بدأت المنافذ الجمركية اعتباراً من اليوم الأحد تطبيق الرسوم الحمائية التى فرضتها الحكومة ممثلة فى وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية بواقع 13.6 % على الواردات من المسطحات المدرفلة على الساخن "الصاج" وبحد أدنى 3673جنيها على الطن، ورسوم نسبتها 16.2 % على الواردات من البليت بما قيمته 4613 جنيه على الطن . ويُحسب للحكومة هذا القرار الحاسم والشجاع والذى يصب فى المصلحة العليا للبلاد التى تسعى بكل قوتها لزيادة معدلات النمو ،وتوطين وتعميق صناعة الصلب المحلية وهو النهج الذى تنتهجه غالبية دول العالم بما فيها الدول الصناعية الكبرى لأن صناعة الصلب تعد صناعة إستيراتيجية تجر خلفها عشرات الصناعات الأخرى.
لقد عانت صناعة الصلب المحلية من عام 2008 من تدفق الواردات سواء من المسطحات المدرفلة على الساخن، أو البليت وهو منتج نصف نهائى، أو من حديد التسليح (على بعض الفترات) وكان السبب الرئيسى فى تدفق الواردات خاصة من المسطحات الساخنة والبليت هو ضعف الرسوم الجمركية المطبقة فى مصر حيث الرسوم الجمركية المطبقة فى مصر على الواردات من البليت صفر ،ولا تتجاوز الرسوم المطبقة على الواردات من المسطحات الساخنة 5 % وهى نسبة ضعيفة جدا مقارنةَ بالرسوم المطبقة فى العديد من الدول المنتجة مما جعل السوق المصرى من أقل وأضعف الأسواق حماية على مستوى العالم.
نتج عن ضعف الحماية فى السوق المحلى أن أصبحت مصر مستهدفة من الدول الكبرى المصدرة مثل روسيا والصين وأوكرانيا وتركيا وغيرهم لتصدير منتجاتهم، وتصريف الطاقات الفائضة ومخزونات مصانعهم داخل السوق المصرية مما أدى إلى تراجع معدلات النمو والتشغيل فى المصانع المتكاملة ونصف المتكاملة التى تتحمل أعباء كبيرة فى الإنتاج والتشغيل، عكس المصانع المتكاملة التى تعتمد بشكل أساسى على استيراد البليت وتشكيله إلى حديد تسليح وتكتفى هذه المصانع بجنى الأرباح من البيع فى السوق المحلى بمكاسب تتراوح بين 3 و4 آلاف جنيه فى الطن الواحد من حديد التسليح ،بينما المصانع المتكاملة ونصف المتكاملة تقوم بتشغيل أعداد عمالة بالآلاف وتسدد مبالغ طائلة للمصالح الحكومية من ضرائب وتأمينات وكهرباء وغيرها.. الأمر الآخر أن المصانع المتكاملة ونصف المتكاملة هى التى تأخذ على عاتقها التصدير للأسواق الخارجية وجلب موارد من النقد الأجنبى للدولة ،عكس مصانع الدرفلة التى تعمل على تآكل موارد البلاد من النقد الأجنبى نتيجة التوسع فى إستيراد البليت والمسطحات.

الرسوم الجمركية والحمائية فى الدول المنتجة
لو تتبعنا ما يحدث فى الدول المنتجة للصلب على مستوى العالم سنجد أن كل الدول دون إستثناء تسعى بكل ما أوتيت من قوه للحفاظ على صناعة الصلب المحلية لديها ،وتوطينها وتعميقها محلياً ،والكل أصبح يدافع عن مصالحه التجارية ،
ولا تتوانى الحكومات في أي دولة حول العالم في الوقت الحالي عن اتخاذ القرارات الحاسمة والرادعه التي تكفل الحماية لصناعاتها وصُناعها المحليين بما لديها من قوانين وسياسات حمائية . وإذا تتبعنا العديد والعديد من دول العالم المنتجة للصلب، سنجدها تتخذ إجراءات صارمة عند تدفق الواردات من أي منتج من منتجات الصلب إلى أسواقها.
