تكتيكات الجماعة المتطرفة المرتبطة بالمنطقة تزامنت مع إنشائهم منصة ميدان والدعوة للعمل المسلح
الإخوان المسلمون هم البطل الرئيسي في خطة الشرق الأوسط الجديد؛ سواء بتداعياته والتي بدأت بطوفان الأقصى في 7 أكتوبر عام 2023، أو من خلال تقديم أنفسهم للولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل، التي أعلنت أكثر من مرة أنّ هناك شرق أوسط جديدا على خلفية حروبها الأخير خلال العامين الماضين.
صحيح الشرق الأوسط الجديد أو المتخيل هو نتيجة فعليّة لطوفان الأقصى وتداعياته، حيث الحرب الإسرائيلية التي استمرت أكثر من 22 شهرًا ومازالت مستمرة؛ ولكن المفارقة أنّ واشنطن وتل أبيب ليس لديهما مانع من التعامل مع الإخوان المسلمين أو الجماعات الإسلاموية عمومًا في الملامح الجديدة لهذا الشرق، وهناك شواهد كثيرة على ذلك.

حماس هي ابن شرعيّ لجماعة الإخوان المسلمين باعترافات قادة الحركة والذين دونوا ذلك في اللائحة الأساسية للحركة، صحيح تحففوا منها ولكن هذه العلاقة مازالت قائمة بدليل حضور خالد مشعل لاجتماعات التنظيم الدولي والسلوكيات المتبادلة بين الحركة والجماعة الأم.
الموقف الإسرائيلي من حماس يُعني أنّ هذا الموقف ليس بالتبعية ينطبق على الجماعة الأم وقيادتها في القاهرة أو في الخارج، ولا فرع التنظيم داخل الخط الأخضر؛ فهناك ممثلون للجماعة داخل تل أبيب نفسها! كما أنّ إسرائيل سبق ونسقت مع حركة حماس في مواقف كثيرة داخل قطاع غزة بما يؤكد العلاقة بينهما في الشكل المشار إليه، حتى أنها سهلت دخول أموال كثيرة لحركة حماس في القطاع، وربما تحمست لذلك.
ولذلك العلاقة بين الإخوان المسلمين وإسرائيل مبنيّة على المصلحة؛ صحيح يبدو أنّ كل مشروع مختلف عن الآخر، ولكن الحقيقة المبنية هي الأخرى على شواهد متنوعة أنّ كل مشروع يحتاج إلى الآخر، وهنا يبدو التعاون والتخادم ما بين إسرائيل الدولة من جانب الإخوان المسلمين من جانب آخر.
وهذا بدا بصورة أكثر وضوحًا، من موافقة إسرائيل من خلال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير على مظاهرة دعا إليها الإخوان المسلمين داخل الخط الأخضر وتحديدًا أمام مقر السفارة المصرية في تل أبيب، بحجة أنّ مصر ترفض إدخاج المساعدات إلى الفلسطينيين.
وللمناسبة، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو غرد في هذا السياق حيث قال كلامًا يفهم منه، أنّ غلق المعبر من الجانب المصري وليس الجانب الفلسطيني الذي تحتله إسرائيل، وهنا يبدو السفه والسطحية وتسطيح ما هو مفهوم، ولكن يبقى أنّ مصلحة تجمع إسرائيل والإخوان المسلمين، ربما دفعت الأخيرة للتظاهر أمام السفارة المصرية في تل أبيب.
هذه المظاهرة وافق عليها كما ذكرنا الوزير اليميني المتطرف في حين طلب من متظاهري الإخوان رفع الأعلام الإسرائيلية في الاحتجاج المشار إليه؛ والموافقة تأتي في سياق الضغط على الحكومة المصرية التي رفضت تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وهنا يبدو التخادم في المصالح بين الإخوان وإسرائيل.

وقد تكون هناك قنوات مشتركة بين الجانبين أدى إلى التنسيق في التظاهر أمام السفارة المصرية في تل أبيب، حيث فوجئنا بعدها وفي خطبة جمعة لأحد قيادات الإخوان في تل أبيب ويدعى، كمال الخطيب، ينتقد الرئيس المصري محمد محمد أنور السادات، ويكيل للرئيس الشهيد اتهامات كثيرة؛ رغم أنه صاحب قرار الحرب وقائد ملحمة الانتصار على إسرائيل في العام ١٩٧٣؛ فالرجل يُغازل الحكومة الإسرائيلية وربما الحركة الصهيونية في انتقاد أعدى أعدائهم التاريخيين.
وهناك تقارب في الوقت الزمني بين المظاهرة التي ندد فيها "إخوان تل أبيب" بالسياسات المصرية، حيث جاء بعدها مباشرة خطبة الجمعة لنائب رئيس الحركة الإسلامية والتي تمثل الإخوان المسلمين، حيث قام الأخير بمغازلة إسرائيل من خلال الهجوم على الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، وكلها مشاهد متقاطعة.
