في رحاب ربيع الأنور، حيث تتجدد النفحات الروحية بذكرى مولد الحبيب المصطفى ﷺ، تطل علينا درر السيرة النبوية العطرة التي حفظها الصحابة رضوان الله عليهم ونقلها العلماء في مؤلفات خالدة. ومن بين تلك الكتب النفيسة يبرز كتاب الشمائل الشريفة للإمام جلال الدين السيوطي وشرحه للإمام المناوي، الذي جمع فيه أوصاف النبي ﷺ الجسدية والخلقية، لتبقى شاهدة على كماله وجماله.
ومن الروايات التي أوردها الأئمة ما رواه جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: «كان - ﷺ - ضليع الفم، أشكل العينين، منهوس العقب» [رواه مسلم]. وهي أوصاف دقيقة تنقل إلينا صورة حية عن ملامح النبي الكريم ﷺ.
فـ"ضليع الفم" تعني عظيم الفم أو واسعَه، وقد امتدحت العرب ذلك وعدّوه من علامات الفصاحة والبيان. قال الزمخشري: الأصل في الضليع عظم الأضلاع وامتلاؤها، ثم استُعمل في موضع العظمة والكمال. وقيل: الضليع هو الذي تبدو على شفتيه رقّة وجمال، وقد فسّره بعض أهل العلم بأنه كناية عن قوة بيانه وفصاحته، إذ كان ﷺ يفتتح الحديث ويختمه ببلاغة تامة.
أما "أشكل العينين"، فهي صفة تدل على أن بياض عينيه كان فيه حمرة خفيفة، وهي من الصفات المحمودة التي تزيد العين جمالًا وبهاءً، بل وتدل على الحيوية والنضارة.
وأما "منهوس العقب"، فيقصد به أن لحم مؤخر القدم قليل، وهي سمة في العرب تعبر عن الخفة في الحركة والنشاط، وقد ذكرها أهل اللغة بأنها علامة على قوة الجسم وخفته.
وقد أورد الإمام المناوي في شرحه أقوال العلماء، فنقل عن شعبة أنه سأل سماك بن حرب عن معنى هذه الصفات، فقال: "ضليع الفم واسع الفم، وأشكل العينين طويل شق العين، ومنهوس العقب قليل اللحم". وهو ما يوضح عناية العلماء في تفسير هذه الروايات وربطها بلغة العرب ومعاييرها في الجمال والكمال.
إن هذه الصفات النبوية لم تكن مجرد أوصاف جسدية، بل تحمل بين طياتها معاني سامية، إذ تعكس اكتمال الهيئة التي تليق بخاتم الأنبياء والمرسلين، وتبرز جمال خَلقه الذي كان مرآةً لجمال خُلقه.
ومع تجدد ذكرى المولد النبوي الشريف في ربيع الأنور 1447هـ، يبقى استحضار هذه الملامح النبوية بابًا للتأمل في عظمة الرسالة وسمو حاملها، ﷺ، الذي اجتمع فيه كمال الشكل والجوهر، فكان رحمة مهداة ونورًا ساطعًا للعالمين.