ففى الولايات المتحدة الأمريكية وبالتحديد منذ أن تولت إدارة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب مقاليد الحكم في يناير 2025 وهي من أكثر الإدارات المتشددة في اتخاذ القرارات الحمائية التي تهدف في المقام الأول إلى حماية صناعة الصلب الأمريكية من الممارسات التجارية الضارة بالمنافسة مثل الإغراق القادم من أي دولة في العالم خاصة الصين . ويرى الرئيس ترامب، أن صناعة الصلب تمثل جزءًا حيويًّا من الاقتصاد الأمريكي، حيث أسهمت بأكثر من 520 مليار دولار من الناتج الاقتصادي الأمريكي، ووفرت ما يقرب من مليوني وظيفة عام 2017 ولها تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الموردين. كما يرى ترامب أن العمال كسبوا من وراء صناعة الصلب أكثر من 130 مليار دولار نتيجة الأجور والمزايا والحوافز التي يحصلون عليها، بالإضافة إلى عائدات الضرائب الفيدرالية منها والتي تتخطي 56 مليار دولار.
كما يرى ترامب أن صناعة الصلب ستقود الاقتصاد الأمريكي للنمو وهو التصريح الذي أدلى به لوسائل الإعلام الأمريكية بعد صفقة الشراكه الاستراتيجية بين شركة نيبون اليابانية للصلب وشركة يو إس ستيل.
وتتجه أستراليا إلى تمديد رسوم الإغراق لمدة خمس سنوات على وارداتها من منتجات قضبان التسليح الواردة من دولتي كوريا وإسبانيا بعد انتهاء لجنة مكافحة الإغراق الأسترالية من أعمال المراجعة التي كانت قد بدأت في 9 سبتمبر 2024.
وفي كوريا الجنوبية، قامت لجنة التجارة الكورية بفرض رسوم إغراق مؤقتة على منتجات الصلب الكربوني والسبائكي المدرفل على الساخن الواردة من اليابان والصين وطالت رسوم الإغراق الكورية، شركة نيبون اليابانية خامس أكبر منتج ومصدر للصلب في العالم بواقع 31.58%. ،و شركة باوشان للحديد والصلب وفرض عليها رسوم نسبتها 29.89%. كما فُرض على شركة (بينجانج) رسوم نسبتها 28.16%، و33.57% على شركة (جيه إف إي ستيل)، و32.75% على موردين آخرين.
وفي جنوب إفريقيا ثاني أكبر منتج للصلب في القارة الإفريقية بعد مصر، أخطرت مديرية العلاجات بجنوب إفريقيا لجنة الضمانات بمنظمة التجارة العالمية ببدئها تحقيقات موسعة في تعرض صناعة مسطحات الصلب (الصاج) لديها للأضرار الكبيرة نتيجة تدفق الواردات التي تدخل البلاد بكميات كبيرة مغرقة من كل أسواق العالم. أكدت مديرية العلاجات للمنظمة، أن الزيادة في الواردات تسببت في تهديد الصناعة المحلية بجنوب إفريقيا، أو أن هناك تهديدًا بالضرر قد يحدث نتيجة زيادة الواردات بكميات مغرقة.
كل هذه الاضطرابات التجارية كانت محل اهتمام ومراقبة من جانب منظمة التجارة العالمية لدرجة أن المدير العامة للمنظمة أوكونجو إيويالا وهي نيجيرية الجنسية وأول سيدة إفريقية تتولي هذا المنصب، قالت في رسالتها الافتتاحية في التقرير السنوي للمنظمة لعام 2025، إن النظام العالمي الجديد للتجارة يمر بأسوأ فتراته منذ الحرب العالمية الثانية، وأن ذلك يشكك في جدوى التعاون متعدد الأطراف، وأن هناك مخاوف لدى الدول الأعضاء من هذه الاضطرابات التجارية.
