أخبار عاجلة
عاجل|رئيس وزراء اليابان يقرر التنحي من منصبه -

أميركا تشعل حرباً في قارة أخرى.. حين تتحول "الدفاع" إلى "هجوم"

أميركا تشعل حرباً في قارة أخرى.. حين تتحول "الدفاع" إلى "هجوم"
أميركا تشعل حرباً في قارة أخرى.. حين تتحول "الدفاع" إلى "هجوم"

في عالم يتغير بسرعة لا تُصدق، حيث تختلط الحقائق بالرموز وتتشابك الخرائط السياسية مع خرائط النفوذ العسكري، أفاق العالم على خبر بدا في ظاهره شكلياً، لكنه في جوهره يعكس تحوّلاً خطيراً في فلسفة القوة الدولية: قرار الرئيس الأميركي بإعادة تسمية وزارة الدفاع إلى "وزارة الحرب". ليس الأمر مجرد تبديل لغوي في مؤسسة عسكرية بيروقراطية، بل إعلان عن مرحلة جديدة، عنوانها أن واشنطن لم تعد ترغب في تبرير قوتها بأنها دفاعية، بل تعترف بأن الحرب صارت أداتها الأولى لإدارة النظام العالمي.

إنها خطوة تحمل أبعاداً رمزية وفلسفية عميقة. فالدفاع في جوهره فعل اضطراري لحماية الذات، بينما الحرب فعل هجومي يعكس رغبة في السيطرة والتوسع. وعندما تتخلى القوة العظمى الأولى في العالم عن مفهوم "الدفاع" لتتبنى صراحة "الحرب"، فهذا يعني أن العالم يتجه إلى مرحلة جديدة، حيث تصبح القوة العارية هي المعيار، لا المواثيق ولا الدبلوماسية.

-الكاريبي.. ساحة جديدة لصراع قديم--

لم يكد العالم يستوعب وقع هذا التحول حتى بدأت إشارات أخرى تظهر في الجغرافيا القريبة من الولايات المتحدة. الكاريبي وفنزويلا تحديداً، تحولت إلى مركز استقطاب جديد.فمنذ عقود، تنظر واشنطن إلى أميركا اللاتينية باعتبارها "الحديقة الخلفية"، حيث لا يُسمح لأي قوة خارجية بالاقتراب. واليوم، ومع تنامي حضور روسيا والصين في القارة اللاتينية، جاء قرار التحشيد العسكري الأميركي ليعيد إلى الأذهان أشباح الحرب الباردة.

--لقد دفعت واشنطن بحشود عسكرية غير مسبوقة نحو جنوب الكاريبي: مدمرات صواريخ، غواصات نووية، طائرات استطلاع متطورة، وأسراب من المقاتلات الحديثة من طراز "إف- 35" المتمركزة في بورتوريكو شمال فنزويلا. هذه ليست مجرد استعراض قوة، بل استعداد لمعركة محتملة. الخطاب الرسمي يتحدث عن "محاربة شبكات المخدرات"، لكن كل المؤشرات تشير إلى هدف أعمق: إعادة تشكيل النظام السياسي في كاراكاس، وإزاحة نظام مادورو الذي يرفض الخضوع للإملاءات الأميركية.

--فلسفة ترامب: القوة فوق القانون --

في تصريحات سابقة، قال الرئيس الأميركي بوضوح: "لماذا ندافع بينما يمكننا الهجوم؟". إنها جملة تلخص عقيدته السياسية، حيث تتحول الحرب من خيار أخير إلى أداة أولى. ولعل إعادة تسمية الوزارة لم تكن سوى انعكاس لهذه الفلسفة. فالحروب، في المنظور الترامبي، ليست كارثة، بل وسيلة لإعادة التوازن الدولي.

--ولعل ذلك ما يفسر التحركات المتسارعة نحو فنزويلا. فالمسألة لا تتعلق بمكافحة المخدرات كما يُروَّج، بل بمحاولة قطع الطريق أمام تمدد الصين وروسيا في القارة اللاتينية. فالصين تسعى إلى الاستثمار في النفط الفنزويلي الهائل، وروسيا توفر الدعم العسكري والسياسي لنظام مادورو. ومن ثم، فإن ضرب فنزويلا هو ضرب لخصوم واشنطن في قلب مجالها الحيوي.

--النفط.. كلمة السر الدائمة--

حين نتأمل المشهد بعمق، نجد أن كلمة السر تكمن في النفط. فنزويلا تملك واحداً من أكبر احتياطيات النفط في العالم. السيطرة على هذا المورد الاستراتيجي تمنح واشنطن أوراق قوة اقتصادية وجيوسياسية، وتمنع في الوقت ذاته وصوله إلى الصين، المنافس الاقتصادي الأكبر. إنه صراع على الذهب الأسود، يتخفى وراء شعارات "الديمقراطية" و"مكافحة الجريمة"، لكنه في النهاية لعبة مصالح صافية.

-- وليس النفط مجرد سلعة في السوق العالمية، بل هو دم الحياة للاقتصاد العالمي. ومن يسيطر عليه يملك قدرة على التحكم في مسارات النمو والركود، بل وفي مستقبل التحالفات الدولية. ومن هنا نفهم إصرار واشنطن على ألا تسمح لفنزويلا بأن تكون حليفاً لبكين أو موسكو.