شرق أوسط جديد أم شرق جديد للإخوان؟
الإخوان المسلمون قدموا أنفسهم للقيام بهذا المشروع مرتين، كما أنهم قدموا أنفسهم للأمريكان عشرات المرات، أحدهما عندما أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس، بأنّ هناك شرق أوسط جديدا، وهنا هب الإخوان للفوضى الخلاقة التي قد تجعلهم في صدارة المشهد؛ وربما هذه الرغبة تحققت بعد سنوات طويلة ونجح الإخوان بالفعل في الوصول إلى سدة الحكم في مصر في العام ٢٠١٢ وفي عدد من الدول العربية.
المرة الثانية التي قدم الإخوان فيها أنفسهم لمشروع الشرق الأوسط عندما أعلنت إسرائيل في ظل حربها على قطاع غزة وحربها ضد إيران وأذرعها في المنطقة العربية أنها تًعيد رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط، وهنا كان الإخوان المسلمون أول من فهموا الرسالة وتفاعلوا معها في نفس الوقت، ولعل مظاهرات الإخوان المسلمين أمام السفارات المصرية خير دليل، كما مظاهرتهم أمام السفارة المصرية في تل أبيب.
ولفهم هذا المشهد بصورة أكبر علينا أنّ نتذكر تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو والذي أكد أكثر من مرة أنّ بلاده هي التي أزاحت النظام السوري السابق، وبالتالي أتت بالممثلين الجدد في النظام الجديد في العاصمة السورية دمشق، وهنا بدأ الإخوان في أكثر من دولة يُحاولون استلهام تجربة التغيير في سوريا.
استلهام التجربة السورية له بعدان، أحدهما مرتبط بالفعل الثوري المسلح، الذي انتهجته هيئة تحرير الشام، والثاني مرتبط بالتنسيق مع إسرائيل التي قررت تغيير هذا النظام، فكان ميلاد هيئة تحرير الشام، والتي تسلمت السلطة مباشرة، فإسرائيل هي من رسمت صورة الحكم في سوريا وهي من قامت بالتغيير كما أكدت أكثر من مرة على ذلك.

وهذا يبدو واضحًا في تغيير الإخوان تكتيكاتهم الهجومية؛ فقد نجحوا في إنشاء منصة ميدان، والتي يدعون فيها للعمل المسلح في مصر، ودعا أحد قادتها محمد إلهامي إسرائيل إلى احتلال مصر، صحيح هذه التصريحات قديمة ولكنها كانت تقرأ دور إسرائيل وأهميتها في مرحلة الانقلاب على السلطة السياسية في مصر.
قال إلهامي، إن زوال نظام نتنياهو أهون على الأمة من زوال نظام السيسي، كما أنه قال أيضًا،: إنّ زوال النظام السياسي في مصر أحد إيجابيات الاحتلال الإسرائيلي، ويعني هنا، أنّ من فائدة الاحتلال الإسرائيلي أنّ يخلصك من النظام السياسي، ويكأنه يقول لإسرائيل، ليس لدينا مانع من أنّ تحتلي سيناء في مقابل إزاحة النظام السياسي، كما أنّ النظام في سوريا وافق على احتلال جبل الشيخ ولم يقاوم إسرائيل.
وهنا يعرض الإخوان صراحة دخول إسرائيل في حرب مع مصر، وهم سوف يمثلون جبهتها في الداخل، مقابل أنّ يصلوا للسلطة، وهذه مباشرة في العرض وليست مجرد معارضة يفهم منها الطلب، هؤلاء هم الإخوان وهذه هي أهدافهم التي لم يخفوها ولكنهم يُراهنون عليها.
وهنا الإخوان ليس عندهم ولا لديهم مانع من احتلال البلاد مقابل إزاحة النظام السياسي، بعدما تمردوا عليه ولم ينجحوا في تحقيق ما أرادوا، فهذه قد تكون الطريقة الوحيدة أمامهم، وضع أيديهم في يد الأمريكان والإسرائيليين من أجل رسم شرق أوسط جديد أو رسم شرق جديد للإخوان.
رسائل تل أبيب وواشنطن للإخوان
قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإرسال أكثر من رسالة إلى الإخوان المسلمين؛ حيث خرجت تصريحات على لسان متحدثة البيت الأبيض أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ينوي وضع الإخوان المسلمين على قوائم الإرهاب وإنّ كان الأمر سوف يتأخر نظرًا للإجراءات، وهنا مغازلة على طريق التهديد، بحيث تلتزم الجماعة بكل ما تريده واشنطن حتى لا يتم وضعهم على قوائم الإرهاب.
