أخبار عاجلة

اغتيال حليف ترامب جرس إنذار لاستعادة قيم الديمقراطية والحوار المدني

اغتيال حليف ترامب جرس إنذار لاستعادة قيم الديمقراطية والحوار المدني
اغتيال حليف ترامب جرس إنذار لاستعادة قيم الديمقراطية والحوار المدني
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

اغتيال تشارلي كيرك حليف الرئيس الأمريكي دولاند ترامب ليس مجرد حدث سياسي، بل إنه زلزال أخلاقي يهز عرش الديمقراطية حيث يعكس أن الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعي أنها زعيمة الديمقراطية في العالم تواجه مفترق طرق؛ لم تعد تتقاطع الأفكار على أرضية حوار سياسي مدني بل وصلت إلى تصادمات عنيفة تستخدم فيها التصفية الجسدية. وما يحدث الآن من تزايد جرائم القتل والاغتيال بسبب الاختلاف في الأفكار والرؤى يعدُّ انتكاساً لمفهوم المجتمع المدني في الفكر الأمريكي والذي أسهم في بنائه مفكرون من أمثال أليكسيس دي توكفيل وجون ديوي ورالف والدو إمرسون وغيرهم من المفكرين الذين يرون في المجتمع المدني وتعدد مشاربه وثقافاته قاعدة لممارسة السلطة وتوازنها ومشاركة الأفراد الفعالة في تعزيز الديمقراطية.   

 ثقافة الحوار وبناء المجتمع المدني

ثقافة الحوار كعملية مستمرة في بناء المجتمع المدني لها بعد استراتيجي في إشاعة قيم العدالة والسلم والمساواة وهذه المبادئ نادى بها مفكرو عصر النهضة، وناضل من أجلها الفلاسفة والمفكرون الأمريكيون الأوائل منذ عدة قرون. لكن أهدرتها الأحزاب السياسية برموزها، وعلى رأسهم الرؤساء الذين حكموا الولايات المتحدة طيلة العقود الأخيرة، حيث ضربوا بعرض الحائط هذه القيم والمبادئ وتدخلوا عسكريا وبأبشع الطرق في بلدان أخرى وعاثوا فساداً فيها وتحالفوا مع مجموعات إرهابية لنشر الفوضى وإحكام السيطرة على الدول ومقدراتها. الآن يشرب الأمريكيون من نفس الكأس المليئة بالكراهية والعنف والإرهاب، ويسقط ضحايا لها، من بينهم شخصيات مثل كيرك غذت هذه النزعات الإيديولوجية الكريهة.   

كان كيرك شخصيةً مثيرةً للجدل. أفكاره المحافظة منذ بدأ في الظهور والخطابة في عمر الثامنة عشر تبدو غير ملائمة مع سن الشباب المبكر المعروف عادة بالانفتاح والتعايش مع الآخرين حتى في حالة الاختلاف. مع ذلك، تحولت الآراء المتضادة والمتصارعة التي كانت قاعدة ارتكاز للديمقراطية التي يفتخر بها المجتمع الأمريكي تحولت إلى سبب ليدفع أشخاص مثل كيرك حياتهم ثمنًا لها. وكم تجنبت طيلة السنوات الماضية مشاهدة خطابات كيرك حيث أنها تقطر كراهية واستفزازاً؛ وهذا بالمناسبة رأي الكثير من الأمريكيين أيضاً، وهو خطاب أيديولوجي غيبي - ولا أستطيع حتى أن أصفه بالديني- مليء بالخرافات والمغالطات لاعتماده نهج تحريف أحداث التاريخ لخدمة فكرته بانتهازية وترويج أجندات يعتبرها الكثيرون منا، ليس فقط غير مقبولة، بل خطرة على الأقليات العرقية والإثنية، والمهاجرين، وغيرهم من الفئات المهمشة.

لقد دافع كيرك على الكيان الإسرائيلي المحتل واعتبر ذلك واجباً دينياً مستخدماً معلومات تاريخيّة مزيفة ومضللة لتبرير سيطرة الصهيونية العالمية على فلسطين وأنكر المجاعة والإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة. ومع كل هذا الدفاع المستميت عن الصهيونية فلا يستبعد المراقبون أن تكون إسرائيل وراء اغتياله بغرض إحداث فتنة داخلية تؤدي إلى نشر أفكار كيرك على نطاق أوسع وتحويل دفة انتقاد الكيان المحتل إلى تعاطف معه ومع أنصاره، مع التلويح بأصابع الاتهام إلى اليسار كما فعل ترامب في رثاء كيرك، أو إلى المسلمين كما فعل كثيرون من اليمين المتطرف، بينما يشير بعض الخبراء إلى أصابع الموساد في مثل هذه العمليات. وقد تكشف الأيام القادمة معلومات أوفى وأكثر دقة بشأن دوافع روبنسون المتهم الأول بقتل كيرك، وما إذا كان عميلاً أو تحت تأثير الأفكار الصهيونية، لكن في كل الأحول لا يمكن الدفاع عن الإرهاب وتبرير قتل كيرك حتى لو كانت أفكاره الأيديولوجية هي نفسها أرضية تغذي العنصرية والجريمة والتصفية الجسدية والإبادة العرقية.

