قال الباحث والمتخصص في العلاقات الدولية، جعفر الحشاني، إنه في 19 مارس 2011، شنت قوات حلف الناتو عملية فجر الأوديسا العسكرية ضد ليبيا، مستندة إلى قرار مجلس الأمن رقم 1973 الذي دعى إلى حماية المدنيين لكن ما بدأ كتدخل إنساني تحول إلى حملة عسكرية ممنهجة أسقطت نظام معمر القذافي وتركت البلاد في حالة من الدمار والفوضى لا تزال تداعياتها مستمرة حتى اليوم.
وأضاف الحشاني، خلال مشاركته علي قناة الحدث، أنه بعد أكثر من عقد، تواجه ليبيا انقسامًا سياسيًا، وانتشارًا للسلاح، وانهيارًا اقتصاديًا، بينما تتصاعد المطالبات الشعبية بمحاسبة الناتو وتعويض الشعب الليبي عن الخسائر البشرية والمادية، متابعا أنه قتل أكثر من 25,000 ليبي خلال الحرب الأهلية التي أعقبت التدخل، بالإضافة إلى آلاف الجرحى والمشردين، كما دمر أكثر من 5,900 هدف عسكري ومدني، بما في ذلك البنية التحتية للمستشفيات والطرق ومحطات الطاقة، إذ انخفض إنتاج النفط من 1.6 مليون برميل يوميًا إلى مستويات متدنية، مما أفقد ليبيا مصدر دخلها الرئيسي.
وتابع الحشاني، أنه في السنوات القليلة الماضية، تحولت ليبيا إلى أكبر مخزون سلاح غير خاضع للرقابة في العالم، حيث انتشر 200,000 طن من الأسلحة (ما يعادل 29 مليون قطعة) بين الميليشيات والعصابات الإجرامية، إذ سيطرت جماعات إرهابية وتيارات الإسلام السياسي على مفاصل الدولة، بدعم من تركيا، مما زاد من تفكك المؤسسات الأمنية، موضحا أن الشعب الليبي يعاني من نقص حاد في خدمات كالكهرباء والمياه والوقود، بينما تدهور النظام الصحي والتعليمي بشكل غير مسبوق، وأصبحت ليبيا دولة فاشلة وفقًا لتقارير دولية، حيث يعيش حوالي 80% من السكان تحت خط الفقر بسبب الفساد والصراعات السياسية.
وأوضح الحشاني، أنه في مارس الماضي، أعرب حزب صوت الشعب الليبي عن تأييده الكامل لاستنتاجات تقرير المركز الأوروبي للدراسات وما أعقبه من تقارير أممية ذات صلة، والذي حمّل حلف الناتو المسؤولية الكاملة عن الدمار الواسع الذي لحق بالبنية التحتية الليبية وانعدام الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي نتيجة تدخله العسكري عام 2011، وانضم إلى هذا الموقف حراك صوت العدالة الليبي، الذي يقود حملة منظمة في هذا الإطار، ويضم تجمعاً من النخب القانونية والحقوقية.
الأموال الليبية المجمدة في البنوك الأوروبي
وأكمل الحشاني، أنه ركز بيان الحراك الأخير مطلع سبتمبر الجاري على ضرورة الاعتراف الرسمي من حلف الناتو بمسؤوليته عن الخسائر البشرية والمادية واسترداد الأموال الليبية المجمدة في البنوك الأوروبية مباشرة إلى الشعب، وليس للحكومات المتعاقبة التي اتسمت بالفساد، كما يطالب بإنشاء صندوق وطني مستقل لإدارة التعويضات تحت إشراف ممثلين عن جميع المناطق (الشرق، الغرب، الجنوب)، لضمان توزيع عادل للثروات، وتوجيه الأموال للمشاريع الحيوية كبناء مساكن مجانية للشباب، وتطوير البنية التحتية (المياه، الكهرباء، الطرق)، وتغطية تكاليف التعليم والعلاج في الخارج، إذ يناشد الحراك كافة المؤسسات الوطنية والجهات الحقوقية الدولية بدعم مطالب الشعب الليبي في استرداد هذه الحقوق وتحقيق العدالة.
واستطرد: "فيما يدعو حقوقيون البرلمان الليبي وهو السلطة التشريعية الأعلى في البلاد إلى تبني هذه المطالب وتحويلها الى مشروع قانوني يصل إلى الجمعية العامة للأمم والمتحدة والمحاكم الدولية لحث دول الناتو والمجتمع الدولي الذي تدخل في مسار الأحداث في ليبيا على تحقيق العدالة لليبيين، وسبق وأن رفعت نقابة محاميين ليبيا دعوى قضائية ضد دول حلف الناتو وطالبتهم بالتعويض والقيام بإعادة إعمار ليبيا، إلا أن الجانب الأوروبي تهرّب ونكر تلك المطالب".
وأكد الحشاني، أنه تتحمل دول مثل فرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن الدمار، لكنها تتجاهل المطالبات بالتعويضات، متذرعة بـ الشرعية الدولية للتدخل، فيما تدعم بعض المنظمات الحقوقية مطالب الليبيين، لكن القضاء الدولي (مثل محكمة الجنايات الدولية) يواجه عوائق سياسية تحول دون محاكمة المسؤولين.
وأشار إلى أن الانقسام السياسي بين حكومة طرابلس وحكومة الشرق يضعف الموقف التفاوضي الليبي، بينما تستمر الميليشيات في نهش مقدرات البلاد، لذلك، فإن المصالحة الوطنية الشاملة يجب أن تسبق أي مفاوضات مع الناتو، لتمثيل ليبيا بموقف موحد، كما أنه لا بد من تنظيم ضغط دولي عبر منظمات مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، لمطالبة الناتو بالاعتراف بمسؤولياته، ورفع قضايا ضد الدول والشركات المتورطة في تدمير ليبيا، كما حدث في قضايا تعويضات الحرب العالمية الثانية، فالدمار الذي خلفه عدوان الناتو لم يقتصر على الأرواح والمباني، بل شوه مستقبل أجيال كاملة.
ولفت إلى أن الشعب الليبي يرفع صوته مطالبًا بحقه المشروع في التعويض وإعادة الإعمار، وإذا كان الغرب يدّعي تبني قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، فليبدأ بالاعتراف بجرائمه في ليبيا والتعويض عنها، فالشعب الليبي، كما يقول حراك صوت العدالة لن يقبل إلا بإعادة حقوقه كاملة.