في العاشر من سبتمبر من كل عام، يحيي العالم "اليوم العالمي لمنع الانتحار"، في محاولة جادة لكسر حاجز الصمت، وتسليط الضوء على واحدة من أكثر القضايا النفسية والإنسانية تعقيدًا.
لا تُقاس خطورة الانتحار بعدد الأرواح التي تُزهق فقط، بل بما يُخلفه من أثر دائم في قلوب الأهل والأصدقاء والمجتمع بأكمله، وتدعو منظمة الصحة العالمية إلى مواجهة الانتحار بالحوار، والتوعية، والدعم النفسي الفعّال، مؤكدة أن أكثر من 700 ألف شخص ينهون حياتهم سنويًا، رغم إمكانية إنقاذ معظمهم لو تلقوا الدعم في الوقت المناسب.
من المأساة إلى التغيير.. حكايات حقيقية صنعت فارقًا
أنقذ الشرطي الأمريكي السابق "كيفن بريجز" الأرواح بالكلمات والاقناع، فعلى مدى أكثر من 20 عامًا، خدم بريجز في دورية الجسر الشهير "جولدن جيت" في سان فرانسيسكو، وتمكّن من إقناع أكثر من 200 شخص بالعدول عن فكرة الانتحار.
لم يحمل سوى صوته، وصبره، وقدرته على الاستماع، وحكي في لقاء مع صحيفة "ذا صن" كيف أن أغلب من قابلهم لم يرغبوا في الموت، بل فقط أرادوا إنهاء الألم، وتحولت قصته إلى مصدر إلهام، وأسهمت جهوده في الضغط من أجل تركيب شبكة حماية تحت الجسر، دخلت حيّز التنفيذ عام 2023، وساهمت في تقليل حالات الانتحار إلى النصف تقريبًا.
ناشط عالميً في الوقاية من الانتحار
في عام 2000، قفز "كيفن هاينز"، شاب يبلغ من العمر 19 عامًا، من نفس الجسر بسبب معاناته مع اضطراب ثنائي القطب، وقد نجا بأعجوبة، ولحظة سقوطه قال لنفسه "كل ما كنت أريده هو شخص يقول لي: هل أنت بخير؟" بعد نجاته، كرّس حياته للحديث عن الصحة النفسية، وأصبح ناشطًا عالميًا في الوقاية من الانتحار، مؤكّدًا أن "دقيقة من الإنصات قد تساوي حياة".
ومن أوغندا، تظهر قصة "إينرين"، التي فقدت والدتها في طفولتها، وعاشت تحت وطأة العنف والفقر، فاقتربت من فكرة الانتحار أكثر من مرة، حتى حضرت جلسة دعم نفسي تحت شجرة، مع منظمة إنسانية، وهناك عندما قالت لها المرشدة "أنتِ لستِ وحدكِ"، تغير كل شيء، فاختارت الحياة، واليوم تعمل متطوعة لدعم من يمرون بتجارب مشابهة.
الاحتواء والاستماع
في اسكتلندا، تروي "أدريين" كيف أنها كانت تقول دومًا "أنا بخير"، رغم شعورها بالعكس تمامًا، وقد استجمعت شجاعتها، وتحدثت مع إحدى صديقاتها، فحصلت على الدعم المناسب، وبدأت رحلة التعافي، وتقول الآن "الصمت لا يقتل فقط من يعاني، بل من يراه ولا يسأل".
تُعلّمنا هذه القصص أن الكلمات، والاحتواء، والاستماع، أدوات لا تقل أهمية عن العلاج الطبي، ففي اليوم العالمي لمنع الانتحار، لنُبدِ استعدادًا لأن نكون هذا "الشخص الواحد" الذي يصنع الفرق، ولا ننسى أن الوقاية تبدأ بالحوار، وأن كل روح تُنقذ تكتب فصلاً جديدًا في رواية اسمها "الحياة".