أخبار عاجلة

الدبلوماسية المصرية المتوازنة.. بين نزع السلاح النووي وبناء قوة عربية مشتركة

الدبلوماسية المصرية المتوازنة.. بين نزع السلاح النووي وبناء قوة عربية مشتركة
الدبلوماسية المصرية المتوازنة.. بين نزع السلاح النووي وبناء قوة عربية مشتركة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كعادتها، تثبت مصر مكانها كفاعل رئيسي في قضايا الأمن الإقليمي والدولي، فقد أعادت القاهرة طرح رؤيتها الاستراتيجية للأمن في الشرق الأوسط والعالم عبر تجديد دعوتها لإخلاء المنطقة من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل كافة، وإخضاع جميع المنشآت النووية لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك على هامش التحضيرات لانعقاد المؤتمر العام للوكالة الدولية في فيينا (15 – 19 سبتمبر). وقد تزامن ذلك مع نجاح وساطة مصرية حققت اختراقاً مهماً في الملف النووي الإيراني، بعد أن استضافت القاهرة جولة مفاوضات مباشرة بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية أسفرت عن اتفاق جديد يضع إطاراً عملياً للتعاون بين الجانبين.

وفي الوقت ذاته، نشطت الدعوات لإحياء مشروع إنشاء "قوة عربية مشتركة" الذي سبق وطرحه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ سنوات، والذي عاد إلى دائرة النقاش في أعقاب الدعوة القطرية لعقد قمة عربية إسلامية طارئة عقب الانتهاك الإسرائيلي للعاصمة الدوحة بعملية جوية مباشرة. من هنا، تأتي التحركات المصرية استجابة لتعدد جبهات التوترات الإقليمية وتصاعدها، وما تبعها من عودة شبح سباق التسلح إلى الواجهة، وتأكيداً على نفوذ القاهرة كرمانة ميزان أمنية ودبلوماسية فاعلة في معادلات المنطقة والعالم.

البعد الدولي: معاهدة منع الانتشار النووي

منذ إطلاق مبادرة إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية عام 1974، ظلت مصر في طليعة الدول التي تتبنى خطاب نزع السلاح النووي في الشرق الأوسط. هذا الموقف كان جزءاً من رؤية استراتيجية تربط بين استقرار المنطقة وأمنها من جهة، وعالمية معاهدة منع الانتشار النووي (NPT) من جهة أخرى.

اليوم، تجدد القاهرة هذه الدعوة في ظل ازدواجية المعايير الغربية والتي تمثلت في التشدد تجاه البرنامج النووي الإيراني الذي يقابله صمت كامل تجاه الترسانة النووية الإسرائيلية التي تتراوح تقديراتها بين 80 و400 رأس نووي وفق معهد ستوكهولم لأبحاث السلام (2024).  لذا، تسعى مصر لتأكيد أن الأمن لا يمكن أن يقوم على أساس انتقائي أو أحادي.

الدوافع المصرية في هذا السياق تتمثل في ثلاث نقاط محورية: أولاً، مواجهة التفوق النووي الإسرائيلي الذي يخل بالتوازن الإقليمي. ثانياً، منع اندلاع سباق تسلح نووي عربي إيراني في غياب مظلة دولية عادلة. ثالثاً، تعزيز صورة مصر كدولة مسؤولة تتبنى خطاباً منسجماً مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. ومن خلال هذا الطرح، تقدم القاهرة نفسها كصوت ثابت في المحافل الدولية، يدعو إلى الشفافية النووية ويطالب بإنهاء المعايير المزدوجة.

البعد الإقليمي: الوساطة النووية المصرية

في يونيو الماضي، شهدت المنطقة تصعيداً خطيراً تمثل في الهجمات الإسرائيلية والأمريكية على مواقع نووية إيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان. ما دفع طهران لتعليق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفتح الباب أمام مواجهة مفتوحة قد تهدد أمن الخليج بأكمله. في هذا السياق، أسفرت الوساطة المصرية عن التوصل إلى اتفاق في القاهرة يضع إطار تعاون تقني جديد بين إيران والوكالة. وقد حصل هذا الاتفاق على دعم روسي وأوروبي، في إشارة واضحة إلى اعتراف دولي ضمني بدور مصر. كما أبرزت هذه الوساطة مرونة إيرانية مشروطة، مقابل ضمانات مصرية بتهيئة أجواء التهدئة.

