فـي المستقبل القريب جداً، قـد نشهد صناعة أفلام مصرية وعربية كاملة تنتج بواسطة الـذكاء الاصطناعي وهو ما يمثل تهديدا حقيقياً للممثلين والعاملين في صناعة السـينما "مخرجين – ممثلين – مديري تصوير – ديكور – ملابس - أعمال فنية وحرفية.. إلى آخره".. هذه المهن عرضة للتهديد والتقاعد؛ لأنه ببساطة يمكن إنتاج فيلم كامل عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، فتتحول الصناعة من أيدي الممثلين والفنيين إلى أيدي المبرمجين.
طالعت باهتمام كبير تحليل الدكتور إيهاب خليفة رئيس وحدة متابعة التطورات التكنولوجية بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة عن "السينما والذكاء الاصطناعي" فى مقاله المنشور عبر موقع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء والذي يتضمن مقالات تحليلية وعلمية متخصصة.
أشار خليفة فى تحليله إلى أن أدوات الذكاء الاصطناعي أصبحت قادرة على عمل مشاهد تمثيلية وإنشاء مقاطع موسيقية تناسب أجواء المشهد بناء على تحليل المشاعر والدراما، حتى المؤثرات الصوتية مثـل أصوات المطر وضربات السـيوف وصهيـل الخيـول، وفى أفلام الأكشن أصوات ضرب النار ومشاهد الصراعات بين الأبطال ويمكـن تحسينها أو إنشـاؤها مـن الصفـر باسـتخدام الذكاء الاصطناعــي، مما يوفر تجربة سينمائية متكاملة.
وحتى بعد نهايـة مشروع الفيلم، يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي فـي قياس انطباعات الجمهـور حـول الفيلم، وتحليل توجهات المشاهدين وآرائهم، واقتراح استراتيجيات تسويقية تتلاءم مــع الأسـواق المستهدفة.
وبذلك أصبح الذكاء الاصطناعي يشكل خطورة كبيرة على هذه الصناعة المهمة جداً، وهي أكبر قوة ناعمة مصرية عبر أكثر من 100 عام، والتخوف يأتي من عدم استخدام الأدوات الحديثة للذكاء الاصطناعي بشكل يساعد فى تطوير المهنة والصناعة الحالية ولكن استخدام هذه الأدوات بشكل تقني فقط ضد المهنة فتتحول الصناعة من ممثلين ومشاعر ومشاهد مؤثرة وأفكار من دم ولحم أمامك على شاشة السينما إلى مشاهد مبرمجة بأحدث التقنيات تشاهدها بانبهار بسبب دقتها والصور والألوان الخلابة التى تجعلك منبهراً فى كل لحظة.
التقدم المخيف فى تقنيتات الذكاء الاصطناعي بشكل يومي والبرامج التي يتم الإعلان عنها بشكل شبه أسبوعي والمنافسة الشديدة بين برامج إنتاج الفيديوهات عبر الذكاء الاصطناعي، مثل تطبيق Chat GPT الأمريكي و"DeepSeek" الصيني، والتطبيقات الاحترافية الأخرى مثل "VO3 AI Video" التابع لشركة جوجل وSynthesia وDeepBrain AI وHeyGen، وManus تعلن أننا فى مرحلة سينما الذكاء الاصطناعي وإنتاج أفلام كاملة عبر الذكاء الاصطناعي ويوضح شكل العالم القادم فى هذا المجال والصناعة الحيوية والمؤثرة فى مئات الملايين من البشر حول العالم.
وسيتحول مع الوقت وتدريجياً لوكيشن التصوير وجيش العاملين الذين يقفون وراء كاميرا تصوير مشهد واحد وتجهيز عشرات الساعات للخروج بمشهد Master Scene أو مشهد أكشن محكم إلى غرفة بها تكييف وشاشة لاب توب يجلس أمامها مبرمج شاطر يُخرج مشهدا سينمائيا فى بضع دقائق.
