رفضت مصر الضغوط الإسرائيلية، ووبادرت بدراسة بدائل متنوعة لتدبير احتياجاتها من الغاز، متمسكةً بموقفها الرافض للتهجير الذي اعتبرته "خطًا أحمر"، لا سبيل لتجاوزه.
وسلطت صحيفة آراب ويكلي اللندنية الضوء على بدء القاهرة باستكشاف بدائل متعددة لتنويع مصادرها من الغاز، وتجنب الخضوع لأي ضغوط من قبل أي جهة بما في ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وكشفت مصادر مصرية للصحيفة أن القاهرة أخذت التهديدات الإسرائيلية على محمل الجد، بشأن ربط حصول مصر على إمدادات الغاز بتغير موقفها السياسي تجاه غزة، وخاصةً رغبة تل أبيب في فتح الحدود للسماح للاجئين الفلسطينيين بدخول سيناء، وهي خطوة تعتبرها مصر خطًا أحمر.
وأضافت المصادر أن مصر بدأت في استكشاف بدائل متعددة لتنويع مصادرها من الغاز، وتجنب ضغوط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يهدف إلى تصوير مصر على أنها ضعيفة.
ويجري البحث عن بدائل على أعلى المستويات للتأكيد على أن مصر لا تخضع في قراراتها لأي طرف خارجي، واستعرض اجتماع عقد مؤخرًا بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ووزير البترول كريم بدوي، جهود تعزيز الإنتاج المحلي من النفط والغاز، وتطوير البنية التحتية لتأمين احتياجات البلاد من الطاقة.
وخلال الاجتماع، حدد وزير البترول خطوات تنفيذ استراتيجية لتحويل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة، إلى جانب خطة طاقة متكاملة ومستدامة تمتد حتى عام 2040.
وأبرز اهتمام الشركات العالمية المتزايد بالاستثمار في مصر خلال الأشهر الأخيرة، مما يعكس الثقة في مناخ الاستثمار في البلاد وفرصها الواعدة.
وقالت صحيفة تورنتو ستار الكندية: "تسعى مصر إلى التأكيد على أن اتفاقية الغاز الكبرى التي أبرمتها مع إسرائيل وُقّعت كشراكة قائمة على التبادل والمصالح المتبادلة، وليس كآلية لكسب التأييد السياسي، كما تُلمّح إسرائيل، وهو موقف أثار غضب القيادة المصرية".
وفي الأيام الأخيرة، هددت إسرائيل بتعطيل اتفاقية غاز كبيرة أبرمتها مع مصر لانتزاع تنازلات سياسية بشأن خططها لما بعد غزة وجهودها الحالية لتهجير سكانها.
وقد نُشرت هذه التهديدات عبر وسائل الإعلام، لاختبار موقف القاهرة من الإجراءات الإسرائيلية في القطاع.
ووفقًا لصحيفة "إسرائيل توداي" الإسرائيلية، يعتزم نتنياهو ووزير الطاقة إيلي كوهين إعادة النظر في اتفاقية الغاز الضخمة الموقعة مع مصر في أغسطس دون توضيح ما إذا كانت هذه الخطوة ستتوافق مع العقد الحالي والتزاماته القانونية في حال إنهائه أو تعطيله.
واهتمت الصحيفة التي تصدر في لندن بوصف رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، نتنياهو بـ"المُضلّل"، مُتحدّيًا إياه بإلغاء اتفاقية الغاز الموقعة مع القاهرة عام 2019 والمُمتدة حتى عام 2040، "إذا كان قادرًا على تحمّل العواقب الاقتصادية، لا السياسية فحسب".
وانتقد المسؤولون المصريون بشدة سياسات إسرائيل في غزة، وخاصةً فكرة تهجير الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية، مُرسلين إشارة واضحة إلى أن التهجير القسري "خط أحمر"، وكان وزير الخارجية بدر عبد العاطي قد نفى الادعاءات القائلة بأن تهجير الفلسطينيين طوعي، ووصفها بأنها "هراء"، ردًا على تأكيدات نتنياهو بأن مصر تنوي احتجاز السكان الراغبين في مغادرة غزة.
وقد كرر الرئيس السيسي التأكيد على أنه "لن يكون هناك تهجير للفلسطينيين من غزة إلى مصر"، مشددًا على أن هذا "خط أحمر".
ورصدت الصحيفة بدء مصر في تحويل مناقشات البدائل من الخطاب الإعلامي إلى أفعال ملموسة، في أعقاب زيارة وزير الخارجية ووزير البترول إلى نيقوسيا، العاصمة القبرصية، حيث استقبلهما الرئيس نيكوس خريستودوليديس، وأجريا محادثات مكثفة لتعزيز التعاون في مجال الطاقة والغاز، بما في ذلك ربط حقول الغاز القبرصية بالبنية التحتية المصرية.
وأكد عبد العاطي على أهمية تعزيز التعاون في مجال الطاقة، بما في ذلك التكامل الكامل لحقول الغاز القبرصية مع مصر، بما يتماشى مع الاتفاقيات الموقعة في القاهرة مطلع هذا العام بحضور الرئيس القبرصي، إلى جانب تنفيذ مشروع الربط الكهربائي.
وتعتمد مصر حاليًا على استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل لتلبية جزء من احتياجاتها المحلية، وخاصةً لتوليد الكهرباء والصناعة، حيث تستورد حوالي 10% من إجمالي الغاز عبر خطوط الأنابيب من حقلي ليفياثان وتمار.
ومع ذلك، انخفض الإنتاج المحلي إلى 4.4 مليار قدم مكعب يوميًا، مقارنةً بالطلب الصيفي البالغ سبعة مليارات قدم مكعب، مما يُبرز الحاجة إلى بدائل استراتيجية.
وتسعى مصر أيضًا إلى استيراد الغاز الطبيعي المسال من دول مثل قطر والجزائر، بالإضافة إلى شركات عالمية مثل هارتري وفيتول وأرامكو.
وقد أجرى وزير البترول محادثات مع قطر لتأمين عقود طويلة الأجل، مما يوفر بديلًا موثوقًا ومستدامًا.
كما تخطط مصر لنشر وحدات تخزين وإعادة تغويز عائمة لتحويل الغاز الطبيعي المسال إلى غاز طبيعي، مما يعزز قدرتها على تلبية الطلب المحلي.
ويجري العمل على خطط لزيادة الإنتاج المحلي من خلال استكشاف حقول جديدة، ومن المتوقع أن تستغرق الاكتشافات المحتملة في البحر الأبيض المتوسط من ثلاث إلى أربع سنوات لدخول الإنتاج، مما يوفر حلًا طويل الأجل.
بالإضافة إلى ذلك، تستثمر مصر في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مثل مشروع بنبان، لتقليل الاعتماد الكلي على الغاز، وتعزيز الاستدامة، وتخفيف الضغط على إمدادات الطاقة.