دعا حزب الشعب الجمهوري (CHP)، وهو الحزب المعارض الرئيسي في تركيا، المواطنين والمقيمين في إسطنبول إلى التظاهر والاحتجاج، بعد أن وضعت الشرطة حواجز في مناطق حول مقره بالمدينة، في ما وصفه زعيم الحزب بـ"الحصار"، وكان الحزب المعارض هدفًا لحملة قمع قضائية مستمرة منذ أشهر، طالت المئات من أعضائه، بمن فيهم عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو، المنافس السياسي الرئيسي للرئيس رجب طيب أردوغان، الذي أثار اعتقاله في مارس الماضي أكبر احتجاجات شوارع في تركيا منذ عقد من الزمان، وفقًا لصحيفة "تركش مينت".
وقد نفى حزب الشعب الجمهوري جميع التهم الموجهة إلى كوادره وأعضائه، وأكد أن الإجراءات القانونية التي تلجأ إليها الحكومة ما هي إلا محاولات مسيسة للقضاء على التهديدات الانتخابية لأردوغان وإضعاف المعارضة.
بدأت أحدث الإجراءات ضد حزب الشعب الجمهوري عندما أمرت محكمة بإقالة رئيس فرع الحزب في إسطنبول بسبب مخالفات مزعومة في مؤتمر للحزب عام 2023.
وخلال حديثه في فعالية للحزب في إسطنبول، دعا رئيس الحزب أوزغور أوزيل الأتراك إلى التجمع والتظاهر ضد قرار المحكمة وحملة القمع ضد حزبه، بالإضافة إلى الإجراءات التي اتخذتها الشرطة لوضع حواجز حول المقر وتقييد وصول الجمهور إليه.
وقال: "من هنا، أدعو كل الديمقراطيين وأعضاء حزب الشعب الجمهوري الذين تصلهم كلماتي وصوتي، لحماية بيت أتاتورك في إسطنبول"، في إشارة إلى مؤسس تركيا الحديثة، مصطفى كمال أتاتورك.
وأضاف: "يا للعار على من حاصروا بيتنا بالشرطة، ومن جلبوا القوات الخاصة إلى مقرنا في إسطنبول... وعلى من يحاولون إلغاء مؤتمرنا في إسطنبول عبر محاكم غير مصرح بها وتعيين موظف تابع لهم".
كما دعا الجناح الشبابي للحزب جميع سكان إسطنبول للتجمع في المقر الإقليمي للحزب. وقال الحزب إنه سينظم مظاهرة أخرى أمس الاثنين.
وفي المقابل، قال وزير الداخلية علي يرلي كايا إن المحكمة كانت قد قررت في حكمها يوم الثلاثاء تعيين وفد مؤقت لإدارة فريق حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول، وأن تجاهل هذا القرار يعد عرقلة للعدالة. وجاءت تصريحاته بعد أن قال أوزيل إن هذا التعيين باطل ولاغٍ بالنسبة للحزب.
وأضاف يرلي كايا على منصة "X": "تجاهل أحكام المحكمة ومحاولة دفع الناس إلى الشوارع هو تحدٍ صريح للقانون. لا أحد فوق القانون. والدولة ستفعل ما هو ضروري ضد أي مبادرة غير قانونية بكل حزم"، مؤكدًا أنها "لن تسمح أبدًا" بحدوث اضطراب في النظام العام.
وفي سياق متصل، وجد المحامون الأتراك، الذين يدافعون عن حقوق الإنسان أو يمثلون موكلين يتحدون سياسات الدولة، أنفسهم بشكل متزايد في مرمى نيران حملة القمع التي تشنها الحكومة على حزب المعارضة الرئيسي.

قمع مستمر ضد المعارضة
صرح إبراهيم كاب أوغلو، رئيس نقابة المحامين في إسطنبول، أن ما لا يقل عن عشرة محامين متخصصين في الدفاع وحقوق الإنسان قد سُجنوا أو اعتُقلوا في إسطنبول وحدها منذ بداية "هذا العام الأسود".
وأشار إلى أن محمد بهليفان، الذي كان يمثل عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو، وجد نفسه مسجونًا بعدما سُجن موكله في مارس في إطار تحقيق في قضايا فساد تعتبرها المعارضة ملفقة، وذات دوافع سياسية. وبعد أيام قليلة فقط، اعتُقل محامي بهليفان نفسه، واصفًا هذه الخطوة بأنها "ترهيب".
وقد واجه كاب أوغلو نفسه وأعضاء مجلس إدارته إجراءات قانونية بعدما أقيلوا في مارس الماضي من قبل المدعين الذين اتهموهم بـ"نشر دعاية إرهابية" و"معلومات كاذبة".
وقال كاب أوغلو: "يواجه المحامون الأتراك ضغوطًا لم يسبق لها مثيل". وقد أدانت اثنتا عشرة منظمة قانونية وحقوقية القضية المرفوعة ضد نقابة المحامين، واصفة إياها بأنها "اعتداء مباشر" على استقلالية مهنة المحاماة.
وعلق مدير مشروع دعم التقاضي في مجال حقوق الإنسان في تركيا، عائشة بينجول دمير، بأن "الإجراءات الجنائية والمدنية ضد المجلس التنفيذي لنقابة المحامين في إسطنبول هي بمثابة انتقام لمشاركتهم في أنشطة قانونية قائمة على الحقوق".
ولم يقتصر الأمر على إسطنبول، فالمحامون خارجها يتعرضون للاحتجاز أيضًا. فقد اعتُقل سبعة محامين في إزمير، ثالث أكبر مدينة تركية، في مارس، بعدما كانوا يدافعون عن أشخاص اعتُقلوا خلال الاحتجاجات على إقالة إمام أوغلو.
وقال جوكسيل أكبابا، أحد المحامين المعتقلين، إنه لم يتم إخباره أبدًا بسبب اعتقاله، مضيفًا: "لا يمكن تفسير الزيادة في اعتقال المحامين وسجنهم إلا بالضغط المتزايد والهجمات على المجتمع (المدني) التركي ككل".
وفي أبريل الماضي، دق تحالف دولي من المحامين ونقابات المحامين ومنظمات حقوقية ناقوس الخطر بشأن "الهجمات المتصاعدة" من جانب أنقرة على مهنة المحاماة.
وقد وصفت الهجمات بأنها "إهانة لاستقلالية مهنة المحاماة وسيادة القانون"، وحثت المجتمع الدولي على إدانة إساءة استخدام السلطات التركية للنظام القضائي.
ووفقًا لأرقام قدمتها عدة جمعيات، فقد سُجن عدة مئات من المحامين في السنوات الأخيرة، واتُهم العديد منهم بنفس التهم الموجهة إلى موكليهم، وذلك باستخدام قوانين واسعة النطاق لمكافحة الإرهاب.
وفي أغسطس 2020، توفيت إبرو تيمتيك، التي سُجنت بتهمة "الانتماء إلى منظمة إرهابية"، في سجن بإسطنبول بعد إضراب عن الطعام دام لأشهر للمطالبة بمحاكمة عادلة، وهو ما أثار انتقادات عميقة من قبل الاتحاد الأوروبي.