12:00 م - الأربعاء 3 سبتمبر 2025

يشهد النظام المالي العالمي تحولات غير مسبوقة مع تجاوز احتياطيات البنوك المركزية من الذهب للمرة الأولى منذ نحو ثلاثة عقود حجم احتياطياتها من سندات الخزانة الأميركية. هذا التطور يعكس بوضوح تراجع الثقة في الدولار كعملة مهيمنة، وبداية انتقال تدريجي نحو نظام اقتصادي أكثر تنوعًا، يكون فيه للمعادن الثمينة دور محوري.
قفزت أسعار الذهب إلى مستويات تاريخية متجاوزة حاجز 3500 دولار للأونصة، بزيادة بلغت 34% منذ بداية العام الجاري، وسط توقعات بأن تواصل الأسعار صعودها إلى ما يتجاوز 4000 دولار خلال الفترة المقبلة. هذه الطفرة لا ترتبط بموجة مضاربية مؤقتة، بل تمثل تحولًا استراتيجيًا في توجهات المؤسسات المالية والبنوك المركزية نحو الذهب كخيار آمن في مواجهة أزمات الديون والتقلبات الجيوسياسية.
الأرقام تكشف حجم التغير؛ فقد بلغ الطلب العالمي على الذهب خلال الربع الثاني من عام 2025 نحو 1249 طنًا، توزعت بين الاستثمار المباشر، وشراء البنوك المركزية، وصناعة المجوهرات، والاستخدامات التكنولوجية. هذه التوزيعات توضح أن الذهب لم يعد مجرد مخزن تقليدي للقيمة، بل أصبح ركيزة أساسية في الاستراتيجيات الاقتصادية للدول والمؤسسات.
وفي موازاة ذلك، شهدت الفضة صعودًا لافتًا تجاوز 40 دولارًا للأونصة لأول مرة منذ 14 عامًا، مسجلة ارتفاعًا بأكثر من 40% منذ بداية العام. وتزايد الإقبال عليها نتيجة ارتفاع أسعار الذهب، ودخول البنوك المركزية على خط اقتنائها، فضلًا عن الطلب الصناعي المتنامي الذي يشكل أكثر من 60% من استهلاك الفضة عالميًا. الفجوة الكبيرة بين العرض والطلب، حيث فاق الاستهلاك 1.16 مليار أونصة في عام 2024 مقابل إنتاج لا يتجاوز 820 مليون أونصة، أسهمت في دفع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة.
هذا المشهد يعكس تحولًا أعمق يتمثل في تراجع الثقة في الأدوات المالية التقليدية مثل الدولار والسندات الأميركية، مقابل الاعتماد المتزايد على الذهب والفضة كأصول استراتيجية. كما يشير إلى بداية عصر جديد قد يوازي من حيث الأهمية اتفاقية بريتون وودز التي جعلت الذهب أساسًا للنظام المالي العالمي لعقود.
الذهب والفضة اليوم لا يمثلان مجرد أدوات ادخارية، بل صارا مرآة لحالة الاقتصاد العالمي، ومؤشرًا على حجم الأزمات والتحديات التي يواجهها. ومع استمرار الأزمات الجيوسياسية وتصاعد الديون العالمية، يبدو أن هذين المعدنين يتقدمان ليكونا في صدارة المشهد المالي القادم، ما يثير تساؤلات حول مستقبل الدولار وهيمنته على النظام الاقتصادي الدولي.
إن الصعود التاريخي للذهب والفضة لا يقتصر على كونه حركة في الأسعار، بل يعكس تحولات جذرية في موازين القوى الاقتصادية العالمية. ومع تزايد اعتماد البنوك المركزية على المعادن الثمينة، تتشكل ملامح نظام مالي جديد يضع حدًا للتفرد الأميركي، ويمنح الذهب والفضة مكانة استراتيجية في معادلة الاقتصاد العالمي خلال السنوات المقبلة.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.