يتوق الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أبو مازن، إلى لحظة الاعترافات التاريخية بالدولة الفلسطينية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكنه يدرك بالتأكيد صعوبة أن يشهد تلك اللحظة عيانًا في نيويورك.
وقد ساهم التضييق الأمريكي على دخول حاملي جوازات السفر الفلسطينية لأراضي الولايات المتحدة في تعقيد المشهد، ما اضطر أبو مازن إلى السعي والتحرك “استباقيًا” من أجل تثبيت الالتزامات الغربية التي قطعتها عدة دول على رأسها فرنسا، والمملكة المتحدة، عبر زيارة مفاجئة هذا الأسبوع إلى العاصمة البريطانية لندن.
وذكرت صحيفة الإندبندنت البريطانية أنه منذ تولى منصبه، جعل الرئيس الفلسطيني فرصة حضور الجمعية العامة للأمم المتحدة والتحدث عن القضية الفلسطينية عادته السنوية، ومن على منبرها ألقى خطبًا لمدة لا تقل عن 20 دقيقة وتصل أحيانًا إلى ساعة، وكان من أبرزها كلمته عام 2011 حين أعلن طلب بلاده العضوية الكاملة.
لكن أبو مازن، التسعيني، المواظب على اعتلاء المنبر الأممي منذ 2005 قد يتخلف عام 2025 عن المشاركة بسبب قرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمنع الوفد الفلسطيني من دخول نيويورك، في تضامن فج مع إسرائيل تمثل في رفض مؤتمر “حل الدولتين”.
ونقلت “الاندبندنت” عن 4 دبلوماسيين ومسؤولين كبار في السلطة الفلسطينية حديثهم عن خفايا زيارة أبو مازن لبريطانيا وأولوياتها والمساعي القائمة لإقناع أمريكا بالتراجع عن قرار حظر التأشيرات، إضافة إلى الرسالة الفلسطينية إلى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو.
لقاء أبو مازن - ستارمر
التقى أبو مازن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر قبل أسابيع من الإعلان البريطاني المرتقب بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في الـ22 من سبتمبر الجاري، وبعد يوم من مقترح أمريكي لوقف إطلاق النار في غزة.
وكشف دبلوماسي فلسطيني مطلع على المحادثات لـ”الإندبندنت” عن أن الهدف الرئيس من زيارة أبو مازن إلى بريطانيا هو حشد أوروبا لإقناع الولايات المتحدة بالتراجع عن قرار منع الوفد الفلسطيني من دخول نيويورك.
وهناك مخاوف من أن يمارس الرئيس ترامب ضغطًا على بريطانيا لتؤجل الاعتراف بفلسطين، حينما يزور لندن في الـ17 من سبتمبر الجاري قبل أيام قليلة من عقد الجمعية العامة، ولهذا السبب، سارع الرئيس أبو مازن للذهاب إلى بريطانيا وبذل جهود استباقية لتثبيت الاعتراف البريطاني الذي من المقرر أن يواكبه اعتراف من فرنسا أيضًا التي تقود “مؤتمر حل الدولتين” بالشراكة مع السعودية.
مؤشرات إيجابية من لندن
في أعقاب تعيين إيفيت كوبر وزيرة للخارجية خلفًا لديفيد لامي هذا الأسبوع، سادت مخاوف فلسطينية من أن يسفر ذلك عن تغيير في الخطاب البريطاني تجاه إسرائيل الذي بدا أكثر تشددًا خلال فترة لامي، بخاصة وسط الضغوط اليمينية على ستارمر لتغيير هذا المسار.
وعزز المخاوف أيضًا سجل كوبر التي قادت إبان عملها وزيرة للداخلية المساعي الرامية إلى تصنيف منظمة “فلسطين أكشن” في قوائم الإرهاب، وهي مجموعة تقود تظاهرات حاشدة ضد إسرائيل في مختلف أنحاء بريطانيا.
لكن أبو مازن تلقّى من ستارمر رسائل طمأنة وتعهدات بأن بريطانيا ماضية في قرار الاعتراف وفق دبلوماسيين فلسطينيين.
ولم يتضح بعد ما إذا كانت لندن ستتدخل بالوساطة مع ترامب لرفع حظر التأشيرات، لكن الفلسطينيين يعولون على موقف الاتحاد الأوروبي الذي دعا واشنطن إلى التراجع والسماح للوفد الفلسطيني بدخول نيويورك.
وخلال حديث إلى “الإندبندنت”، قال المستشار السياسي للسلطة الفلسطينية منير الجاغوب إن بلاده حصلت على مؤشرات إيجابية من رئيس الوزراء البريطاني تؤكد الالتزام بالاعتراف الرسمي بدولة فلسطين هذا الشهر.