هذا التصريح تكرر أكثر من مرة على لسان المتحدثه باسم البيت الأبيض، كما أنّ وزير الخارجية الأمريكية، ماركو روبيو أشار إلى أنّ واشنطن ترغب في وضع الإخوان عى قوائم الإرهاب السوداء، والحقيقة التي يُريد أنّ يوصلها روبيو للإخوان أنّ أمامكم طريقين، إما أنّ تكون أداة في يد واشنطن وتل أبيب في رسم الشرق الأوسط الجديد أو يتم وضع تنظيمكم على القوائم السوداء للإرهاب.
هذه الرسائل كانت واضحة للإخوان المسلمين ولذلك ترجموها في مواقف كثيرة وسلوكيات عبر عن تفهمهم، ولعل التنظيم مر بعدد من التحولات أهمها العلاقة المشار إليها بين الإخوان وإسرائيل، وهو يُريد أنّ يقول أنه لا مانع لدينا من التنسيق والتعاون معكم.
رسائل إسرائيل للإخوان لم تنقطع، ولعلها كانت أكثر سرّية وغموضًا بخلاف رسائل الولايات المتحدة الأمريكية الواضحة والصريحة، ولكن سلوكيات الإخوان قد تفضحهم وربما تُشير وتُؤكد هذه العلاقة، فالإخوان أعلنوا أنهم يستعدون لمواجهة النظام السياسي والأمني، سواء بعمليات مسلحة، وتفكيك خليّة لحركة حسم في مصر قبل شهرين، فضلًا عن مظاهرات الإخوان أمام السفارات المصرية في الخارج، من باب الضغط عليها، وهو يوازي الضغوط التي تمارسها واشنطن وتل أبيب على القاهرة في نفس الوقت.
ولتأكيد ذلك، نذكر أنّ التعاون والتنسيق الذي تم بين ممثلين عن النظام السوري وإسرائيل خلال أكثر من عشرة أشهر يؤكد أنّ إسرائيل ليس لديها مانع أو حاجز نفسي من التعامل مع الإخوان المسلمين والتنسيق بخصوص كل الملفات، فقد حصلت الأخيرة على الأرشيف الخاص بالكامل لإيدي كوهين العميل الإسرائيلي، وما كان لإسرائيل أنّ تحصل على المقتنيات الشخصية لهذا العمل إلا من خلال النظام السياسي الحالي في سوريا، وهو يدل على التنسيق والتعاون الكامل.
ولعل عدم الممانعة هو بمثابة رد على الرسالة الإسرائيلية، وفي مرات يهرول البعض تجاه إسرائيل، فقد يكونون هم من عرضوا على إسرائيل تسلم مقتنيات العميل الإسرائيلي، من باب أننا لا مانع لدينا من التنسيق معكم في أي وقت وخلال أي موضوع، وهذا قد يكون إعلان دعم وتنسيق ربما يخفى على كثير من الناس، فهذه تبدو الصورة الواضحة في العلاقة بين الإخوان وتل أبيب.
الخلاصة
ربما الحروب والصراعات في منطقة الشرق الأوسط تُؤدي إلى تغيير ملامحه؛ خاصة وأنّ إسرائيل انتصرت في الحرب التي دخلتها ضد إيران وأذرعها في المنطقة، صحيح المواجهة لن تكون في صالحها لو قررت أنّ تكون المواجهة المرة المقبلة مع مصر، لكن مفهوم أنّ خريطة الشرق الأوسط تتغير بصورة طبيعية ويُضاف لهذا وذلك رغبة إسرائيل في تغيير ملامحها.
لابد من مواجهة التيارات الإسلاموية التي تستخدمها إسرائيل كأداة في تحقيق هدفها في إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط؛ ولابد أنّ المواجهة موزعة بين إسرائيل الدولة في مخططها وبين مواجهة المخطط نفسه وبين مواجهة التيارات الإسلاموية التي تستخدمها إسرائيل لتحقيق هدفها.
لابد أنّ تقطع أنامل هذه التيارات التي تُساعد إسرائيل في رسم خريطة إزالة الأنظمة والشعوب والدول، بحيث تبقى إسرائيل الدولة الأكبر والأهم، تتمدد بينما تُصبح الدول القوية ضعيفة وواهية لمجرد أنّ تحصل هذه الأنظمة على بعض المكاسب التي ترتبط بوصولها للسلطة.
لابد من تنسيق للمواجهة بين الدول التي تسعى إسرائيل لإزالتها من أجل أنّ تتمدد على حسابها، إدراك الخطر جزء مهم من نجاح المواجهة، خاصة وأنّ هذه التنظيمات باتت تنسق مع إسرائيل وأمريكا بصورة علنية.