سطوة الأيديولوجيا السياسية الهشة

إن الصدمة التي شلت تفكير نخبة من السياسيين والمثقفين الأمريكيين عندما استيقظوا على هذه الجريمة الإرهابية التي تكررت خلال السنوات الأخيرة كانت جرس إنذار للمجتمع ولهم بدرجة أولى كصناع للرأي العام، لأنها أطاحت بصورة المجتمع الذي يطمح إليه هؤلاء، حتى لوكان لديهم رفض مسبق لمواقف تشارلي كيرك؛ فعندما يُصبح العنف أداةً لتصفية الحسابات في الخطاب السياسي، تفقد الديمقراطية معناها وتتحول إلى حالة هشة انكسرت عند أول اختبار. وهذا ما يدعوهم لإعادة النظر في هذه الثقافة لتنقيتها من الأفكار والمشاعر الكريهة.

إنهم ينظرون الآن إلى اغتيال كيرك على أنه تتويج لسطوة الأيديولوجيا السياسية الهشة والتي أدت للتصادمات وليس مؤشراً على بدايتها. لقد لوحظت التصدعات والانقسامات بين اليمين المتطرف وأطياف سياسية عديدة في المجتمع خلال السنوات الماضية. وظهر ذلك جلياً خلال الانتخابات الرئاسية وحتى انتخابات الولايات والمقاطعات، من ذلك تصاعد التهديدات الموجهة للمرشحين وأنصارهم. كما ظهر نفس التوترات والمواجهات في اجتماعات مجالس بعض المدارس، والعداء في حرم الجامعات وسجلت كاميرات وسائل الإعلام العنف بل والاعتقال والفصل ضد الطلبة الذين عبروا عن مواقف مضادة من قضايا عديدة، من بينها السكوت الأمريكي الرسمي تجاه الإبادة الإسرائيلية للفلسطينيين. كلها عوامل أججت حروباً بين جبهات سياسية وثقافية داخل المجتمع الأمريكي. وقد حاولت العديد من الأصوات المتطرفة ذات الميول اليمينية، أو الصهيونية، أو حتى بين السياسيين الجمهوريين والديمقراطيين، أن تلمح أو تتهم صراحة المسلمين أو المهاجرين غير الشرعيين أو حتى السود الأمريكيين بقتل كيرك، لكن اتضح أن المتهم هو أقرب ما يكون من أفكار كيرك؛ هو متطرف يميني مثله، أبيض مثله أيضا، متشبع بالخطاب اليميني السام الذي أصبح جزءا مألوفا في السياسة الأمريكية الراهنة.  

أفكار سامة داخل أمريكا

وليس التيار اليميني المتطرف وحده، من أمثال حركة "اجعلوا أمريكا عظيمة"، الذي يبرر العنف السياسي بل إن العنف المتنامي داخل المجتمع الأمريكي يقتات على مثل هذه الأفكار السامة ويولد عنفاً أكبر يتسع مداه مع الأيام. وهكذا فإن دائرة النار لن تتوقف بل تزداد اشتعالاً خاصةً في ضوء التعاطف الانتقائي والقيم الأخلاقية العرجاء التي تبرر قتل هذا وتتعاطف مع موت ذاك، وهي نفس الانتقائية التي كان يتبناها كيرك. وقد حصد بعد قتله نفس مشاعر الكراهية والتشفي التي لم تمنحه التعاطف لكونه ضحية، لأنه كان بالأمس القريب جلادا ودافع عن التدخل الأمريكي في دول أخرى وعن الكيان الإسرائيلي المحتل باستماتة. وما حدث لكيرك كان من الممكن أن يحدث لأي شخص آخر، وما زال من الممكن أن يحدث كل يوم طالما استمر الرموز السياسيون في الدفاع عن التطرف وإرهاب الدولة والإطاحة بالقيم والمبادئ الديمقراطية والعدالة والمساواة في كل أرجاء الأرض وليس فقط داخل الولايات المتحدة الأمريكية!

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق إندرايف تطلق تطبيق «SuperApp» لتوصيل منتجات البقالة
التالى توفيق محمود رئيسًا تنفيذيًا وعضوًا منتدبًا لشركة «تالي Taly» لحلول المدفوعات الرقمية