدد أعضائها من 200 إلى 12 فقط، داعيًا إلى إعادة دعم هذه الفرق بوصفها حاملة للموروث الشعبي.
واستعرضت الكاتبة رشا عبد المنعم، تجربتها مع البيت الفني للمسرح والمسرح المستقل، مشيرة إلى تحديات كبيرة تواجه البيت الفني مثل المركزية، والروتين الإداري، وتقادم الأدوات، والنقص في الكوادر البشرية، كما أكدت على تفوق الفرق المستقلة من حيث الحرية وكسر التوقعات، وهو ما انعكس على جمالية العروض التجريبية رغم محدودية الموارد.
كما تحدث المخرج محمد الطايع، مدير نوادي المسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة، عن فلسفة الإنتاج في الثقافة الجماهيرية، مؤكّدًا أن نوادي المسرح هي الأكثر إنتاجًا رغم ضعف الميزانيات، حيث يتم إنتاج نحو 155 إلى 350 عرضًا سنويًا، ولفت إلى أن الهيئة لا تتدخل في نوعية العروض، بل تترك لكل منطقة حرية التعبير بما يتناسب مع طبيعتها الثقافية.
يُذكر أن المحور الفكري يتواصل حتى 29 يوليو الجاري، ويضم أحد عشر لقاءً فكريًا يناقش قضايا متنوعة مثل تحولات العرض المسرحي، وجماليات الجسد، وأشكال الإنتاج، والخطاب النقدي، وتُعقبه ندوات لتكريم رموز المسرح المصري، في تأكيد على تكامل البعد النظري والتطبيقي في هذه الدورة من المهرجان.



