في علاقة ثلاثية معقدة، يجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه عالقاً بين حليفين قويين يتمتعان بقدرة ملحوظة على توجيه سياسته الخارجية وفقاً لمصالحهما، فمن جهة، يقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي حافظ على ود ترامب غير المشروط رغم التصعيد المستمر في أوكرانيا، ومن جهة أخرى، يقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي نجح في تحويل المسار الأمريكي لخدمة أجندته التوسعية في الشرق الأوسط، بينهما، يقف ترامب الذي دفع وعوده الانتخابية بإنهاء الحروب ثمناً لهذه التحالفات السامة.
علاقة ترامب وبوتين تتجاوز المجاملات الدبلوماسية
وفقاً لتقرير نشرته "الإندبندنت"، فإن العلاقة بين ترامب وبوتين تتجاوز المجاملات الدبلوماسية لتصل إلى مستوى التبعية الاستراتيجية، فبعد قمة ألاسكا التي وصفتها دوائر التحليل السياسي بانتصار دبلوماسي روسي، خرج بوتين بضمانات بعدم فرض عقوبات جديدة على بلاده، بينما لم يحصل الجانب الأمريكي على أي التزام ملموس بوقف الحرب في أوكرانيا.
بل إن الهجمات الروسية تصاعدت بشكل لافت بعد أيام فقط من انتهاء القمة، مما دفع ترامب للاعتراف بأن نظيره الروسي "قد لا يريد اتفاقاً حقيقياً". ومع ذلك، استمر الرئيس الأمريكي في إبداء الإعجاب بذكاء بوتين وخبرته، متجاهلاً تحذيرات مستشاريه من مخاطر هذه العلاقة غير المتوازنة.
نتنياهو الطرف الأكثر تأثيراً في صنع القرار الأمريكي
على الجبهة الإسرائيلية، يبدو نتنياهو وكأنه الطرف الأكثر تأثيراً في صنع القرار الأمريكي، فبعد تسعة أشهر من عودة ترامب إلى البيت الأبيض، لم ينجح في تحقيق وعده بإنهاء الحرب في غزة أو إعادة الرهائن، بل سمح للحكومة الإسرائيلية بتوسيع نطاق العمليات العسكرية بشكل غير مسبوق. حسب تقرير لـ "بلومبيرغ"، فإن ثقة نتنياهو بدعم ترامب دفعت إسرائيل إلى شن هجمات على قطاع غزة وتصعيد المواجهة مع إيران، بما يتعارض مع المصلحة الوطنية الأمريكية المعلنة. والأخطر من ذلك، أن الإدارة الأمريكية لم تعترض على قرار إسرائيل بقطع المساعدات الغذائية عن غزة، مما أدى إلى إعلان مجاعة كاملة في القطاع.
الهجوم على قطر والاختراق الإسرائيلي للقرار الأمريكي
لم تكن التبعات الأمريكية لهذه التحالفات محدودة بالجوانب الإنسانية فحسب، بل امتدت إلى تقويض المصال الاستراتيجية لواشنطن في الخليج، فالهجوم الإسرائيلي غير المنسق على قطر، والذي لم يتم إخطار البنتاجون به إلا قبل دقائق، كشف عن عمق الاختراق الإسرائيلي للقرار الأمريكي.
ووفقاً لتحليل نشرته "سي إن إن"، فإن دول الخليج بدأت تُعيد تقييم شراكتها مع واشنطن، حيث حذّر مسؤولون خليجيون من أن الاستثمارات المخطط لها في الاقتصاد الأمريكي – والتي تصل إلى 3 تريليونات دولار – قد تُحوَّل إلى وجهات أخرى إذا استمرت الإدارة الأمريكية في التغاضي عن الممارسات الإسرائيلية. بل إن اتفاقيات أبراهام، التي كانت تُعتبر إنجازاً تاريخياً لإدارة ترامب، أصبحت مهددة بعد أن ألغت الإمارات مشاركة إسرائيل في معرض دبي للطيران.
في الخلفية، يبدو ترامب وكأنه رهين في يد حلفائه، فبينما كان يعد ناخبيه بإنهاء الحروب، ها هو يُدير صراعاً مفتوحاً مع إيران بسبب ضغوط نتنياهو، ويسمح لبوتين بمواصلة حربه في أوكرانيا دون كلفة تذكر، والنتيجة هي خسارة متعددة الأوجه: تقويض المصداقية الدولية لواشنطن، تآكل تحالفاتها الاستراتيجية، وانزياح بوصلتها الأمنية بعيداً عن أولوياتها المعلنة.