منذ أكثر من عقد ونصف، تحولت جماعة «بوكو حرام» النيجيرية من مجرد حركة متشددة إلى واحد من أخطر التنظيمات الإرهابية في إفريقيا.
يتخذ عناصرها من غابات «سامبيسا» المترامية الأطراف معاقل حصينة، مستغلين التضاريس الوعرة والحدود المفتوحة بين نيجيريا وتشاد والنيجر والكاميرون، ليشنوا هجماتهم ثم يذوبوا داخل الأدغال بلا أثر.
قدرات تفوق المواجهة التقليدية
رغم الحملات العسكرية الضخمة التي تشارك فيها جيوش أربع دول إفريقية، فإن بوكو حرام أثبتت قدرة عالية على المناورة.
تعتمد الجماعة على أسلوب «حرب العصابات»، والكمائن المباغتة، وتفجير العبوات الناسفة، ما يجعل من الصعب على الجيوش النظامية، ذات التشكيلات الثقيلة، القضاء عليها.
كما تمتلك دراجات نارية سريعة وزوارق صغيرة للتحرك عبر بحيرة تشاد، مما يمنحها تفوقًا ميدانيًا في بيئة معقدة.
اقتصاد الدم.. وتمويل مستمر
تنجح بوكو حرام في تمويل أنشطتها عبر طرق غير تقليدية، من خطف المدنيين مقابل الفدية، إلى فرض الضرائب القسرية على المجتمعات الريفية، مرورًا بتهريب السلاح والمخدرات.
هذا الاقتصاد الموازي يضمن للجماعة مصادر دخل ثابتة، يجعلها أقل تأثرًا بالحصار أو الضربات الأمنية، ويمنحها قدرة على شراء الولاءات واستقطاب المزيد من المقاتلين.
سلاح الخوف.. وتجنيد بالقوة
تعتمد الجماعة على نشر الرعب كسلاح أساسي، من خلال هجمات انتحارية واستهداف الأسواق والمدارس والكنائس والمساجد.
كما تلجأ إلى خطف النساء والأطفال، لتستخدمهم دروعًا بشرية أو تُجبرهم على القتال.
ويشير خبراء إلى أن بوكو حرام نجحت في بناء شبكات تجنيد تعتمد على الضغط النفسي والإغراءات المالية، ما يجعل من محاربتها تحديًا اجتماعيًا بقدر ما هو عسكري.
تدخل دولي.. ونتائج محدودة
ورغم تدخل القوات متعددة الجنسيات والدعم الاستخباراتي الغربي، لم تتمكن الحكومات الإفريقية من إنهاء خطر بوكو حرام.
فضعف التنسيق بين الجيوش، وانتشار الفساد، وسوء الأوضاع الاقتصادية، كلها عوامل تمنح التنظيم فرصة لإعادة التمركز بعد كل ضربة يتعرض لها.
تهديد ممتد يتجاوز نيجيريا
الخطر الذي تمثله بوكو حرام لم يعد محصورًا داخل نيجيريا.
فالجماعة وسعت نشاطها ليشمل هجمات في النيجر وتشاد والكاميرون، ما جعلها تهديدًا إقليميًا يقوض استقرار منطقة الساحل والبحيرات الكبرى.
بعض التقارير الاستخباراتية تحذر من تنسيق غير مباشر بين بوكو حرام وتنظيم «داعش في غرب إفريقيا»، ما قد يضاعف التحديات الأمنية في المستقبل.
معركة طويلة بلا أفق قريب
رغم الإنجازات التكتيكية، يبقى القضاء على بوكو حرام هدفًا بعيد المنال، طالما أن البيئة الحاضنة ما زالت قائمة على الفقر المدقع، وبطالة متفشية، حدود رخوة، وحكومات عاجزة عن فرض سيطرتها.
وهكذا تستمر المعركة ضد التنظيم كمعركة بلا نهاية، تُرهق جيوش المنطقة وتُبقي الملايين من المدنيين أسرى الخوف والنزوح.