وتطرق اجتماع أبو مازن – ستارمر لمناقشة تمكين دولة فلسطين من تولي كامل مسؤولياتها وتنفيذ خطة للتعافي وإعادة الإعمار ووقف جميع الإجراءات الأحادية، بما في ذلك “توسيع الاستيطان الاستعماري وإرهاب المستوطنين وعمليات الضم”، وفق وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية.
وبينما يزور الرئيس الفلسطيني لندن، من المقرر أن يحط الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوج في العاصمة البريطانية اليوم الثلاثاء، وسط مطالب من شخصيات بارزة في حزب العمال لستارمر برفض الاجتماع معه تنديدًا باستمرار الحرب الإسرائيلية على غزة.
خلفيات الحظر الأمريكي
لم يمثل رفض الولايات المتحدة لـ”مؤتمر حل الدولتين” أدنى مفاجأة للفلسطينيين، لكنهم لم يتوقعوا أن تلجأ واشنطن إلى منع الوفد من دخول نيويورك.
وأشار بعضهم إلى أن المنع يظهر جدية وتأثير الاعترافات الغربية بدولة فلسطين، في حين لفت أحدهم إلى أن أكثر المسؤولين الإيرانيين تشددًا في أعين واشنطن سُمح لهم في أوقات سابقة بالمشاركة في الجمعية العامة، على رغم مطالب مسؤولين أمريكيين سابقين بمنعهم.
وقال دبلوماسي فلسطيني لـ”الإندبندنت” إن السلطة رفعت لواشنطن طلبات الدخول إلى الولايات المتحدة ولم تتلقَّ إخطارات رسمية برفضها، موضحًا أنهم عرفوا بقرار المنع عبر الإعلام بعد بيان وزارة الخارجية الأمريكية في الـ29 من أغسطس الماضي.
كما أشار إلى أن القرار لم يشمل الوفد الذاهب إلى نيويورك وحسب، بل حتى دبلوماسيين في البعثة الفلسطينية لدى الأمم المتحدة، على رغم أن الخارجية الأمريكية قالت إنها ستمنح البعثة استثناء من هذه الخطوة.
ووفق الدبلوماسي الفلسطيني، فإن السلطة الفلسطينية بحثت خيارات بديلة من بينها نقل المؤتمر إلى المقر الثاني للأمم المتحدة في جنيف، لكنها لم تتخذ قرارًا حول ذلك، في حين تواصل تحركاتها لحشد الغرب بهدف حث إدارة ترامب على إعادة النظر في قرارها الذي أعاد للأذهان منع ياسر عرفات من دخول نيويورك عام 1988.
وبعد أيام من القرار، سارع كبار المسؤولون الفلسطينيون ومن بينهم نائب الرئيس حسين الشيخ إلى التشاور مع دول عربية وغربية في مقدمتها السعودية حول المؤتمر، مطالبين الولايات المتحدة بالتراجع عن قرارها الذي اعتبرته السلطة خرقًا لاتفاق مقر الأمم المتحدة لعام 1947.
ويذكر دبلوماسي فلسطيني ثانٍ أن حسين الشيخ قرر بعد زيارته السعودية الأسبوع الماضي، بعث رسالة مباشرة إلى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، فنّد ضمنها الحجج الأمريكية لحظر التأشيرات، وأكد رفض السلطة لمعاداة السامية بخلاف مزاعم الخارجية الأمريكية ولا تشجع على الحلول العسكرية.
في المقابل، بررت إدارة ترامب قرارها المثير للجدل بأنه لتحميل السلطة الفلسطينية المسؤولية عن “عدم إدانة الإرهاب وهجوم السابع من أكتوبر”، منددة بمساعيها لنيل اعترافات أحادية بدولة فلسطين.
مقترح أمريكي لوقف حرب غزة
وتعقد المحادثات البريطانية مع كل من فلسطين وإسرائيل بعد قبول الأخيرة مقترحًا أمريكيًا حول وقف إطلاق النار، بالتزامن مع تهديدها بشن “إعصار” من الضربات على غزة لإجبار حركة “حماس” على الاستسلام والإفراج عن الرهائن في حين قالت الحركة إنها تدرس المقترح الأمريكي.
وأشار الرئيس الأمريكي إلى أن صفقة لغزة قد ترى النور قريبًا لإطلاق جميع الرهائن الذين تحتجزهم “حماس”، في حين قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر اليوم إن إسرائيل قبلت المقترح الأمريكي ومستعدة لقبول اتفاق شامل لإنهاء الحرب، يشمل الإفراج عن الرهائن وإلقاء الحركة لسلاحها.
وطوال فترة الصراع، تعثرت الجهود المبذولة للتفاوض على إنهاء الحرب بسبب اشتراط إسرائيل أن تفرج “حماس” عن جميع الرهائن وتتخلى عن سلاحها، وتقول الحركة إنها لن تسلم سلاحها قبل أن تكون للفلسطينيين دولتهم المستقلة.