وعليه، يكمن نجاح القاهرة في قدرتها على المناورة بذكاء وإدارة استضافتها للمفاوضات بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بحرفية تسمح لها بالتحرك على أكثر من مستوى في آن واحد؛ فمن جهة فتحت قنوات اتصال آمنة أعادت الثقة بين الطرفين، ومن جهة أخرى قدمت نفسها للمجتمع الدولي كضامن لجدية المسار التفاوضي بعيداً عن التفاهمات الغربية الجامدة. كما برز توظيف القاهرة لموقعها الجغرافي ومكانتها السياسية التي منحتها قدرة استثنائية على لعب دور الوسيط المقبول إقليمياً والمُعترف به دولياً.

البعد العربي: إحياء مشروع القوة العربية المشتركة

أعادت المستجدات الإقليمية الراهنة، طرح مشروع "القوة العربية المشتركة" الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي لأول مرة عام 2015. وجاء إحياؤه هذه المرة في سياق التحضير للقمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة، وسط حالة الغضب العربي بعد الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة.

ويقوم المقترح المصري على إنشاء قوة عسكرية عربية موحدة قوامها مئات الآلاف، تكون قيادتها العليا مصرية، مع مشاركة واسعة من دول الخليج والمغرب العربي، بما يضمن توازناً جغرافياً وسياسياً. الهدف من هذه القوة ليس فقط مواجهة التهديدات الخارجية، وفي مقدمتها إسرائيل وترسانتها النووية، بل أيضاً تقديم مظلة حماية للدول العربية الأصغر حجماً مثل قطر، وتعزيز مبدأ الردع الجماعي.

التحدي الإسرائيلي: الغموض النووي

يبقى التفوق النووي الإسرائيلي هو التحدي الأكبر أمام العالم العربي، فإسرائيل، وفق تقديرات دولية، تمتلك ما بين 80 و400 رأس نووي، إضافة إلى وسائل متقدمة لإيصالها مثل صواريخ "جيروك" وغواصات "دولفين" وطائرات "إف-35". كما كشفت صور الأقمار الاصطناعية في بداية سبتمبر الجاري عن أعمال بناء قرب مفاعل ديمونا، ما أثار تكهنات حول إقامة مفاعل ماء ثقيل جديد أو منشأة لتجميع الأسلحة النووية.

إزاء هذه المعطيات، فإن أي قوة عربية مشتركة لن تكون كافية لردع إسرائيل وحدها، لكنها تسعى لتوظيف مسارين متوازيين؛ الأول دبلوماسي يقوم على إحراج تل أبيب عبر خطاب نزع السلاح النووي، والثاني عسكري دفاعي يعتمد على بناء قوة عربية موحدة قادرة على التدخل السريع لحماية الأمن القومي العربي، وبالتالي تقليص الفجوة مع إسرائيل ولو بشكل نسبي.

إجمالاً، يمكن تلخيص الاستراتيجية المصرية في ثلاث دوائر مترابطة؛ الدائرة الأولى دولية، وتتمثل في خطاب نزع السلاح النووي والدعوة إلى عالمية معاهدة منع الانتشار. الدائرة الثانية إقليمية، تجسدها الوساطة بين إيران والوكالة الدولية لاحتواء التوتر. أما الدائرة الثالثة فهي عربية، ترتبط بمشروع القوة المشتركة كإطار دفاعي يعيد لمصر دور القيادة.

هذه الاستراتيجية المتعددة المستويات تعكس محاولة مصر الموازنة بين أدوات القوة الناعمة (الدبلوماسية والوساطة) وأدوات القوة الصلبة (العسكرية والردعية). فعلى المستوى الدولي، تقدم نفسها كصوت ملتزم بالقانون الدولي. وعلى المستوى الإقليمي، كوسيط قادر على منع الانفجار. وعلى المستوى العربي، كقائد طبيعي لمشروع طال انتظاره لتعزيز الأمن الجماعي. وبهذا، تضع القاهرة نفسها في موقع "المفتاح الاستراتيجي" لأي معادلة أمنية مستقبلية تخص المنطقة والعالم.

* باحثة في الشؤون السياسية والإعلامية

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق "سدايا" تكشف في دراسة حديثة عن إيجابيات تقنية "التزييف العميق" ومخاطرها المتوقعة على المجتمعات
التالى عاجل- استهداف الوفد المفاوض لحركة حماس أثناء اجتماعه في قطر