3 أسباب وراء قرار الحل بينها التحريض على العنف والإرهاب.. ووزير الداخلية الفرنسى يتهم المعهد بـ«شرعنة الجهاد المسلح» ويدعو لحماية قيم الجمهورية
فى خطوة وُصفت بأنها الأولى من نوعها ضد حركة الإخوان المسلمين فى فرنسا، قرر مجلس الوزراء الفرنسى حل المعهد الأوروبى للعلوم الإنسانية (IESH)، وهو مؤسسة متخصصة فى تدريب الأئمة تقع بالقرب من شاتو شينون (إقليم نيفر). ويُعد هذا القرار أول إجراء رسمى مباشر ضد الجماعة، منذ التقرير الذى صدر فى مايو الماضى وأشار إلى ما وصفه بـ"تغلغل" الإسلام السياسى فى المؤسسات والمجتمع الفرنسي.
وزير الداخلية الفرنسى برونو ريتيلو، رحّب بالقرار عبر منشور فى منصة "إكس"، متهمًا المعهد بـ"إضفاء الشرعية على الجهاد المسلح". فيما تضمّن مرسوم الحل، الصادر يوم الخميس ٤ سبتمبر، أكثر من اثنتى عشرة صفحة من الاتهامات.
وبحسب ما كشفته وزارة الداخلية لصحيفة لوموند، فإن حل المعهد استند إلى ثلاثة أسباب رئيسية:
التحريض على أعمال عنف ضد الأفراد، التحريض على التمييز أو الكراهية أو العنف ضد الجماعات بسبب الدين أو الأصل القومى أو العرقى أو التوجه الجنسي، القيام بأعمال تهدف إلى إثارة الإرهاب فى فرنسا أو خارجها.
ووفق موقع Place Beauvau، استندت هذه الاتهامات إلى نتائج عمليتى تفتيش نفذتهما السلطات فى مقر المعهد خلال ديسمبر ٢٠٢٤ ومطلع ٢٠٢٥، صودرت خلالهما كتب ومواد تعليمية وُصفت بأنها "تشجع على قراءة حرفية متشددة للشريعة".
تقرير الداخلية أشار إلى أن مناهج موجهة لطلاب السنة الثانية تضمنت تبريرًا للعقوبات البدنية، وتشجيعًا على التمسك الصارم بالشريعة. كما ضُبطت منشورات تصف اليهود بـ"القردة والخنازير" وتتهمهم بممارسة السحر والخداع، فضلًا عن مواد تهاجم العلمانيين وتنتقد بشدة مكانة المرأة فى الغرب.
وفى السياق ذاته، استشهد التقرير بنصوص تدعو إلى "الجهاد"، وتُستخدم – بحسب الداخلية – من قبل جماعات متطرفة، كما وُجهت اتهامات لبعض مسئولى المعهد بنقل خطابات تشجع على العنف، أو تولى مسئوليات فى منظمات مرتبطة بحركة "حماس". وأكدت أجهزة الاستخبارات أن تسعة من خريجى المعهد التحقوا لاحقًا بجماعات جهادية أو نفذوا هجمات، من بينهم محمد مراح منفذ هجومى تولوز ومونتوبان عام ٢٠١٢.
خلفية تاريخية
تأسس المعهد أوائل التسعينيات برعاية "اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا" المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، قبل أن يتوسع فى أوروبا. غير أن خبراء فى الشأن الإسلامى يؤكدون أن تأثير هذه المرجعية تراجع بمرور الوقت، وأن ما يُدرّس حاليًا أقرب إلى الطابع "المحافظ" منه إلى التحريضي، مع الالتزام – ظاهريًا – بمبادئ العلمانية.
إدارة المعهد نفت فى بيانات سابقة أى صلة بالعمل السياسى أو الأيديولوجي، مؤكدة أن نشاطها "تعليمى وأكاديمى بحت، يهدف إلى تدريب رجال الدين ضمن إطار يحترم الجمهورية ويعزز قيم العيش المشترك". وحتى صباح الخميس، لم يصدر عنها أى تعليق رسمى على قرار الحل.
وكانت السلطات الفرنسية قد جمدت فى يونيو الماضى أصول المعهد واثنين من مسئوليه، هما مديره محمد كرموس ورئيس قسم القرآن سعيد بوهديفي، وهو ما حال دون تنظيم المخيمات الصيفية وبدء العام الدراسى الجديد.
يضم المعهد نحو ألف طالب يتابعون دروسًا فى اللغة العربية والقرآن والشريعة، سواء حضوريًا أو عن بعد. وعلى مدى عقود، كان المؤسسة الأبرز فى فرنسا لتخريج الأئمة، رغم أن قلة من طلابه فقط يتجهون لهذه المهمة بشكل مباشر.
وتضع السلطات الفرنسية ملف تدريب الأئمة ضمن أولوياتها، خاصة مع التوجه لإلغاء تدريجى لنظام "الأئمة الموفدين" من الجزائر والمغرب وتركيا. غير أن مراقبين يرون أن حل المعهد قد يفاقم النقص فى الكوادر الدينية المؤهلة داخل فرنسا، ما يثير تساؤلات حول البدائل المطروحة لتعويض هذا الفراغ.
بهذا القرار، تكون باريس قد فتحت مرحلة جديدة فى تعاملها مع الإسلام السياسي، وسط نقاش داخلى محتدم بين ضرورة حماية الأمن القومى والحفاظ على مبادئ الحرية الدينية.