ولحماية صناعة السينما المصرية الأولى والأقوى فى المنطقة العربية والشرق الأوسط لا بد من الآن وليس أي وقت آخر أن يكون هناك استراتيجية وميثاق لاستخدام الذكاء الاصطناعي فى المجال الفني بمختلف مجالاته ويكون هناك رؤية خاصة وآليات لحوكمة هذه التقنيات للحفاظ على هذه الصناعة وتاريخ مصر الطويل من ممثلين ومخرجين ومنتجين لهم بصمة وتأثير عبر تاريخها الممتد.
ومن هنا أقترح على الدكتور أشرف زكي رئيس نقابة المهن التمثيلية، والدكتور مدحت العدل رئيس جمعية المؤلفين، ونقابة المهن السينمائية برئاسة المخرج مسعد فودة وجميع المبدعين عن هذه الصناعة الآتي:
• ضرورة عمل حوار مجتمعي بين المبدعين والفنانين حول شكل الصناعة مستقبلاً وآليات العمل فى ظل هذه التحديات الجديدة والتقنيات الحديثة وكيفية حماية المهنة والصناعة من استغلال هذه الأدوات بشكل يضر السينما والتليفزيون والمسرح.
• ضرورة تشكيل مجلس مشترك يجمع النقابات والجمعيات المهنية العاملة فى صناعة السينما والتليفزيون والمسرح ويقدم هذا المجلس المشترك ميثاقاً ورؤية واستراتيجية وطنية حول استخدام الذكاء الاصطناعي فى المجال الفني لحماية الصناعة المصرية.
• ضرورة حوكمة أدوات الذكاء الاصطناعي فى مجال السينما والتليفزيون بشكل لا يؤثر على الصناعة أو يضرها بل يعظم من أدواتها والاستفادة من هذه التقنيات الحديثة فى تطوير المهنة وليس العكس.
• إنتاج أفلام وثائقية عن الذكاء الاصطناعي وشكل المستقبل تهدف لنشر الوعي للمشاهد المصري والعربي وهو الدور الحقيقي للمبدعين المصريين، وكيفية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وفي نفس الوقت حماية أنفسنا والأجيال القادمة من خطورته.
• ضرورة أن يشارك المبدعون والنقابات والجمعيات المهنية فى شكل القانون الجديد للذكاء الاصطناعي بالتنسيق مع المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي حتي يكون هناك إطار تشريعي وقانوني يحمي هذه الصناعة مستقبلاً.
• اتخاذ إجراءات حاسمة ورادعة من قبل النقابات المهنية ضد من يسئ استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي ويضر الصناعة.
• التنسيق والتعاون بين النقابات والجمعيات المهنية وبين المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي حول آليات الذكاء الاصطناعي وعمل رؤية مشتركة ضمن الاستراتيجية الوطنية الحالية للذكاء الاصطناعي "2025 – 2030".
إن ملف الذكاء الاصطناعي مهم جداً ومفيد فى كل المجالات وفى نفس الوقت له خطورة كبيرة تضر أيضاً كل المجالات فلا بد أن يكون التعامل معه بشكل واعٍ ولا بد من نشر حقيقي لثقافة الذكاء الاصطناعي فى كل أنحاء مصر وفى الجامعات والمدارس وغيرها.
أخيراً.. الذكاء الاصطناعي أصبح حقيقة على أرض الواقع لا يمكن أن ينكرها أحد ولها تأثير خطير على الأطفال والأجيال القادمة.. فمن الآن وليس غداً لابد أن نتحرك بأقصى سرعة فى هذا المجال سواء فى نشر ثقافته أو وضع آليات حوكمته وعمل حوار مجتمعي حول القانون الجديد للذكاء الاصطناعي وهو ضرورة ملحة لحماية مستقبلنا جميعاً.
*حاصل على دكتوراة فى حوكمة الذكاء الاصطناعي