إن الدول الكبرى المنتجة للصلب أو حتى الدول متوسطة الحجم في الإنتاج لا تكتفي بفرض رسوم الإغراق ، أو فرض التدابير الوقائية والرسوم التعويضية لحماية صناعة الصلب لديها، بل تقوم بفرض رسوم جمركية ثابتة ومتغيرة سواء على حديد التسليح أو البليت أو المسطحات أو غيرها من منتجات الصلب.
تفرض دول الاتحاد الأوروبي 25 % رسوم حمائية ،و44 % رسوم إغراق ، وتفرض أمريكا 50 %رسوم حمائية و44 %رسوم إغراق لتصل إجمالى الرسوم المفروضة إلى 94 % ،وتفرض المكسيك رسوم جمركية ثابتة تقدر بنحو 25 %، و54 % رسوم إغراق ،وتفرض كوريا الجنوبية 31 % رسوم إغراق ،وتفرض إنجلترا 20 % رسوم إغراق ،و25 % رسوم حمائية . وتفرض تركيا 15 % رسوم ثابته و12 % رسوم إغراق ،وتفرض البرازيل 25 % رسوم ثابته . كما تفرض المملكة العربية السعودية 15 % رسوم ثابتة وهى نفس النسبة التى تفرضها دولة الجزائر ،أما الهند فتفرض 15 % رسوم ثابته ، و12 % رسوم حمائية وتصل الرسوم الجمركية على واردات البليت في باكستان إلى 35%، وفيتنام 23.8%، وتونس 20%، وأنجولا 20%، وزيمبابوي 13.10%.
إن كل دول العالم المنتجة للصلب أصبحت تتدخل بكل قوة لحماية صناعة الصلب المحلية لديها من الإغراق وتدفق الواردات، وكل مظاهر الإحتكاكات التجارية. لقد أصبحت صناعة الصلب هي الصناعة المحورية والأكثر تأثيرًا على كل الصناعات الأخرى بدايةً من الصناعات المرتبطة بالعقارات والإنشاءات مرورًا بالسلع المعمرة والسكك الحديدية والأنفاق والكبارى والسيارات وانتهاءً بالسفن والطائرات وغيرها من عشرات الصناعات الأخرى. كما تعد صناعة الصلب أحد أهم المحركات الرئيسية لخلق القيمة المضافة وزيادة النمو الاقتصادي بكل دول العالم بلا استثناء، فكل دولار أمريكي تتم إضافته لصناعة الحديد والصلب يسهم في توليد نحو 2.5 دولار قيمة مضافة بالقطاعات الصناعية الأخرى التي تكون بمثابة سلاسل إمداد لصناعة الحديد والصلب، أو صناعات مستهلكة للمنتجات الحديدية.
السوق المصرى وزيادة غيرر مبررة فى واردات البليت والصاج
أولا :
الواردات من البليت
وفقاً للإحصائيات الصادرة عن الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات نجد أن هناك تدفق كبير من واردات البليت القادمة من روسيا والصين وعدد قليل من بعض الدول الآسيوية تثقل كاهل الخزانة العامة للدلة من النقد الأجنبى . بلغت واردات البليت عام 2018 نحو ثلاثة ملايين و400 ألف طن، وفى عام 2019 سجلت الواردات من البليت نحو 2 مليون و293 ألف طن، وحدث إنخفاض فى الواردات عامى 2020، و2021 ولكنها عاودت الصعود بسرعة الصاروخ خلال الثلاث أعوام الأخيرة لتسجل عام 2024 نحو مليونى طن قيمتها تصل إلى المليار دولار وتمثل هذه الواردات من البليت نحو أكثر من 40 % من إجمالى منتجات الصلب . تقوم بإستيراد كل هذه الكميات مصانع الدرفلة التى تشكل حصتها السوقية 20 % على الاكثر من حجم السوق المصرى، رغم أن المصانع المحلية تنتج نحو 15 مليون طن سنوياً تكفى إحتياجات السوق المحلي الذى لا يستهلك سوى 9 مليون طن ليصبح هناك فائض يصل إلى 6 ملايين طن وتوفره المصانع المتكاملة ونصف المتكاملة للبيع المحلى بأسعار عادلة تقترب من سعر البليت المستورد (من 31 ألف - 32 ألف جنيه للطن )الذى يكلف خزانة الدولة مليار ات الدولارات سنوياً .