التاريخ يعيد نفسه،

إن ما نشهده اليوم ليس جديداً في منطق السياسة الدولية. فقد سبق أن حاولت واشنطن في ستينيات القرن الماضي أن تطيح بكوبا عبر "أزمة خليج الخنازير"، حينما رأت في تقارب هافانا مع موسكو تهديداً لأمنها القومي. واليوم، يبدو المشهد شبيهاً: دولة لاتينية ترفض الانصياع وتتحالف مع خصوم واشنطن، فتتحرك الآلة العسكرية الأميركية لتعيد ضبط التوازن.، ، ،

لكن الفارق أن المشهد الدولي اليوم أكثر تعقيداً. لم تعد المواجهة محصورة بين قطبين كما في الحرب الباردة، بل دخلت الصين بثقلها كقوة اقتصادية وعسكرية صاعدة، تسعى إلى كسر الهيمنة الأميركية. وهذا ما يجعل الصراع أكثر خطورة: فهو لم يعد مجرد مواجهة بين واشنطن وموسكو، بل أصبح مثلثاً تتداخل فيه الحسابات النفطية والاقتصادية والعسكرية.

--الصراع بالوكالة.. تجنب المواجهة المباشرة--

يدرك الجميع أن أي مواجهة مباشرة بين القوى الكبرى قد تنزلق سريعاً إلى حرب نووية شاملة، وهو ما يدركه الساسة والعسكريون على السواء. لذلك، يجري تفريغ الصراع في جبهات إقليمية. أوكرانيا في أوروبا الشرقية، وفنزويلا في أميركا الجنوبية، تمثلان مسرحين لحروب بالوكالة، حيث تختبر القوى الكبرى بعضها البعض عبر أزمات محلية.

--هذه الحروب ليست مجرد نزاعات إقليمية، بل معارك رمزية تعكس صراعاً أكبر. كل طرف يحاول أن يثبت أنه الأقدر على الصمود والردع دون أن يضطر إلى مواجهة مباشرة قد تدمّر البشرية بأكملها.

--أوروبا خارج المسرح هذه المرة--

من المثير أن أوروبا، التي كانت في القرن العشرين مركز الحروب الكبرى، لم تعد الساحة المباشرة للصراع. صحيح أن أوكرانيا تمثل نقطة توتر، لكنها تبقى في الأطراف الشرقية. أما المسرح الحقيقي اليوم فهو بعيد عن القارة العجوز، في الكاريبي وأميركا اللاتينية. وهذا يعكس تحوّلاً في الجغرافيا الاستراتيجية: فالصراع لم يعد أوروبياً- أوروبياً كما في الحربين العالميتين، بل أصبح صراعاً على النفوذ العالمي في مناطق جديدة.

- -البعد الفلسفي للصراع--

وهنا، لا يمكن إغفال البعد الفلسفي. هل كتب على البشرية أن تعيد إنتاج الحروب الكبرى كلما حاولت أن ترسم نظاماً جديداً؟ أليس في التاريخ ما يكفي من الدروس لندرك أن الحرب لا تلد إلا مزيداً من الفوضى؟ لكن يبدو أن النظام الدولي لا يعرف الاستقرار إلا عبر الحرب. فمن حرب الثلاثين عاماً في أوروبا، إلى الحروب النابليونية، وصولاً إلى الحربين العالميتين، دائماً ما كان النظام العالمي يولد من رحم الدماء.

--واليوم، يلوح في الأفق سؤال: هل نحن على أعتاب ميلاد نظام عالمي جديد يولد من حرب كبرى؟ أم أننا أمام سلسلة من الحروب الصغيرة بالوكالة، التي تظل تحت السيطرة دون أن تنفجر إلى مواجهة شاملة؟

مسؤولية الشعوب، ،

في خضم هذه التحولات، تبقى الشعوب هي الضحية الكبرى. الجنود الذين يُرسَلون إلى الجبهات ليسوا سوى أبناء الطبقات البسيطة، والضحايا المدنيون في المدن المستهدفة هم من يدفعون الثمن الأكبر. أما الساسة الكبار، فيخوضون حروبهم من وراء المكاتب، ويحوّلون حياة الملايين إلى أرقام في تقارير استخباراتية.

لكن الشعوب ليست مجرد ضحية صامتة. ففي لحظات معينة من التاريخ، كانت قادرة على قلب المعادلات. من احتجاجات فيتنام إلى الثورات ضد الاستعمار، يظل صوت الناس قادراً على أن يضع حدوداً لجموح السلطة. والسؤال: هل يستطيع شعب فنزويلا أن يواجه هذه الموجة العاتية؟ وهل يمكن أن تفرز هذه الأزمة وعياً جديداً لدى شعوب القارة اللاتينية يدفعها إلى التحرر من الهيمنة؟

، - زمن الطبول العسكرية--

إننا نعيش زمناً تتسارع فيه الأحداث كما لو أن التاريخ يركض بسرعة جنونية. فبينما تتحدث واشنطن عن "الحرب على المخدرات"، يدرك الجميع أن الهدف أبعد من ذلك بكثير. إنها لعبة كبرى لإعادة رسم خرائط النفوذ، حيث تتحول فنزويلا إلى ساحة اختبار جديدة بين الشرق والغرب.

--إن إعادة تسمية وزارة الدفاع إلى "وزارة الحرب" ليست مجرد تفصيل إداري، بل إعلان عن عصر جديد، عصر الطبول العسكرية. وفي هذا العصر، لا مكان للحياد أو التردد، بل صراع مفتوح على النفوذ والثروات. أما العالم، فيقف على حافة هاوية، يتأرجح بين حرب كبرى قد تعصف بكل شيء، أو توازن جديد يولد من رحم الدماء.

--وفي كل الأحوال، يبقى السؤال الفلسفي قائماً: هل ستتعلم البشرية من أخطائها، أم أن قدرها أن تكرر المأساة جيلاً بعد جيل؟

--- محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية---

إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق الإمارات تطلق أول منصة تفاعلية لتدريب السلامة الغذائية باستخدام الألعاب والذكاء الاصطناعي
التالى "إي تاكس" تحتفي بنجاح وزارة المالية في "التسهيلات الضريبية"