يفترض هذا الكتاب "الطور والزيتون: نظرات وتفسيرات" لمؤلفه الأكاديمي الإماراتي الدكتور عبد القادر الخياط، أن الزيتون المذكور في القرآن وشجرة طور سيناء، التي تنبت بالدهن وصبغ للآكلين، ليسا هما الزيتون الأخضر الشامي، ويقدم في كتابه عشرات الأدلة، فيأتي هذا الكتاب ليناقض هذا المفهوم الراسخ ويقدم أدلة علمية وتفسيرات مغايرة، ويكشف عن شجرتين جديدتين للزيتون القرآني، الذي تتعدد أسماؤه في ثقافة العرب وتاريخهم كما يدلل في كتابه.
يمثل كتاب "الطور والزيتون: نظرات وتفسيرات"، الصادر مؤخرًا في أغسطس سنة 2025 عن مركز الأهرام للنشر، رحلة قرآنية وتفسيرية وعلمية في كتاب الله، انطلقت من تساؤلات وتأملات شخصية عميقة حول ذكر الزيتون في القرآن الكريم، وتحديدًا في قوله تعالى: "والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه" (الأنعام - 99) و"والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه" (الأنعام - 141)، وهي الآية التي تبدو من المشتبهات عنده، لأن الرمان في كل الصفات، نظرًا أو أكلًا، شكلًا أو طعمًا، لا يشبه الزيتون الأخضر المعروف.
كذلك، ينطلق المؤلف في كتابه في فهم النص القرآني من فرضية جديدة، تقوم على أن المقصود بـ "الزيتون" في بعض المواضع القرآنية ليس دائمًا الزيتون الأخضر المعروف في بلاد الشام، بل شجرة زيتون الجوافة. فالزيتون هو الجوافة، في لهجات وثقافة بعض دول الخليج وعُمان واليمن والحبشة وغيرها، منذ زمن غير معلوم!
جمع الكاتب في كتابه الجديد بين النقل والعقل، بين الرواية والدراية، وخاض رحلة موسعة استوعب فيها وناقش تراث ومدونات التفسير واللغة والأدب العربي على اختلاف أزمانها وعصورها، وكذلك استخدم نتائج علوم النبات والكيمياء، لينتهي إلى استخلاص عشر صفات قرآنية للزيتون، ومساءلة فرضيته: ما المقصود بالزيتون القرآني؟ هل هو زيتون الشام الأخضر أم زيتون الجوافة؟ وقد خصص المؤلف القسم الأول من كتابه لمناقشة عشر صفات قرآنية للزيتون تحسم الخلاف بين نوعين يحملان اسمه: زيتون الشام الأخضر، أم زيتون الحبشة (الجوافة).
بينما خصص المؤلف القسم الثاني من كتابه لنظراته وتفسيراته للآية الكريمة: "وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين" (المؤمنون - 20)، حيث يفنّد الرأي التقليدي الذي اعتمده المفسرون قديمًا وحديثًا، من أن المقصود بها شجرة الزيتون، رغم أن الله لم يسمها أو يعيّنها، ولا تتحقق في الزيتون الأخضر صفتاها المذكورتان في الآية الكريمة. وقد ساوى المفسرون بين الزيت والدهن وبين الصبغ والإدام، بينما وصل المؤلف لهذه الشجرة بعد رحلة مضنية تتحقق فيها الصفات القرآنية المحددة، وهي شجرة نخيل الزيت الاستوائية، لما تحمله من دهون طبيعية وصبغيات غنية بالفيتامينات. فالمعجزة أنها تنبت بالدهن كاللحوم وما يخرج من الحيوانات، وهو موطن الإعجاز الذي لم يسبق إليه المؤلف.
كما يتوقف المؤلف عند قضية "طور سيناء" وموقعه الجغرافي، خاصة بين دراسات جغرافيا التوراة الحديثة والمنتشرة شرقًا وغربًا، موازنًا بينها، ومستعرضًا الخلافات القديمة والحديثة حول تحديده، مرجحًا أنه يقع في بيئة استوائية تتوافق مع معطيات النص القرآني.
الكتاب لا يقدم مجرد تفسير تقليدي، بل يوظف خبرة المؤلف العلمية والجنائية في علوم الفيزياء والبحث الجنائي، في البحث الدقيق والمقارنة، ليقدم للقارئ إضافات جديدة في فهم إعجاز النص القرآني عبر "مجهر علمي وضمير قرآني"، كما يصفها.
ويؤكد الدكتور عبد القادر أن دافعه الأساسي في كتابه كان: "حسم الإشكاليات بالنظر والتأمل الصادق في القرآن، والجرأة على الطرح المختلف ما دام يستند إلى الأدلة"، مقتديًا بوصية الشاعر محمد إقبال: "اقرأ القرآن وكأنه عليك أنزل".
إن هذا العمل يفتح آفاقًا جديدة أمام القراء والباحثين في مجالات التفسير القرآني والدراسات البينية بين النص والدلالة العلمية، جامعًا بين الجرأة في الطرح والالتزام بروح النص القرآني.