ثانياً:
واردات المسطحات المدرفلة على الساخن
بتحليل أرقام الواردات من الصلب المسطح المدرفل على الساخن يتبين أن الفترة من عام 2021 تزايدت الواردات بشكل قوي، وبلغت حدة الزيادة عام 2024 لتسجل أعلى معدل لها في تاريخ صناعة الصلب المصرية "1.700" ألف طن ،مقابل مليون و472 ألف طن عام 2023 ،و980 ألف طن عام 2022 وهذه الأرقام تشير بقوة إلى وجود تصاعد وزيادات كبيرة فى حجم الواردات ، وهذه الزيادات أجبرت شركتي عز الدخيلة وعز للصلب المسطح وتنتجان 100% من الإنتاج المحلي إلى التقدم بشكوى مؤيدة بالمستندات والدفوع إلى قطاع المعالجات التجارية بوزارة الاستثمار والتجارة الخارجية تتضرر فيها من تدفق الواردات من الصلب المسطح المدرفل على الساخن «الصاج».
عرضت يمنى الشبراوي رئيس قطاع المعالجات التجارية كل أوراق القضية والمستندات والدفوع التي قدمتها الشركة الشاكية على اللجنة الاستشارية للتأكد من صحة وقوع الضرر والمستندات المقدمة . تأكدت اللجنة من صحة وقوع الضرر وبناءً عليه تم رفع التوصية إلى وزير الاستثمار والتجارة حسن الخطيب. أصدر الوزير في الثاني والعشرين من أبريل 2025 قرارًا بالموافقة على إصدار الإعلان رقم 6 لسنة 2025 والذي نشر بالجريدة الرسمية بالعدد رقم 93 في 27 أبريل 2025 ببدء تحقيق إجراءات وقائية ضد الزيادة في الواردات من صنف مسطحات الصلب المدرفلة على الساخن. وأخطرت مصر لجنة الضمانات بمنظمة التجارة العالمية ببدئها التحقيقات في إجراءات وقائية على الواردات من الصلب المسطح المدرفل على الساخن للسوق المحلية. وأنتهت التحقيقات إلى ثبوت حجم الضرر الواقع على الصناعة المحلية مما أدى إلى إصدار القرار الخاص بفرض رسوم حمائية لمدة 200 يوماً نسبتها 13.6 % بحد أدنى 3673 ألف جنيه للطن.
لا تأثيرات سلبية على أسعار السلع المعمرة
أجرت إحدى الجامعات المصرية العريقة دراسة هامة لتحديد أثر فرض الرسوم الحمائية على أسعار بيع السلع المنزلية المعمرة وكذلك وسائل النقل . وتناولت الدراسة منتجات أكبر الشركات المنتجة للسلع المعمرة بعدة مدن صناعية مختلفة .وأختارت الدراسة أكثر السلع المعمرة إستخداماً فى المنازل مثل الغسالات والثلاجات والتكييفات والسخانات والبوتاجازات . كما اجرت نفس الدراسة على السيارت النصف نقل والتريلا والأتوبيسات السياحية وأنتهت الدراسة التى إعتمدتها الجامعة أن تأثيرات فرض الرسوم الحمائية للصاج المستورد على تكلفة وأسعار السلع المعمرة والسيارات لا تكاد تذكر،ولا تتخطى فى مجملها 0.44 %إلى 3.3 % والنسبة الأخيرة لا تنطبق إلا على السخانات فقط التى تعتمد فى إنتاجها بشكل كبير على الصاج البارد .