شهدت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر خلال الأيام الأخيرة موجة واسعة من الصور المعدلة بالذكاء الاصطناعي فيما عُرف ب" ترند صور الذكاء الاصطناعي"، فقد تحولت تلك الصور إلى تريند بارز على فيسبوك تحديدًا، حيث انشغل آلاف المستخدمين بتجربة الأدوات الحديثة التي تمزج بين الواقع والخيال في لقطات تحمل طابعًا عاطفيًا وفنيًا لافتًا.
وتدفقت الصور التي تجمع الأحياء بأحبائهم الراحلين، أو تلك التي تضع الأشخاص بجوار مشاهير طالما حلموا بلقائهم، لتصبح حديث الساعة في المجتمع المصري، إذ وجدت فيها فئات كثيرة وسيلة للتعبير عن مشاعر دفينة أو لاستعادة لحظات لم يقدّر لها أن تحدث على أرض الواقع.

وقد صنع المستخدمون صورًا بأجواء مغايرة تمامًا للتقليدية؛ ألوان خافتة وخلفيات درامية تحاكي الاستديوهات القديمة، وملامح لم يطرأ عليها تغيير كبير كي تحتفظ بالصورة الأصلية للشخص، وبرزت أدوات مخصصة لتوليد هذه الصور تمنح أصحابها فرصة إعادة تشكيل الذكريات أو خلق مشاهد افتراضية أقرب ما تكون للحلم، وانتشرت الصور بكثافة على الصفحات الشخصية والمجموعات العامة، لتتجاوز كونها مجرد تجربة تقنية، وتتحول إلى حالة وجدانية مشتركة تلامس مشاعر الملايين.

فيما شارك الفنانون بقوة في هذا التريند، سواء من خلال توظيفه في التعبير عن مشاعر صادقة أو عبر تقديم محتوى كوميدي يلقى تفاعلًا واسعًا، فبعضهم نشر صورًا مؤثرة تجمعه بأهل أو أحبة رحلوا، ما جعل الجمهور يتعاطف معه ويرى في التجربة لمسة إنسانية تعكس الجانب العاطفي للتقنية.
وفي المقابل، لجأ آخرون إلى توظيف الذكاء الاصطناعي بطريقة ساخرة، فظهروا في صور خيالية مع شخصيات تاريخية أو مواقف غير مألوفة، بهدف إدخال البهجة ورسم الابتسامة على وجوه المتابعين، وهكذا تنوعت مساهمة الفنانين بين العمق الإنساني وخفة الظل، مما ساعد على انتشار التريند بشكل أسرع وأوسع.

رأي الخبراء النفسيين في تريند صور الذكاء الاصطناعي
أثارت الظاهرة اهتمام خبراء علم النفس والاجتماع، الذين رأوا أن الصور قد تمثل متنفسًا عاطفيًا صحيًا إذا استُخدمت كوسيلة للتعبير وتخفيف الحزن، لكنها في الوقت ذاته قد تحمل مخاطر إذا تحولت إلى بديل دائم عن الواقع، خاصة عندما يعيش الفرد داخل عالم افتراضي مثالي ويقارن بينه وبين حياته الحقيقية، وأكد المختصون أن الإفراط في التعامل مع هذه الصور قد يعزز مشاعر العزلة أو يزيد من وطأة الفقد لدى البعض.
كما برز أيضًا جدل حول قضية الخصوصية واحترام مشاعر الآخرين، إذ أبدى البعض تخوفه من إساءة استخدام الصور، سواء عبر دمج أشخاص مع مشاهير دون إذن أو نشر صور افتراضية لراحلين دون استئذان ذويهم، وشدد كثيرون على أن التريند يحمل جانبًا فنيًا وإنسانيًا جميلًا، لكنه يحتاج إلى وعي والتزام بالقيم الأخلاقية حتى لا يتحول من وسيلة للتعبير إلى أداة لإثارة الجدل أو الأذى النفسي.
وانتهى التريند إلى ما هو أبعد من كونه تجربة عابرة، إذ جسّد رغبة المصريين في استخدام التكنولوجيا كنافذة للتواصل مع مشاعرهم وأحلامهم، وبين من رأى فيه فرصة للابتكار والإبداع، ومن اعتبره انعكاسًا لوجع داخلي وحاجة إلى المواساة، يبقى المشهد شاهدًا على قدرة الذكاء الاصطناعي على إعادة صياغة علاقتنا بالذكريات والخيال.